بين هاريس وترامب: ما أهمية أصوات العرب والمسلمين؟
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات.
- ملخص تنفيذي:
-تطوّر حضور الجالية العربية والمسلمة في الانتخابات الأميركية وأهمية أصواتها ما بين هاريس وترامب.
-الانقسام بين المعايير الاجتماعية المحافظة من جهة والموقف من فلسطين وحرب غزّة من جهة أخرى.
-متاهة الاختيار ما بين مرشحيْن داعميْن لإسرائيل ينتهجان مواقف ضبابية وغير حاسمة بشأن فلسطين.
-الحزب الديمقراطي يخاطر في اعتبار دعم الصوت المسلّم مضمونا، مقابل حملة للحزب الجمهوري لجذب الجاليات العربية والمسلّمة
-استطلاعات الرأي لدى الناخبين المسلمين تطوّرت وتبدًلت اتجاهاتها بين بايدن وهاريس.
- تقديم:
تمثل أصوات العرب والمسلمين عاملا قد يكون مرجّحا لحظوظ أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. ولا يتعلّق الأمر بالحجم الديمغرافي المحدود لهذه الشريحة من الناخبين، بل بالفارق الذي يمكن أن تحسم من خلاله نتائج الانتخابات في بعض الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وفرجينيا، وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا. وعلى الرغم من أن الموقف من قضايا الشرق الأوسط، وبخاصة الحرب في غزّة، سيكون محدّدا لخيارات الناخب العربي والمسلّم، غير أن مسائل أخرى، اجتماعية واقتصادية، تضغط بشكل حاسم في تحديد هوية المرشّح المفضل.
- تطوّر مسار أصوات العرب والمسلمين:
تكشف الأرقام والنسب العائدة إلى الانتخابات التي جرت المنافسة فيها عام 2020 بين الديمقراطي، جو بايدن، والجمهوري، دونالد ترامب صورة عن المشهد الانتخابي وحصّة العرب والمسلمين في تشكًله. تشير الإحصاءات آنذاك إلى أن 30 بالمئة من الناخبين العرب والمسلمين صوتوا لصالح ترامب و70 بالمئة صوتوا لصالح بايدن. فإذا كانت غالبية هذه الشريحة الناخبة تميل لطروحات اليسار الأميركي في نسخة الحزب الديمقراطي، فإن نسبة المصوتين لترامب انحازوا إلى الحزب الجمهوري المحافظ بشأن القضايا الاجتماعية مثل مكانة الدين فى المجتمع، وحقوق مجتمع الميم LGBTQ، وقضية حق الإجهاض.
وبحسب موقع “معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم” ISPU، ارتفع تسجيل الناخبين المسلمين الأميركيين من 60 في المئة في عام 2016 إلى 75 في المئة في عام 2018 وإلى 78 في المئة في عام 2020. وفي عام 2020، كانت هناك فجوة بنسبة 3 في المئة بين أولئك الذين يعتزمون التصويت والذين تم تسجيلهم للتصويت، بانخفاض قدره 21 في المئة في عام 2016 و8 في المئة في عام 2018.
ويكشف المسح التاريخي لتصويت العرب (غالبيتهم من المسيحيين) والمسلمين (غالبيتهم من غير العرب) أن الأغلبية كانت تصوّت وبشكل تقليدي لصالح الحزب الجمهوري. غير أن هذا التقليد قد انقلب بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وغزو أفغانستان (2001) والعراق (2003)، فصارت أصوات هذه الشريحة تذهب للحزب الديمقراطي. ومع ذلك فإن هذه “المسلَّمة” الانتخابية ليست نهائية بالنظر لموقف الديمقراطيين من القضية الفلسطينية وعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.
وبحسب تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فقد فاز ترامب بولاية ميشيغان في عام 2016، متغلباً على هيلاري كلينتون، ليصبح أول جمهوري يفوز بالولاية منذ عام 1988. أمّا بايدن فاسترجع الولاية من الجمهوريين في عام 2020. ارتفعت نسبة التصويت في ميشيغان إلى 70.5 في المئة في عام 2020، وهي أعلى نسبة منذ عام 1960، ما يعني أن التركيز على هذه الولاية مثلا من بين الولايات المتأرجحة الأخرى عامل محدّد للنتائج النهائية للتصويت.
