بوتين رئيسا لولاية جديدة.. أي مستقبل للصراع في أوكرانيا؟
ورقة سياسات
ملخص تنفيذي
-لم تنضج لدى أطراف الصراع أي خطط للذهاب نحو المفاوضات لإنتاج تسوية لوقف الحرب في أوكرانيا. بالمقابل لا يبدو أن حسم الصراع عسكريا أمر وارد على الرغم من فشل الهجوم الأوكراني المضاد وتقدم روسيا على محاور عدة.
-لم تلقَ دعوة الرئيس الفرنسي لتدخل غربي مباشر في أوكرانيا أي بيئة حاضنة في أوروبا والولايات المتحدة. فيما بدا تحذير الرئيس الروسي من حرب عالمية ثالثة إعلاميا يرد به على موقف نظيره الفرنسي التي بقيت إعلامية.
-مصير الحرب ينتظر توافقا داخليا في الولايات المتحدة من الصعب الحصول عليه قبل جلاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لم يصدر عن الدول الغربية أية مواقف رسمية للضغط على أوكرانيا أو تخفيف الدعم لها. لكن أوكرانيا، في رفض دعوة بابا الفاتيكان للتفاوض، توحي أن موازين القوى لا يتيح لها القبول بطاولة مفاوضات حاليا.
تقديم
أعاد فوز الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية (15-17 مارس) بولاية جديدة لمدة 6 سنوات، تسليط المجهر على مستقبل الصراع في أوكرانيا. ورغم عدم وجود مفاجأة في أعادة انتخاب بوتين، غير أن الأمر فرض أمرا واقعا بشأن استمراره في حكم روسيا واستقرار هذا الحكم وسقوط أي تعويل على انشقاقات داخلية أو تصدّعات في منظومة الحكم في هياكل السياسة كما هياكل الأمن والعسكر.
التطوّر الروسي
أتى حدث التجديد لبوتين ليضاف إلى واقع فشل الهجوم المضاد الذي شنّته القوات الأوكرانية في ربيع عام 2023 والذي لطالما عوّل عليه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي لإقناع المنظومة الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، بمواصلة الدعم لبلاده ورفع المستوى النوعي والكميّ للأسلحة المرسلة.
وجاء الحدث ليعزّز الاعتقاد باستمرار القيادة الروسية في انتهاج الخيار العسكري والابتعاد عن أي سبل للتسوية من خلال المفاوضات قبل تثبيت الوجود العسكري الروسي واعتراف أوكرانيا وحلفائها بـ “الوقائع على الأرض” التي ما فتأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يطالب بالإقرار بها. وكان لافتا الرد الحاسم لبوتين بعد إعلان فوزه على الدعوات الصادرة عن باريس لتدخل مباشر لحلف الناتو، بالتحذير من حرب عالمية ثالثة.
وقد شاركت الأقاليم الأوكرانية، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، التي ضمنها روسيا (في 30 سبتمبر 2022) لأول مرة في الانتخابات الرئاسية الروسية. وأرادت موسكو من خلال هذا الأمر تأكيد السيادة الكاملة على هذه الأقاليم، واعتبارها أمرا ناجزاً غير خاضع لأي تفاوض في أي مساعٍ لإيجاد تسوية تنهي الحرب التي بدأت ضد أوكرانيا في 24 فبراير 2022. وتبدو موسكو في حراكها العسكري والسياسي تمسك بزمام المبادرة، مقابل تخبّط المواقف الغربية بشأن مستقبل الخيار العسكري والجدل بشأن التفاوض والاتفاق مع الرئيس بوتين.
الجدل الأميركي
يستعر النقاش داخل الولايات المتحدة بشأن المساعدات العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا. ويتجلى ذلك في فشل الكونغرس الأميركي في دعم خطّة إدارة الرئيس جو بايدن لتقديم رزمة جديدة من الدعم لأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار. ولم يوافق المشرعون الجمهوريون على خطة بايدن على الرغم من تحذير الرئيس الأميركي بتداعيات الأمر على مناعة الجيش الأوكراني أمام الهجوم الروسي. وكان بايدن حثّ الكونغرس مجددا على التصويت على المساعدات في “خطاب حالة الاتحاد” في 7 مارس الجاري.
