بيان العرب بشأن سوريا: قراءة في أعراض التوجّس والتحوّط

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات

ملخص تنفيذي:
– جاءت ظروف الاجتماع ملتحقة بمواقف دولية سبّاقة، وقد تكون زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة أوحت بعقده.
– يتقاطع الاجتماع مع وجود أميركي تركي أوروبي أممي، ويعلن في بيانه عن تقاطع مع المواقف الدولية والأممية الموجهة إلى التحوّل السوري وصنّاعه.
– بدا الحراك العربي مواكبا، يعبّر عن توجّس أكثر من تعبيره عن الاحتضان، ويُظهر شروطا للتعامل مع الوضع الجديد في سوريا.
– لم يُظهر بيان الاجتماع أي خارطة طريق عربية خاصة تختلف عن الخطط الأممية ولم يعلن مبادرة عربية وتعيين ممثل لها.

• تقديم:
يُعتبر اجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، والمشكَلة بموجب القرار رقم 8914 الصادر عن وزراء الخارجية العرب في 7 مايو 2023، أول تحرّك جماعي عربي حيال التطوّرات التي شهدها البلد منذ بدء “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة هجومها المسلّح في 27 سبتمبر 2024.
وفيما صدرت قبل ذلك مواقف متفرقة من بعض العواصم العربية، غير أن الاجتماع وضع القواعد المشتركة للتعامل مع التحوّلات السورية التي تلتقي في نفس الوقت مع ما صدر من مواقف عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما أن انعقاد اجتماع للجنة مع وزراء خارجية تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (منسقة السياسات الخارجية) ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، أعطى للحدث بعدا دوليا شبه شامل، يبعث برسائل مكثّفة باتجاه الداخل السوري. فما هي المقاربة العربية للحدث وسماتها؟

• عناوين البيان العربي:

جرى الاجتماع بدعوة من الأردن، التي استضافته في مدينة العقبة في 14 ديسمبر 2024. وضمّ الاجتماع إضافة إلى وزير الخارجية الأردني، وزراء خارجية كل من السعودية والعراق ولبنان ومصر والإمارات والبحرين وقطر، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية. وقد أظهر البيان الختامي للاجتماع العناوين الأساسية التالية:

1-إظهار الدعم لتحوّلات سوريا بما يقيم مظلة عربية ترحب بسقوط النظام من خلال الوعد بالوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته.
2-التعبير عن التمسّك بقرار الأمم المتحدة رقم 2255، الصادر عام 2015، والذي ينصّ على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية، ذات تمثيل شامل، تنتهي إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استنادا إلى دستور جديد يقرّه السوريون.
3-لم يصدر عن الاجتماع أي قرار بمبادرة عربية خاصة تستدعي تعيين مبعوث لجامعة الدول العربية إلى سوريا، بل تمسّك الاجتماع بمرجعية أممية، من خلال دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده كل الإمكانات اللازمة.
4-على الرغم من دعوة الاجتماع إلى الالتزام بمرجعية القرار 2254، إلا أن البيان الختامي أعاد التأكيد على دعوات دولية، لا سيما أميركية أوروبية جديدة، تدعو إلى حوار سياسي داخلي يشمل كافة المكوّنات السورية، وضرورة احترام حقوق هذه المكوّنات دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
5-في دعوة مبطنة إلى عدم تكرار التجربة العراقية، دعا البيان إلى الحفاظ على مؤسّسات الدولة السورية وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية البلد من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية.
6-وضع البيان التحوّل السوري في إطار ما هو مطلوب لمكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة، ما أظهر اهتماما بالشأن السوري وما يشكّله من خطر على الأمن الجماعي للمنطقة.
7-أشار البيان إلى ضرورة ملحّة سورية، لكنها أيضا لدى دول اللجوء السوري، العربية والأوروبية، تتطلّب توفير ظروف عودة اللاجئين السوريين والدعوة إلى تقديم العون إلى ذلك.
8-كان مهما صدور موقف عربي يدين توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا ومناطق أخرى، ويرفض الاحتلال والخرق للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك لعام 1974، ويطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية.
9-كان مهما أيضا إدانة الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشئات الأخرى في سوريا، والتأكيد على أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب انهاء احتلالها، ومطالبة مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.
10-أظهر البيان اهتماما محددا واضحا داعما لشعب سوريا في “إعادة بنائها دولة عربية موحدة، مستقلة، مستقرة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب أو التطرف، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت”.
11-أورد البيان شروطا لافتة للتعامل مع الواقع الجديد في سوريا ترتكز على “مدى انسجامه” مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.

