بعد التراجع المدوي للأحزاب الكبرى في الانتخابات المحلية البريطانية.
نحو إعادة تشكيل للخارطة السياسية
تقدير موقف من حمزة علي، مركز تقدم للسياسات
تقديم: أحدثت الانتخابات المحلية لعام 2025 في المملكة المتحدة تحولاً وصف بالزلزالي في السياسة البريطانية، مع صعود حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، وهو حزب يميني متطرف وصديق مقرب من دونالد ترامب، بقيادة نايجل فاراج، متحديًا بشكل عميق هيمنة الحزبين التقليديين، العمال والمحافظين.
تقدم هذه الانتخابات في نظر المراقبين، حالة نموذجية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية وحالة التفتت التي اجتاحت الأحزاب التقليدية التاريخية وصعود الحركات الشعبوية داخل نظام ديمقراطي ناضج.
جرت الانتخابات لاختيار ممثلين لحوالي 1600 مقعد في المجالس عموم إنجلترا في 23 سلطة محلية، بالإضافة لستة رؤساء بلديات إقليميين، وانتخابات فرعية لمقعد شاغر في البرلمان.
في التفاصيل:
– تشير النتائج الى زيادة تمثيل حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، حيث فاز في الانتخابات الفرعية في “رونكورن وهيلزبي”، متغلبًا على حزب العمال بحوالي 15000 صوت. منح هذا الفوز الحزب عضوا خامسا في البرلمان.
– حصل الحزب على أكثر من 670 عضوًا جديدًا في المجالس المحلية، وهو توسع بفارق كبير عن قاعدته المحلية السابقة.
– حصل حزب الإصلاح على منصبي عمدة إقليميين: “لينكولنشاير الكبرى” و”هال وشرق يوركشاير”. فقد بات يسيطر الآن على العديد من السلطات المحلية ومئات المقاعد البلدية، مما يمثل انتشارًا جغرافيًا واسعًا لقاعدته الاجتماعية
– تقدم الإصلاح، يشكل خسائر كبيرة للأحزاب التقليدية: فقد خسر حزب المحافظين أكثر من 670 عضوًا في المجالس، لصالح حزب الإصلاح. كما عانى حزب العمال من خسائر، حيث فقد نحو 180 مقعدًا في المجالس.
– سيطر الديمقراطيون الليبراليون على ثلاثة مجالس (أكسفورد شاير وكامبريدج شير وشروب شاير) وتفوقوا على كل من حزب العمال والمحافظين في إجمالي أعضاء المجالس المنتخبين.
– . أشارت صحيفة نيويورك تايمز، الى أن حزب نايجل فاراج يتبنى تكتيكات حملة مستوحاة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما في ذلك التجمعات السياسية الحاشدة وأسلوب التواصل المباشر.
– يعود نجاح حملة الإصلاح جزئيًا إلى تجنيد المرشحين بمساعدة الذكاء الاصطناعي حيث تم تشجيع المؤيدين على الترشح لمناصب محلية وتم الاختيار للمرشحين بناء على قراءة التقنيات الحديثة.
– تشير الانتخابات المحلية لعام 2025 إلى أن حزب الإصلاح يتقدم بخطى ثابتة تهدد أيضا موقع حزب العمال، وسيكون العامل الحاسم في إعادة تشكيل الخارطة السياسية. ويرى العديد من المحللين والمنصات الإعلامية أن نتائج عام 2025 تمثل نقطة تحول في السياسة البريطانية: قال لوك تريل المحلل السياسي لصحيفة واشنطن بوست: “هناك شعور حقيقي بأن الوضع الراهن لا يعمل لصالح أي طرف.. فالسياسة تتفكك بعيدًا عن التيار السائد التقليدي”. اما توني ترافرز، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، قال للصحيفة “هذا يُظهر أن [إصلاح المملكة المتحدة] لديه زخم الحزب الفائز في وقت لا يحظى فيه كل من المحافظين والعمال بشعبية وهذا يكاد يكون أمرا غير مسبوق في السياسة البريطانية”.