ويندرج هذا الجدل داخل حسابات انتخابية للحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وبين مقاربتي المرشحيْن، جو بايدن ودونالد ترامب، بشأن التعامل مع حرب أوكرانيا. وفيما يدعو بايدن إلى “منع روسيا من الانتصار” عبر استمرار إرسال مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، فإن ترامب، الذي أعلن أن هذه الحرب “ما كانت لتقع لو كان في الحكم”، يَعِدُ بالتوصل إلى حلّ لهذه الحرب من دون إعطاء تفاصيل يمكن الركون إليها لاستشراف خطة الإدارة في واشنطن في حال فوزه.
ويرتبط تصويت الكونغرس بدعم خطّة أخرى يطالب بها الجمهوريون، وبتأثير من ترامب، لمكافحة الهجرة وتوفير الميزانيات لإبداء جدية وحزم في مسألة منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود. وكانت ولاية تكساس قد هددت بالتمرد على الإدارة المركزية في واشنطن واتخاذ تدابيرها الخاصة إذا لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لحماية حدود الولاية من موجات الهجرة غير الشرعية.
ويساهم دخول الولايات المتحدة في عام الانتخابات الرئاسية في تعقيد إمكانات الوصول إلى تسويات بين الحزبين المتنافسين. فمسألة مكافحة الهجرة هي مادة أساسية في حجج المرشح ترامب الانتخابية ويعمل على تسعير النقاش بشأنها. ويمنع هذا التنافس تقديم أي تنازلات من قبل الجمهوريين. بالمقابل، فإن المرشح بايدن يتجنّب الذهاب بعيدا في هذا الملف خشية إغضاب الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي بقيادة السيناتور بيرني ساندرز، وإغضاب ناخبيه لدى الكتل الأفروأميركية واللاتينية ولدى الأقليات، لا سيما المسلمة التي أظهرت من خلال تصويت ميتشيغان “غير ملتزم” في 27 فبراير الماضي تبرّما من موقف إدارة بايدن من الحرب في غزة.
جدل أوروبا
لم يتوقف الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي بشأن حرب أوكرانيا منذ الأيام الأولى لاندلاعها. وتوزّعت دول الاتحاد الـ 27 داخل معسكر الدعم المطلق لأوكرانيا وآخر للتفاوض مع روسيا وثالث يترنّح وفق توجهات المزاج الغربي العام وموازين القوى التي تفرضها الولايات المتحدة. ورغم تعقّد النقاش بين 27 أجندة، فإن الاتحاد نجح دائما، وبصعوبة، في التوصّل إلى قواسم مشتركة، سواء في مستوى الدعم لأوكرانيا، أم في إعادة رسم مشهد سوق الطاقة، أم في الموقف من مستقبل العلاقة مع روسيا (والصين).
وقد شهدت الحرب مراحل انتقلت فيها دولة مثل ألمانيا إلى طور تاريخي جديد في علاقتها مع روسيا كما في قرارها القيام بتحديث تاريخي لقواها المسلحة. وأظهرت هذه المراحل تشدد الدول المحاذية لأوكرانيا، لا سيما دول البلطيق وبولندا ورومانيا، وظهور تشقّقات لصالح روسيا في مواقف دول أخرى أبرزها سلوفاكيا والمجر. وظهر في الأسابيع الماضية تحوّل لافت في موقف فرنسا، التي لعبت في بداية الحرب أدورا سعت من خلالها إلى الحوار مع روسيا، باتجاه مواقف صقورية أبداها مؤخرا الرئيس إيمانويل ماكرون في حثّ أوروبا والناتو على القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي الأوكرانية.
