بيان مشترك امريكي مقترح للاجتماع السداسي العربي : خارطة طريق لتمكين الإسرائيلي، فلسطينيا وإقليميا .
نهاد أبو غوش، مركز تقدم للسياسات
ملخص ورقة سياسات
تقديم:
سربت أوساط عربية وثيقة أمريكية تشكل اقتراحا أمريكيا لبيان مشترك لاجتماع دول السداسية العربية الخاصة بفلسطين: السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية،يضاف الى التصور العائم الذي طرحه الرئيس الأمريكي بايدن للحل في قطاع غزة . وبين منطوق المبادرات العلنية والسرية يتضح التناقض الفاضح في المواقف الامريكية ، والذي لا تفسيرله سوى انه يتكامل مع الضغط العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين عبر حرب الابادة المستمرة ضد المدنيين، مع ضغط سياسي أميركي على الوسطاء لكي يضغطوا بدورهم على الفلسطينيين لدفعهم إلى القبول بصفقة يكتنفها الغموض. لكن جوهرها يقوم على إغفال اي نص ملزم لوقف الحرب، حتى بالصيغ المخففة من قبيل “وقف العمليات القتالية أو العدائية، أو الهدئة المستدام”.
جوهر المبادرات الامريكية، يخلو من أي التزام بوقف الحرب والانسحاب الشامل من قطاع غزة، ووقف تغول عصابات المستوطنين في الضفة الغربية، وتصب مباشرة في الإجابة العملية على سؤال اليوم التالي الذي يتمنع بنيامين نتنياهو عن الخوض فيه لأسباب داخلية، لكن الإدارة الأميركية تتولى بنفسها الإجابة على هذا السؤال، إما عبر تصريحات متفرقة، ورسائل لإسرائيل وللسداسية العربية بما فيها السلطة الفلسطينية، أو عبر “افكار” وخطط عملية لمستقبل المنطقة برمتها وليس غزة وحدها بعد الحرب.
تحليل:
لم تنقطع زيارات المسؤولين الأميركيين المنطقة، بدءا من الرئيس بايدن مرورا بوزراء الخارجية والدفاع، والامن القومي وقادة الجيش والمخابرات، والمستشارين رفيعي المستوى، والتي لم تقتصر على إظهار الدعم لإسرائيل وتلمس احتياجاتها اللوجستية، ولا حتى للمساهمة في جهود الوصول إلى هدن وصفقات لمبادلة الأسرى، بل هدفت بالأساس إلى إيجاج مسار سياسي جديد يكتنفه الغموض، ونزع فتيل تفجر الوضع العسكري في المنطقة، بما يمكن من استئناف الجهود التي سعت إليها الإدارة قبل الحرب لإدماج إسرائيل في الإقليم، والتطبيع مع السعودية وأطراف عربية أخرى، وبناء نظام إقليمي جديد، يكون لإسرائيل دور أمني وعسكري محوري.
باستعراض مجموعة الأفكار التي تقدمها الإدارة وتبدو كاقتراحات لبيان ختامي أو خارطة طريق مشتركة، ولكنها في الواقع تتحول إلى مرجعيات بديلة لقرارات الأمم المتحدة والقمم العربية والاسلامية، تسعى الولايات المتحدة لإقرارها في إطار السداسية العربية:
• توزيع الأدوار: يحتل أمن إسرائيل وحقها في الاعتراض على المشاريع والحلول، مكانة مركزية، حتى مشروع الدولة الفلسطينية يأتي باعتباره يلبي أمن إسرائيل، وليس لكونه تجسيدا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أما الأطراف العربية فتحضر إما للمساهمة في دفع النفقات المالية للحل، أو لضمان الترتيبات الأمنية.
• في التخطيط لمستقبل غزة والضفة يُذكر الفلسطينيون كطرف يحتاج للتأهيل والإصلاح، ويغيب حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم عبر انتخابات تعبر عن إرادتهم الحرة.
• الحل النهائي للصراع – بما في ذلك الدولة الفلسطينية- لن يكون إلا نتيجة للمفاوضات المباشرة، لا ذكر لمقررات الشرعية الدولية، ولا لمبدا حق تقرير المصير، ولكن عبر المفاوضات المباشرة وحدها بعد استئنافها، ما يعني عمليا منح إسرائيل حقا مطلقا في رسم معالم الحل، سواء بالإجراءات على أرض الواقع أو عبر المفاوضات الهادفة إلى إملاء هذا الحل.