• خلاصة واستنتاجات:
أحاطت بظروف الدعوة إلى الاجتماع، وتقاطعه مع اجتماع مع أطراف غير عربية، إضافة إلى بنود البيان الختامي، تساؤلات نستنتج منها الملاحظات التالية:
1-أفرجت العواصم العربية، قبل الاجتماع، عن برودة وتحفّظ وتردّد في مقاربة حدث سوري فاجأ السوريين وعواصم العالم الأساسية المعنيّة بشأن هذا البلد. فقد غابت ردود الفعل أو صدرت متأخرة، فيما عبّر الإعلام العربي عن تباين في مستوى الاهتمام أو توجيه الحدث باتجاه عناوين تتراوح ما بين النقل المحايد، والمؤيد، والمتوجّس، والمشكّك.
2-أثار الإعلان عن الاجتماع في العقبة في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة، احتمال أن تكون واشنطن هي التي دفعت باتجاه صدور موقف عربي يتقاطع، أو يكون حاضرا، مع أطراف أخرى مثل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
3-بدا من عبارات البيان أنه صيغ على نحو شديد الحذر يعبّر عن تباين بين العواصم في فهم التحوّل السوري التعامل معه. وكان واضحا أن البيان آثر دعم البلد وشعبه آخذا مسافة واضحة من قوى الأمر الواقع الجديدة.
4-اصطفّ الموقف العربي مع مواقف أميركية أوروبية أميركية أممية صدرت منذ الساعات الأولى لسقوط النظام، وبدا الموقف العربي وكأنه طرف من بين أطراف أخرى في العالم، وليس طرفا أصيلا مؤسّسا لسياسات من شأنها أن تكون سابقة للمواقف الدولية، لا بل وموجّهة لها.
5-طغى على فحوى البيان روح التوجّس الذي أظهرته إملاءات وشروط في عبارة “إن التعامل سيرتكز على مدى انسجام الوضع الجديد”، وهو منحى لم تُظهره البيانات الدولية التي وضعت الأمر في سياق الدعوات والتمنيات.
6-تركيز البيان على ما يشبه الشروط، في مسألة الحوار واحترام المكوّنات والقرار 2254 “، يتناقض مع قرار جامعة الدول العربية بإعادة سوريا، في ظل النظام السابق، إلى صفوفها، واستئناف بعض الدول العربية العلاقات الدبلوماسية معها، على الرغم من غياب أي حوار “، أو احترام لحقوق المكوّنات، أو التزام بالقرار الأممي، وهي شروط كانت عطّلت تطبيعا اميركية أوروبيا مع دمشق في ذلك الحين.
7-عبّر البيان عن استمرار في نأي المنظومة العربية بالنفس عن أي انخراط خاص بها بشأن المسألة السورية. فلم يدع البيان إلى مبادرة عربية خاصة تكون، على الأقل، حاضرة إلى جانب أطراف وازنة أخرى (تركيا خصوصا)، واستمر في دعم خيار إحالة الأمر حصريا إلى الأمم المتحدة وممثلها وقرارها المختص.
8-فيما ظهرت لغة حمّالة أوجه في نصّ البيان، غير أن البند الـ 14 أظهر موقفا حاسما في الوقوف مع شعب سوريا “في عملية إعادة بنائها دولة عربية موحدة، مستقلة، مستقرة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب أو التطرف، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت”. وقد بعث هذا البند رسائل متعددة الوجهات نحو “المتدخّلين” المحتملين، لكن دعوته إلى “دعوة عربية موحدة” اعتبر تعبيرا أيديولوجيا قد تمّ إقحامه يتناقض مع دعوة السوريين إلى الحوار لكتابة دستورهم الخاص وشكل الدولة التي يرتئيها السوريون ومسمياتها.
9-يُسجل في هذا البيان رفض الاعتداءات الإسرائيلية وإسقاط اتفاقات دولية على الحدود مع سوريا. وهو موقف يرفض وعود رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبنيامين نتنياهو، ووزراء في حكومته، في تغيير الشرق الأوسط، وتغيير شكل الدولة في سوريا خاصة، والتأثير على هيكل الحكم وشكل الدولة فيها.
10-يُِسجَّل في هذا البيان رفض المجموعة العربية لضمّ هضبة الجولان إلى إسرائيل وهو موقف يرفض محاولة إسرائيل تشريع الأمر الواقع، ويوجه رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي سيعود إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، برفض قراره في 25 مارس 2019، أثناء ولايته الأولى، اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
11-اكتفى المجتمعون بالبيان من دون توضيح الإجراءات والتدابير التي ستتخذها المجموعة العربية بعد ذلك لملاقاة الحدث في داخل سوريا، والتواصل مع أركانه، والاستجابة إلى الحاجات الإنسانية والاقتصادية، والمواكبة السياسية للتحوّلات في هذا البلد.
12-في نفس يوم الاجتماع، أعلن وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة تجري تواصلا مع “هيئة تحرير الشام”، علما أن واشنطن تدرج التنظيم على لوائح الإرهاب. وعشيّة الاجتماع، التقى وزير الخارجية ورئيس المخابرات التركيين بزعيم هذا التنظيم، أحمد الشرع، في دمشق، ومع ذلك لم يُظهر البيان أي توجه للتواصل المباشر مع الشرع والحكومة المشكلة في سوريا.
13-على الرغم من أن الاجتماع أتى في توقيت مناسب بعد أسبوع فقط على سقوط النظام مقارنة بردّ الفعل العربي حيال أزمات عربية سابقة، غير أن تلكؤ الحضور العربي في دمشق، سواء من خلال الموفدين أو فتح السفارات هناك، سيخلق فراغا عربيا سيسهل ملؤه من قبل أطراف اخرى، خصوصا أن القيمين الجدد على الحكم سيجدون رغبة في التعامل مع من يتعامل معهم ويعترف بواقعهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.