وقد أثارت تصريحات ماكرون جدلا صاخبا داخل فرنسا نفسها وسط تأكيد رئيس الحكومة الفرنسي أن “كل شيء وارد في الحرب” وسعي وزير الدفاع إلى تأكيد أنه “لن يكون هناك جنود فرنسيون داخل أوكرانيا “. ولم تلاقِ دعوات ماكرون آذانا صاغية داخل الاتحاد الأوروبي كما داخل حلف الناتو. ورغم تقليل ماكرون من شأن الخلاف مع المستشار الألماني أولاف شولتس بهذا الصدد، إلا أن دول الاتحاد كما بريطانيا والولايات المتحدة، خصوصا، ما زالت تكرر عدم التدخل المباشر في الحرب في أوكرانيا، وهو أمر أعاد تأكيده الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي ينس ستولتنبرغ في 11 مارس الجاري.
موقف أوكرانيا
ما زالت أوكرانيا بقيادة فلوديمير زيلنسكي تعوّل على الانتصار العسكري على روسيا في هذه الحرب. وقد أجرى الرئيس الأوكراني تغييرا صعبا في قيادة الجيش أقال من خلاله في 8 فبراير الماضي القائد الأعلى للجيش الأوكراني فاليري سالوشني وعيّن الجنرال أولكسندر سيرسكي، قائد القوات البرية سابقا، قائدا جديدا. ورغم اعتراف كييف بفشل الهجوم المضاد، لكنها أرجعت ذلك إلى ترّدد وتأخّر الحلفاء في إرسال الدعم العسكري، وسط تقارير جديّة عن عدم قدرة المصانع العسكرية الغربية على تلبية متطلبات المعارك في أوكرانيا. ومع ذلك فإن أوكرانيا تعتبر أن المسألة تقنية سيتم تجاوزها، وأن الآلة العسكرية الغربية قادرة على التأقّلم مع متطلّبات الحرب على منوال تأقّلم أوروبا مع خريطة مصادر الطاقة بعد أن توقفت عن استيراد النفط والغاز الروسي، وأن المسألة تحتاح إلى وقت.
ورغم إخفاقها في الهجوم العسكري المضاد، غير أن كييف ما زالت ترفض القبول بـ “الوقائع على الأرض” التي يلمًح إليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وتعتبر أن كافة الأراضي التي احتلتها روسيا، بما فيها شبه جزيرة القرم التي احتُلت عام 2015، أراض أوكرانية وجب استردادها. ورغم أن أن الدعوات الغربية إلى التفاوض ما زالت غير رسمية ولم تصدر عن أي عاصمة غربية كبديل عن الخيار العسكري، غير أن كييف بدت دائما حازمة في رفض الأمر أو النقاش بشأنه. وبدا ذلك واضحا في الموقف الذي اتخذته كييف ضد دعوات البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في 9 مارس الجاري إلى التحلي بـ “شجاعة التفاوض”.
خلاصة
*يمثّل انتخاب بوتين لولاية رئاسية جديدة معطى جديد بشأن الكيفية التي ستقارب به الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مستقبل الحرب في أوكرانيا، لجهة استمرارية الحكم والعقلية التي تُقاد بها الحرب الروسية في أوكرانيا، وخصوصا عدم التعويل على أي تغييرات في قيادة روسيا لإيجاد مخارج أخرى للحرب.
*يمكن إدراج ارتفاع نبرة الرئيس فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون، لجهة تحذير الأول من حرب عالمية ثالثة ودعوة الثاني إلى تدخل عسكري غربي مباشر في أوكرانيا، في إطار الحرب الإعلامية وتبادل الرسائل من دون أن يكون لها أي وقع على مستقبل هذه الحرب.
*الأرجح أن هذه الحرب ستراوح مكانها مع إمكانات تسجيل حالات كرّ وفرّ ميدانية من دون أن يستطيع أي طرف حسم الصراع وإنهائه. وستكون الأجندات الداخلية، لا سيما الانتخابية، خصوصا في الولايات المتحدة، سببا لمزيد من الجدل داخل المعسكر الغربي بشأن مستقبل الصراع.