- حيرة بين ترامب وهاريس:
لا يجد الناخب العربي والمسلم فرقا كبيرا في تعهّد الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بالدفاع عن أمن إسرائيل من جهة، وعدم جديتهما في التعامل مع الملف الفلسطيني من جهة ثانية. فبينما يتمّ انتقاد تعامل إدارة الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، مع الحرب في غزّة، منذ 7 اكتوبر 2023 “، لجهة الدعم العسكري والسياسي المفرّط لحكومة إسرائيل، ويتمّ انتقاد المرشّحة، كامالا هاريس، انتهاجها خطاب الاستمرار في هذه السياسة وعدم الحزم في مسألة إقامة دولة فلسطينية، فإن تلك الشريحة الناخبة تلاحظ من جهة أخرى ضبابية المرشح، دونالد ترامب، الراهنة المتأسّسة على سوابق “صفقة القرن” والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
ويتوجّس الناخب العربي والمسلّم من خطيئة يرتكبها الحزب الديمقراطي لجهة أعتبار أن تصويت أغلبية هذه الشريحة لمرشحة الحزب الديمقراطي، كاملا هاريس، مسلّمة نهائية. فبرغم أن ذلك كان صحيحا في انتخابات عام 2020 بالتصويت لصالح لبايدن، إلا أنه لم يتمّ تعيين أى من العرب الأمريكيين فى أى مناصب مرموقة فى إدارته، وذلك على العكس من إدارة ترامب التى عُيّن بها وزيران من أصول عربية هما مارك إسبر (وزير الدفاع السابق، الذى هاجرت عائلته من لبنان) وأليكس عازار (وزير الصحة والخدمات الإنسانية السابق، الذى جاءت عائلته أيضاً من لبنان).
ومقابل رفض حملة هاريس لمحاولات حركة “غير ملتزم” للدفع بمنح كلمة يلقيها متحدث فلسطينى على المنصة الرئيسية للمؤتمر العام للحزب الديمقراطى في أغسطس 2024، فإن حملة ترامب تسعى لجذب أصوات العرب والمسلمين الأمريكيين لجانبها. وقد تحدثت تقارير عن تواصل عدد من كبار مساعدى ومستشاري ترامب بشكل متزايد مع الجالية العربية والمسلمة. كما يقود الملياردير اللبنانى الأمريكى، مسعد بولس، صهر ترامب (تزوج ابنه مايكل من تيفانى ابنة ترامب فى عام 2022) جهدا جديدا لكسب أصوات لترامب بين الجالية العربية والمسلمة.
- مؤتمر الحزب الديمقراطي: ميزان فلسطين-إسرائيل:
تراهن حملة كامالا هاريس على أن تتجاوز المجتمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة سياسات بايدن بشأن حرب غزّة وعدم التصويت لترامب. وفيما قد يكون ذلك صحيحا، فإن استياءً لدى هذه الشريحة الناخبة تركه مؤتمر الحزب الديمقراطي الأخير وما كشفه من مواقف لهاريس لم تخرج عن التقليد الأميركي، الديمقراطي، في مقاربة قضية فلسطين والصراع مع إسرائيل في الشرق الأوسط.
فقد تبنى المؤتمر قراءة داعمة لإسرائيل وغير حازمة بالنسبة لحقوق الفلسطينيين تكشف الرؤية الحقيقية لإدارة هاريس في حال فوزها في الانتخابات المقبلة.
وتدور تلك القراءة حول النقاط التالية:
1-الحفاظ على قوة إسرائيل وتفوّقها، بما هو مصلحة للولايات المتحدة.
2-دعم حل الدولتين عن “طريق التفاوض” بما يضمن مستقبل إسرائيل بصفتها دولة “يهودية وديمقراطية”.
3-دعم حق الشعب الفلسطينى فى العيش بحرية وأمن فى دولة قابلة للحياة خاصة بهم.
4-الموافقة على أن القدس مسألة تخضع لمفاوضات الوضع النهائى، ومع ذلك ينبغى أن تظل عاصمة موحدة لإسرائيل.
5-التعهّد بعودة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الفلسطينية وتقديم المساعدات الحيوية للشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة (لم يفِ بايدن بوعده الانتخابي بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن كان ترامب قد أغلقه في سبتمبر 2018.
5-معارضة أي جهود ضد إسرائيل وأي سعي لنزع الشرعية عنها سواء فى الأمم المتحدة أو من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات أو فرض العقوبات عليها.
