بعد قمة طهران الثلاثية: عمليات روسية محدودة في ادلب تفضي الى تسوية نهائية
أسعد كنجو
رغم العبارات الدبلوماسية التي سادت قمة طهران، وأجواء الود المصطنع بين الزعماء الثلاثة، إلا أن تباين الآراء والمواقف بدا واضحا في اللقاء، فرغم المطالبات التركية بتحقيق هدنة في ادلب وتأجيل أي عملية عسكرية، جاء الرد الروسي بشكل واضح عبر رفض بوتين ما أسماه ”المساعي الرامية لاستخدام مسألة حماية المدنيين في سوريا كأسلوب لإنقاذ الإرهابيين هناك“، كما عاد ليؤكد أن لا هدنة يمكن أن تعقد مع الارهابيين في ادلب، وعليه جاءت القمة لتخيب آمال أكثر من ٣ ملايين مدني محاصر في ادلب علقوا الآمال على ايجاد حل سلمي لأزمتهم، لاسيما أن البيان الختامي أكد بشكل واضح أن عملية فرض الاستقرار باتت استحقاقا على كافة الأطراف في ادلب، وأن لا قبول بأي شكل لبقاء التنظيمات “الجهادية “في المنطقة، وحملت مفردات كوحدة الأراضي السورية وسيادتها معاني تشير الى أن موسكو مصممة على بسط سيطرة حليفها على المنطقة، وعليه لم يسمع سوى طبول الحرب يعلو صوتها أكثر، وبات انطلاق العملية العسكرية مسألة وقت، لكن ما يتم التفاوض حوله حاليا هو اليات ومواقيت حسم هذا الملف.
هنا تبرز ثلاثة سيناريوهات قد تشهدها المحافظة، وكلها تفضي في النهاية لإنهاء التواجد المسلح في ادلب، وجميعها بشكل أو بآخر ستؤدي لعودة المؤسسات الحكومية إلى ادلب وعودة قوات النظام للانتشار على الحدود مع تركيا.
الحل على الطريقة التركية:
رغم تسريب المعلومات من الجانب التركي ان أبو محمد الجولاني وافق على حل الهيئة، وأنه ينتظر اللحظة المناسبة للإعلان عن قراره وما سيخلفه من تبعات، الا انه وحتى اللحظة لم تظهر مؤشرات على بدء التنفيذ ، كما أن اعلان حل النصرة بات من المؤكد أنه سيدفع بالسواد الأعظم من المقاتلين غير السوريين في صفوف الهيئة للالتحاق بتنظيم حراس الدين أو تنظيمات أخرى على ارتباط بالقاعدة، وعليه أصبح من الممكن بحسب نتائج قمة طهران أن تجنح تركيا للخيار الأصعب، أي العسكرية، وفي ضوء الإصرار الروسي المعلن على المضي بعملية السيطرة على ادلب، فالمرجح أن تسعى أنقرة عبر حلفائها في “الجبهة الوطنية للتحرير ” ويقدر قوامها ب٥٠ الف مقاتل ، لتفويت الفرصة على الروس والنظام بترتيب الوضع في المحافظة بدون مراعاة مصالح أمنها القومي، وذلك بأن تشن تركيا عملية عسكرية تستهدف صقور النصرة والعناصر الجهادية التي تشكل ذريعة للروس والنظام، أو بطريقة أدق سيعاد اطلاق حرب الالغاء التي انطلقت قبل نحو سنة بدفع من تركيا وتم تجميدها لاحقا، حيث ستعاود الفصائل المعتدلة المدعومة من تركيا والتي تم دمج معظمها في الجبهة الوطنية للتحرير، لتشن معارك تستهدف مناطق وتجمعات كل القوى الرافضة للحل السياسي والانخراط في التسوية التي يقودها التركي بتوافق روسي إيراني. ويندرج في هذا الاطار ان الشريكين في الاستانة الروسي والايراني، يتفهمان الهواجس التركية من امكانية تمدد الجيب الكردي نحو كيان سياسي يشكل تهديدا للأمن القومي التركي. ولهذا فان انخراط تركيا في انهاء ملف ادلب بتوافق مع الشركاء.
