تبادل سفراء بين إيران والسودان: قراءة في حدث يطرح أسئلة مقلقة؟

وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات

تقدير موقف.
تقديم:
أثار رفع الخرطوم وطهران مستوى علاقاتهما إلى مستوى تبادل السفراء أسئلة بشأن طبيعة العلاقة التي ينسجها الطرفان وأهدافها ومآلاتها على راهن الصراع العسكري في البلاد. غير أن الحدث سلّط مجهراً على تداعيات الأمر على دول الجوار وعلى الموقف الدولي العام. ويمثل التطوّر حدثا إشكاليا ليس فقط على مستقبل التسوية، بل في الجانب الذي يتعلّق بتعقّد علاقات طهران مع المنطقة والعالم. فما سياق هذا التقارب وما موقف دول المنطقة بشأنه، وما تداعياته خصوصا على مستقبل “منبر جدة” لإنهاء الحرب؟
لرصد الحدث حريّ مراقبة سياقه وعوامله بتتبع للعوامل والخلفيات التالية:
– يقوم تطوير علاقة البرهان بإيران على حاجة الجيش السوداني إلى التزوّد بالسلاح في حربه ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكان سبق لتقارير دولية أن أشارت إلى أدلة على وجود أسلحة إيرانية دخلت المعركة في السودان لا سيما سلاح المسيّرات.
– نُقل عن مسؤول سوداني أنه لا توجد أي اتفاقات أمنية وعسكرية جديدة بين الخرطوم وطهران، ولكن ذلك لا يمنع شراء أسلحة من أي دولة بما في ذلك إيران، لأنه أمر مشروع ولا تمنعه الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي لا تحظر على الدول الحصول على الأسلحة للدفاع عن سيادة البلاد واستقرارها.
– في فبراير الماضي أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الجيش السوداني. وقال جون غودفري، سفير الولايات المتحدة لدى السودان في ذلك الوقت، إن التقارير عن المساعدات الإيرانية للخرطوم “مقلقة للغاية ومصدر قلق كبير بالنسبة لنا. فيما نقلت لاحقا وكالة بلومبيرغ عن مسؤولين غربيين أن إيران زوّدت الجيش السوداني بمسيّرات وأن أقماراً اصطناعية التقطت صوراً لطائرة من نوع “مهاجر 6” الإيرانية، في قاعدة وادي سيدنا الجوية الخاضعة للجيش شمالي الخرطوم
– كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد كشفت في مارس الماضي أن إيران طلبت إقامة قاعدة لها في بورتسودان على البحر الأحمر. ورغم الإعلان عن تحفّظ السودان على هذا الطلب غير أن تطوّر العلاقات إلى المستوى الرسمي المعلن وتبادل السفراء قد يؤشّر أيضا إلى تطوّر ما طرأ على الموقف من مطالب إيران.
– تلفت مصادر إلى أن قوات الدعم السريع سبق لها المشاركة في الحرب في اليمن ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وأن هذا العامل يقف أيضا وراء انحياز إيران إلى الجيش السوداني بقيادة البرهان وتقديم الدعم له في معركته ضد القوات التي يقودها حميدتي.
– يمثل السودان بالنسبة لإيران فرصة للتنافس الجيوستراتيجي داخل بلد شديد الأهمية على مستوى الموقع والموارد والدور والوظيفة في القارة السمراء والعالم. ويمثل البلد أيضا فرصة إضافية لإيران لإطلالة أخرى داخل أفريقيا من جهة والبحر الأحمر من جهة ثانية في عزّ الجدل حول نفوذها على البحر وممراته من خلال جماعة الحوثي في اليمن.
– ترجّح بعض الآراء إلى أن الإسلاميين الذين يدعمون الجيش السوداني ويتحركون عسكريا تحت مسميات مختلفة تحت عنوان “المقاومة الشعبية” يقفون أيضا وراء الدفع بتطور العلاقات بين البرهان والجانب الإيراني، على الرغم من أن النظام الإسلامي بقيادة عمر البشير كان قد قطع علاقاته مع إيران إثر تعرّض المنشآت السعودية في إيران لاعتداءات في عام 2016.