وترجّح تقارير تأثر الجالية العربية والمسلمة السلبي بضبابية موقف هاريس وما صدر عن مؤتمر الحزب الديمقراطي من دعم لإسرائيل، بذهاب قسم من أصواتها لصالح ترامب، فيما قد تذهب أصوات أخرى لصالح خيار ثالث، سواء كانت جيل شتاين مرشحة حزب الخضر، أو المرشح المستقل كورنيل ويست، وكلاهما من داعمى الحقوق الفلسطينية.
- قراءة في استطلاعات الرأي:
يكشف استطلاع الرأي الذي أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)، وهو أكبر منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية والدفاع عن المسلمين في البلاد، خلال الفترة بين 25 و27 أغسطس 2024، أن عدداً كبيراً من الناخبين غير الراضين عن موقف المرشحين الرئيسيين من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) المؤيد لإسرائيل، يتطلعون إلى خيارات من أحزاب أخرى.
ووفقاً لنتائج أول استطلاع رئاسي على الصعيد الوطني لتفضيلات الناخبين المسلمين الأميركيين، منذ حلّت نائبة الرئيس كامالا هاريس محل الرئيس جو بايدن على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي، فإن 29.4 بالمئة يعتزمون التصويت لصالح هاريس، ما يضعها في تعادل قريب مع مرشحة حزب “الخضر” جيل ستاين، وهي منتقدة شرسة لإسرائيل، وحصلت على دعم 29.1 بالمئة من عينة الاستطلاع.
ووفق الاستطلاع فإن 11.2 بالمئة من المسلمين الأميركيين سيصوتون لترامب، و 4.2 بالمئة لمرشح حزب “الشعب” كورنيل ويست، وأقل من 1 بالمئة لمرشح الحزب الليبرالي تشيس أوليفر، و 16.5 بالمئة لم يحسموا أمرهم بعد.
وإذا ما قورنت الاستطلاعات بأخرى تمّ إجراؤها حين كان بايدن مرشّحاً، فإن نتائج الاستطلاع الجديد تكشف عن ارتفاع كبير في دعم هاريس.
فقد أشار استطلاع سابق غير منشور أجرته “كير” بمشاركة أكثر من 2500 ناخب أميركي مسلم، أن 7.3 بالمئة فقط كانوا سيصوتون لصالح بايدن، مقارنة بـ 36 بالمئة لجيل ستاين و 25.2 بالمئة لمرشح حزب “الشعب” كورنيل ويست. وبالمقابل، حصل ترمب على 4.9 بالمئة من الدعم بين الناخبين المسلمين قبل انسحاب بايدن. وتعكس النتائج تحولاً في المشهد السياسي ضمن القاعدة الانتخابية للمسلمين الأميركيين، والتي أظهرت زيادة في التوافق مع حملة هاريس. كما أشار الاستطلاع أيضاً إلى أن 16.5 بالمئة من الناخبين المسلمين ما زالوا لم يحسموا أمرهم، ما يسلط الضوء على التحولات المتسارعة والتقلبات المحتملة لهذه الكتلة التصويتية الرئيسية.
- خلاصة واستنتاجات:
**قد تحسم أصوات العرب والمسلمين السباق الرئاسي في الولايات المتحدة بالنظر إلى ثقلها المرجّح داخل بعض الولايات المتأرجحة لا سيما ميشيغان وفرجينيا وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا.
**تنقسم حوافز هذه الشريحة الانتخابية بين أسباب اجتماعية تتعلق بموقع الدين والموقف من الحريات الليبرالية الجندرية من جهة، والموقف من قضايا الشرق الأوسط، خصوصا قضية فلسطين، من جهة ثانية.
**يسود استياء لدى الجاليات العربية والمسلمة من مقررات مؤتمر الحزب الديمقراطي الأخير بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية ما يكشف عن رؤية غير مطمئنة لإدارة كاملا هاريس في حال الفوز ويعزّز النزوع نحو التصويت الانتقامي لصالح منافسيها.
**على رغم سوابق دونالد ترامب من قضية فلسطين وضبابيته الراهنة، فإن أصوات عربية مسلمة قد تذهب باتجاهه معاقبة لهاريس من جانب واتّساقا مع توجهات الحزب الجمهوري الاجتماعية المحافظة من جانب آخر.
**ما زالت نسبة عالية من العرب والمسلمين لم تقرر لمن ستصوّت، ما يجعل أمر استرضاء الصوت العربي والمسلّم جهدا أساسيا في حملة المرشحيْن.