• السلطة الفلسطينية دائما في موقع المتهم بالفساد، وعليها تنفيذ خطط إصلاح شاملة تشمل مكافحة الفساد وإصلاح التعليم (مطلب إسرائيلي) مع تزيين هذه الشروط برتوش عن الرعاية الاجتماعية والشفافية والحكم الرشيد والرفاهية الاقتصادية.
• رفض الإجراءات الأحادية، هنا تتبدى النوايا الخبيثة بمساواة الجرائم والممارسات الاسرائيلية كالاستيطان والضم ومحاولات حسم الصراع عسكريا، مع ما تقوم به السلطة من قبيل توجّه الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة.
• التطبيع مع السعودية بات ركنا اساسيا لأي رؤية أمريكية لحل قضية الشرق الأوسط، وبقدر ما يبدو ذلك كجائزة لإسرائيل بدل مواصلة الحرب، يصبح التزاما عربيا وسعوديا، مقابل “التقدم على طريق حل الدولتين”.
• تجريم كل من يتبنى المقاومة المسلحة، واعتبار منظمات المقاومة منظمات إرهابية ينبغي نزع سلاحها، ولا يحق لها أن تشارك في مستقبل غزة أو -الضفة طبعا- .
• الحديث عن الدولة هو حديث مبهم، ونظري، ومستقبلي بعيد، الراهن والمباشر هو الحديث عن دخول المساعدات الإنسانية وفتح المعابر ووعود مستقبلي لإعادة الإعمار والتنمية.
• تتكرر عبارة الرئيس بايدن في مقاله الشهير في واشنطن بوست، بأن السلطة الفلسطينية هي التي ستتولى المسؤولية في “نهاية المطاف”، لكن ذلك يستدعي ترتيبات انتقالية وإجراءات فريدة. مرة أخرى في كل ما يرتبط بالحقوق الفلسطينية فالزمن مفتوح وغير محدد، بينما عند الواجبات والالتزامات فإنها شروط مسبقة.
• عند الحديث عن التزامات الأطراف في الاتفاقيات السابقة، يشار حصريا إلى اتفاقي العقبة وشرم الشيخ لعام 2023، وكلاهما اتفاقان أمنيان، دون ذكر عشرات الاتفاقات التي أبرمت منذ مدريد واسلو وفيها أو في معظمها التزامات متبادلة.
خلاصة:
– ثمة تغير على المقاربات الامريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ينبغي التنبه لها ، وهو اعتماد الصيغ الثنائية والرباعية والسداسية، بديلا لمؤسسات العمل العربي المشترك، بما فيها الجامعة العربية .
– تعطيل اليات عمل المؤسسات الأممية كمجلس الأمن الدولي والجمعية العام للأمم المتحدة، لصالح العمل بصيغ بديلة ،إقليمية وثنائية من الحلفاء،وبالتالي اختلاق مرجعيات جديدة للازمات بديلا عن الصيغ التي صدرت عن المؤسسات الدولية بما فيها الامم المتحدة .
– الخطط الأميركية لمستقبل غزة والضفة والفلسطينيين لما بعد الحرب، لا تأتي من موقع الوسيط بين طرفين متخاصمين، ولا كحل لقضية احتلال مديد، بل كاستكمال للحرب الإسرائيلية على غزة، وكحصاد سياسي لما فعلته الآلة العسكرية الإسرائيلية. تنطلق من فرضية أن إسرائيل حققت النصر المطلق في هذه الحرب وهو أمر لا يدعيه الإسرائيليون أنفسهم، ولا تؤكده معطيات الميدان.
– تتعارض هذه المقاربات الامريكية الجديدة، مع تراجع مكانة إسرائيل الدولية، والصدوع والشروخ الداخلية التي عمقتها الحرب، وانكشاف كثير من نقاط الضعف البنيوية في مؤسساتها العسكرية والمدنية، الامر الذي يعرقل هدف الاستفراد بالفلسطينيين لا في الحرب ولا في محاولات التسوية وفرض الحلول.
– ما يفسر محاولات الالتفاف الامريكية على نتائج الكارثة الانسانية في غزة ، ليس فقط الانتخابات الرئيسية القادمة ، بل بروز متغيرغيرمسبوق ، بتقدم فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية خارج العملية التفاوضية، والأدوارالمهمة لدول في الجنوب والشمال، تسعى لفرض عقوبات على القادة الإسرائيليين في المحاكم الدولية المشاركين في جرائم الحرب، والضغط لانهاء الصراع والحرية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني في وطنه.