مخاطر العملية:
معركة كهذه ستحمل مخاطر عدة نظرا لانتشار القوى الإرهابية في المناطق المدنية ومراكز المدن والريف ، وأي اقتتال داخلي سيشكل كارثة حقيقة للمدنيين في تلك المناطق، وقد يعني أيضا موجة من النزوح التي تحاول تركيا تفاديها، عدا عن أنه سيخلف عدد كبيرا من القتلى من الطرفين، بعد أن تتحول المعركة لحرب شوارع واغتيال عبر المفخخات والأحزمة الناسفة، ويستبعد أن يشارك الجيش التركي بشكل مباشر في أي عملية مقبلة، فأنقرة لاتزال حريصة على عدم استفزاز المجموعات الجهادية في الشمال السوري، كي لا يأتيها الرد داخل أراضيها أو عبر استهداف عناصرها في نقاط المراقبة الاثنتي عشر المنتشرة في الشمال السوري ، وتقوية المجموعات “الجهادية “في المنطقة أو التسبب بوحدتها وتماسكها، كما قد نشهد حالات عزوف عن القتال لدى عناصر درع الفرات أو غصن الزيتون، وعدم قبولهم للقتال ضد ”المهاجرين الاجانب “، في المقابل لايمكن ضمان ألا يستغل النظام السوري والعناصر الايرانية حالة الاقتتال الداخلي في المنطقة كي يحاول التقدم وقضم ما أمكن من المناطق.تحت ذريعة محاربة الارهاب
السيناريو الروسي:
في حال فشلت أنقرة في كسب مهلة اضافية لحل ملف ادلب أو تخلت عن تعهداتها السابقة بحل مسألة الفصائل المتطرفة ، واخراجها من المحافظة ، فقد تنطلق العملية العسكرية بشكل مباشر، سيما وأن الترتيبات أصبحت جاهزة والقوات أكملت انتشارها على الجبهات في المنطقة، وقد أصبح من الممكن التكهن بالتكتيك الروسي الذي يتكرر بصورة مبتذلة، ولو أن ادلب لاتزال تحمل اختلافات عن نظيراتها من المناطق الأخرى التي نجحت موسكو في السيطرة عليها، لكن من المتوقع أن يصب الطيران الروسي حمم طائراته على الجبهات بداية ، وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة ، اللازمة لمتطلبات الحرب الاعلامية عبر اظهار تقدم جيش النظام في وقت قياسي، ثم يلجأ بعدها لأسلوب الهدن المتقطعة للتفاوض مع من يوافق من الفصائل المحلية بغية تحييدها أو كسبها إلى صفوفه كما حدث في درعا.
مخاطر العملية:
المعطيات الميدانية تشير لعمليات تجهيز عالية تنفذها الفصائل المقاتلة في الشمال، وحفر الخنادق والأنفاق وتدعيم الجبهات يجري على مستوى عال، وحتى اللحظة تبدو كافة العناصر التي تحمل السلاح في الشمال متفقة على ضرورة المواجهة ، مع رفض تام لعمليات المصالحة أو التسويات، سيما بعد حملات الاعتقال التي شملت كل من يشك بأنه قد يساعد أو يتوسط في أي تسوية مع قوات النظام أو القوات الروسية، عدا عن أن كافة الفصائل تدرك أن ادلب هي المعقل الأخير وقسم كبير من المسلحين في المنطقة هم من الذين رفضوا التسويات في مرات سابقة وفضلوا الانتقال على ادلب على مصالحة النظام، وبالتالي فليس أمام المقاتلين في تلك المنطقة سوى خيار القتال حتى النهاية، عدا عن أن المجموعات ” الجهادية” وخصوصا الأجنبية منها تعتبر ادلب كآخر معقل تدافع عنه كدفاع وجودي، وأن خسارة تلك المنطقة يعني انكسار مشروعها بالكامل ويعني الموت بطريقة أخرى، وعليه فالمعركة ستكون الأعنف في تلك المنطقة حتى بالنسبة للروسي الذي لن يستطيع تحمل تبعات المعركة في منطقة تكتظ بأكثر من ٣ ملايين مدني، وأي معركة ستخلف خسائر بشرية كبيرة لا يعلم لأي حد تستطيع روسيا تحمل تبعاتها أمام المجتمع الدولي حتى لو كانت ذريعتها محاربة الارهاب.
الحل التوافقي:
من السيناريوهات السابقة تدرك كافة الأطراف أن عملية الحسم العسكري في المنطقة بطريقة منفردة ستكون عبئا كبيرا وذات تكلفة عالية، وأن الطرفان يحتاجان بعضهما لإدارة العملية العسكرية وارتداداتها، وعليه فمن المرجح وفق هذا السناريو أن تسعى كل من موسكو وأنقرة للسير بعملية عسكرية محدودة ترافقها تحركات دبلوماسية للوصول إلى حل ينهي التواجد المسلح غير المنضبط في الشمال السوري، وفتح الطرقات الرئيسية والتي تعد شريان اقتصادي حيوي ، لكل من أنقرة ودمشق ودول الجوار المصلحة بإعادة احيائه، وهو ما يعني عمليات محدود تنفذها قوات النظام بإشراف ودعم جوي روسي على مناطق محددة تشهد تواجدا للفصائل المتفق على تصنيفها ارهابية ، بغية ممارسة مزيد من الضغط للقبول بالتسويات أو الحلول المتفق عليها وفتح الطرقات الدولية والرئيسية، كخطوة أولية، كما أن تحييد الفصائل المحلية المعتدلة ، سيسهل على كافة الاطراف استهداف العنصر الأجنبي ومحاربته، وقد تنضم الفصائل المحلية للحرب على تلك الفصائل الجهادية، بتكرار للسيناريو الذي جرى في درعا حين شاركت فصائل المصالحة بالعملية العسكرية ضد مواقع داعش في حوض اليرموك، قبل أن يتم الدخول معهم بصفقة تم على أثرها ارسال عناصر داعش إلى البادية السورية، وقد تكون هي ذات الوجهة التي تنتظر العناصر الأجنبية في محافظة ادلب .