– كان السودان في عهد البشير قد عزز علاقاته مع إيران على نحو أثار قلق الدول الإقليمية. وكانت السفن الحربية الإيرانية تزور بانتظام مرافئ السودان، ناهيك من إرسال إيران أسلحة صاروخية إلى السودان وقيل إن بعضها كانت وجهته قطاع غزّة. وقد افتتح البشير علاقات السودان مع إيران بعد 5 أشهر فقط من توليه السلطة في عام 1989. ولاحقًا زار الخرطوم 3 رؤساء إيرانيين: أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد.
– تقول مصادر إن إيران تنضم إلى تركيا ومصر في دعم الجيش السوداني عسكريا. غير أن أجندات الدول الثلاث في تقديم هذا الدعم مختلفة وتخضع لحسابات خاصة بكل دولة.
– يستفيد البرهان من هذه الأجواء أيضا لتبرير بيئة إقليمية حاضنة لتقارب مع طهران على منوال التقارب الذي تسعى إليه إيران ودول المنطقة للتقارب في ما بينها. كما أن سياسة الانفتاح الإيراني على المنطقة والتي يدعمها المرشد علي خامنئي وعمل عليها الرئيس الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ويعد بتطويرها واستمرارها الرئيس الحالي مسعود بزشكيان تتيح للبرهان تطبيعا كاملا للعلاقات مع إيران في سياق سياستها التي ستجنبها التقدم بمطالب محرجة للسودان ومستقزّة لدول الجوار.
– تدعو مصادر مراقبة إلى وضع تطوّر علاقة البرهان بإيران في سياق أوسّع كان من أبرز علاماته الزيارة التي قام رئيس الوزراء الأثيوبي إلى بورتسودان واجتماعه بالبشير في 9 يوليو الجاري والاتصال الذي جرى بين البشير ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في 18 من هذا الشهر.
– سبق تطوّر العلاقات مع إيران توثيق العلاقات مع روسيا التي زارها مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني 3 مرات خلال الفترة السابقة، وكذلك زار بورتسودان في أبريل الماضي ميخائيل بوغدانوف المبعوث الرئاسي الروسي نائب وزير الخارجية الذي رافقه خبراء في شتى المجالات.
– ترى مصادر سعودية مراقبة أن خلط الأوراق لم يبدل موقف الرياض لجهة التمسّك بعلاقة متوازنة مع البرهان وحميدتي والاعتراف بدورهما المقبل لانتاج تسوية لإنهاء الحرب. وعلى الرغم من تقدم دول بسياسات منحازة سياسيا وعسكريا لصالح أطراف القتال، تؤكد المصادر أن “منبر جدة” الذي يحظى بدعم أميركي ودولي وأفريقي ما زال منبر الخروج الجدي من الأزمة.
– كشف تقرير إسرائيلي حديث عن قلق بشأن اعتماد البرهان أوراق اعتماد السفير الإيراني الجديد، وتحدث التقرير، بحسب وكالة سبوتنيك، عن “تخوف إسرائيل من أن إيران ستستخدم الموانئ في بورتسودان لمراقبة البضائع القادمة إلى إيلات وقناة السويس”. ووفق التقرير، فإن السودان سيسمح لطهران بالوصول إلى البحر الأحمر وإنشاء ميناء بمدينة بورتسودان من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية في المنطقة ومراقبة البضائع القادمة إلى إسرائيل.
خلاصة:
**استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران من شأنه تشريع الدعم العسكري للجيش السوداني والذي كُشف عن وجوده أساسا قبل أشهر، لكن من غير المرجح أن يغيّر الأمر شيئا عسكريا بالنظر إلى استفادة قوى الصراع من دعم خارجي سيمنع أي انقلاب جوهري في موازين القوى.
**البرهان وإيران يستفيدان من أجواء الانفراج في علاقات طهران مع دول الجوار لتبرير علاقاتهما وقد تكون هذه الأجواء رادعا للطرفين لعدم اتخاذ تدابير استفزازية للدائرتين الإقليمية والدولية.
**لا تجد السعودية في تطوّر علاقات السودان وإيران تهديدا لأعمال منبر جدّة الذي بات مدعوما من دوائر دولية وأفريقية لانتاج تسوية لإنهاء الحرب في السودان ولن يبدّل هذا التطوّر من موقف الرياض المحايد بين طرفي الصراع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.