بين المرونة والتلويح بأوراق النفوذ: إيران تستعد للترامبية

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
أعادت إيران التموضع وفق واقع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. أبدت طهران اعتدالا ومرونة وبعثت برسائل للتفاوض والاتفاق. غير أن حروب إسرائيل، التي تباركها إدارتي البيت الأبيض، الحالية والمقبلة، تضغط على أوراق طهران، لا سيما في سوريا ولبنان، وسط صمت حليفيها، روسيا والصين. فكيف تحاول إيران ترتيب ملفاتها لملاقاة ترامب وإدارته.
معطيات وخلفيات تحوّلات إيران ومناوراتها المتسارعة:
– في 14 نوفمبر 2024، كشفت صحيفة نيويورك تايمر عن أن إيلون ماسك، المقرب من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وأحد أعضاء إدارته المقبلة، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني. نقلت الصحيفة، عن مصدرين إيرانيين، أن اللقاء تمّ في 11 نوفمبر 2024، وكان “إيجابياً”، ودام لأكثر من ساعة، وأن إيرواني حضّ ماسك على السعي للحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، والقيام بأعمال تجارية في طهران، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية.
– كانت إيران قد أصدرت عديدا من إشارات الاعتدال والمرونة منذ فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024. ولوحظ وقف الكلام في طهران عن الإعداد لردّ إيراني، كان وصف بالمزلزل، ضد إسرائيل ردا على ضرباتها ضد إيران في 26 اكتوبر 2024.
– في 12 نوفمبر 2024، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان‏: “شئنا أم أبينا، سيتعين علينا التعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية، لذا من الأفضل أن ندير هذه العلاقة بأنفسنا”.
– في 14 من الشهر، قال بزشكيان بعد لقائه بمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في طهران: “نحن مستعدون للتعاون والتقارب مع هذه المنظمة الدولية من أجل إزالة جوانب الغموض والشكوك المزعومة حول الأنشطة النووية السلمية لبلادنا”.
– بالمقابل قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي: “نحن مستعدون للتفاوض على أساس مصالحنا الوطنية وحقوقنا غير القابلة للتصرف، لكننا لسنا مستعدين للتفاوض تحت الضغط والترهيب”.
– يُذكر أن إيران كانت رفضت استقبال غروسي منذ آخر زيارة له إلى طهران، في مايو 2024. وكان أعلن حينها أن إيران باتت “قادرة على صنع” قنبلة نووية، لكنه لا يعرف ما إذا كانت تخطط لذلك، محذرا من اختراقات باتت خطيرة في البرنامج النووي.
– ظل ترامب في ولايته الأولى متشددا مع إيران سواء في الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قصوى عام 2018، أم في إعطاء أمر اغتيال قائد الحرس الثوري التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني عام 2020.
– قال ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة أنه مستعد للاتفاق مع إيران شرط ألا تمتلك السلاح النووي. بالمقابل نفى عراقجي في 10 نوفمبر 2024، نية إيران الحصول على الأسلحة النووية، مشددا على أن هذه سياسة مبنية على التعاليم الإيرانية.
– تسعى إيران مقابل ما تُفرج عنه من ليونة التأكيد على ما تمتلكه من أوراق يمكن التفاوض بشأنها في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق. فقد ظهر في الأسابيع الأخيرة أن نفوذ إيران في سوريا بات مهددا بسبب ارتفاع وتيرة الهجمات الإسرائيلية على مواقع لإيران ومصالح تابعة لها. كما أن طهران قلقة، وفق تقارير، من اتصالات جارية بين إسرائيل وروسيا، من خلال وزير التخطيط الاستراتيجي، رون ديرمر، الذي زار موسكو وناقش مسألة تحييد سوريا عن الصراع وقطع طريق طهران بيروت المزوّد للأسلحة لحزب الله.
– التقدير أن إيران أدركت حاجة ترامب لإنهاء الحروب في المنطقة، لا سيما في لبنان، قبل تسلمه الرئاسة في 20 يناير 2025 وتحاول عرض أوراقها في هذا الصدد.
– لاحظ المراقبون ارتفاع كثافة القصف الإسرائيلي على دمشق والضاحية الجنوبية لبيروت في نفس وقت اجتماع لاريجاني مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، واجتماعه مع المسؤولين اللبنانيين، في بيروت.
– كان لافتا أن أجهزة الأمن اللبنانية أخضعت لاريجاني والوفد المرافق للتفتيش بناء على قرار حكومي بتفتيش كافة الوفود من ضمن اتفاق دولي لحماية مطار بيروت من القصف الإسرائيلي. •كانت الحكومة قد أوكلت إلى الجيش اللبناني أمن المطار، كما منعت الوزارة المعنيّة استقبال الطائرات القادمة من إيران والعراق.
– وصل لاريجاني إلى بيروت غداة تسليم السفيرة الأميركية في بيروت بري مقترحات لوقف الحرب في لبنان تتضمن إضافات إجرائية لمراقبة الاتفاق تشمل لجنة متعددة الجنسيات وربما خيارات سبق لحزب الله رفضها.
– لاحظ مراقبون أن المواقف التي أدلى بها لاريجاني في بيروت، وعلى خلاف ما صدر عن عراقجي وقاليباق في زيارتيهما إلى لبنان، كانت مدروسة أعربت عن تضامن مع لبنان. ونقل عنه قوله: “لا نسعى إلى تخريب أي شيء. نسعى إلى حل المشاكل”.
– كان لافتا أيضا ما صدر عن ميقاتي أثناء استقباله لاريجاني من أن “المطلوب دعم موقف الدولة اللبنانية لجهة تطبيق القرار الدولي الرقم 1701، ودعم الوحدة الوطنية، وعدم اتخاذ مواقف تولّد حساسيات لدى اي فريق من اللبنانيين وتكون لصالح فريق على حساب الآخر”.
خلاصة:
**أعادت إيران التموضع سياسيا في أعقاب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية. توقف الحديث عن ردّ ضد إسرائيل. استقبلت طهران مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد انقطاع طويل. أكد وزير الخارجية أن لا نية لإنتاج قنبلة نووية. وأعلن الرئيس الإيراني وجوب عدم تجاهل الولايات المتحدة.
**الاجتماع الدي عقد بين السفير الإيراني في الأمم المتحدة مع إيلون ماسك الذي بات عضوا في الفريق الرئاسي لترامب وصف بالإيجابي ، وهو أول تواصل علني بين طهران والإدارة الجديدة.
**ترامب أعرب في حملته الانتخابية عن استعداد للاتفاق مع إيران من دون سلاح نووي، وسط غموض عما قد تخططه إدارته لمقاربة ملف إيران.
**بموافقة الإدارة الأميركية الحالية وترامب، توسّع إسرائيل من ضرباتها العسكرية ضد حزب الله في لبنان ومواقع ومصالح لإيران في سوريا وسط أنباء عن تشاور بين إسرائيل وروسيا.
**تعتقد إيران أن باستطاعتها التلويح بأوراقها في لبنان لواشنطن،، في ظل دعوة ترامب لإنهاء حروب نتنياهو في المنطقة، لا سيما في لبنان، قبل تسلمه منصب الرئاسة.
**مقابل وصول مقترحات من واشنطن لاتفاق لوقف الحرب في لبنان، لوحظ أن مستشار المرشد، علي خامنئي، الذي زار دمشق ثم بيروت، أصدر مواقف داعمة لما يقرره لبنان على خلاف ما صدر سابقا على لسان وزير الخارجية ورئيس البرلمان أثناء زيارتيهما سابقا إلى بيروت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.