– سلطت صحيفة فايننشال تايمز الضوء على انهيار في الآليات التقليدية للنظام الانتخابي البريطاني، الذي همش تاريخيًا الأحزاب الصغيرة بموجب نموذج الفائز الأول. فالزخم الحالي لـ “إصلاح المملكة المتحدة” يتجاوز هذا التوقع. أوضح بيتر كيلنر، الرئيس السابق لمجموعة استطلاعات الرأي يوغوف، للصحيفة “أن حصة الأصوات اللازمة للفوز في الانتخابات قد انخفضت بسبب التشرذم: “في السابق كان من الضروري أن تحصل على نسبة 30٪ لتكون قادرًا على المنافسة. الآن أصبحت 25٪.
– سلطت صحيفة الغارديان الضوء على قضية أعمق: وهي انفصال الناخبين المتزايد عن العملية السياسية نفسها. وحذرت من أن وراء صعود إصلاح المملكة المتحدة يكمن مستوى مقلق من الانفصال عن النظام السياسي والثقة به .
ما هي الآثار المترتبة على انهيار نظام الحزبين الكبيرين؟
– لعقود من الزمن، تم تعريف السياسة البريطانية بالهيمنة المتبادلة لحزب العمال والمحافظين. تشير انتخابات عام 2025 إلى أن هذا النموذج قد يتلاشى، مع تزايد الدعم للأحزاب الصغيرة بما في ذلك إصلاح المملكة المتحدة والخضر والديمقراطيين الليبراليين. فالنظام الانتخابي لا يمنع نظام نسبة الحسم الأحزاب الصغيرة من اكتساب أرضية سياسية وفي البرلمان، لا سيما إذا استمر عنصر تشتيت التصويت.
– التقديرات تشير الى انه إذا استطاع حزب الإصلاح في المملكة المتحدة الفوز بشكل كبير في الانتخابات المحلية، فقد يبدأ في تكرار هذا النجاح في الانتخابات الوطنية.
– يمكن القول ان تشابها يمكن رصده بين صعود حزب الإصلاح وما يجري من صعود للحركات الشعبوية اليمينية واكتسابها أرضية سياسية في إيطاليا وألمانيا وفرنسا. وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز، فإن أساليب فاراج ورسائله تعكس الاتجاهات الشعبوية التي شوهدت في جميع أنحاء الديمقراطيات الغربية.
– غير ان الجديد في الظاهرة الأوروبية، ان نتائج الانتخابات وتقدم أحزاب اليمين القومي المتطرف تشير إلى تحول طبيعة الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار نحو سياسات أكثر تجزئة وقائمة على قضايا تركز على الهجرة والهوية ومصداقية الحكم ومعاداة النخب السياسية.
الخلاصة
** لا تمثل الانتخابات المحلية في المملكة المتحدة لعام 2025 تحولًا سياسيًا وطنيًا جذريًا فحسب، بل ترسخ أيضًا نمطًا أوسع نطاقًا عابرًا للحدود الوطنية. إذ يعكس صعود حركة الإصلاح في المملكة المتحدة والتراجع المتزامن للأحزاب البريطانية المهيمنة – تقدما للحركات المناهضة للمؤسسة في جميع أنحاء أوروبا والديمقراطيات الليبرالية الأخرى. من حزب البديل من أجل ألمانيا إلى التجمع الوطني في فرنسا وإخوان إيطاليا في إيطاليا.
** تبدو الرسالة متسقة: حيث يتخلى الناخبون عن الهياكل السياسية التقليدية لصالح جهات فاعلة جديدة تعد جمهورها المحبط بالأزمة الاقتصادية، بتغيير جذري وحلول قومية وقطيعة مع إجماع ما بعد الحرب العالمية الثانية.
** فالتشرذم الذي شهدته هذه الانتخابات في المملكة المتحدة ليس مجرد إعادة ترتيب لمصفوفة الأحزاب، بل تفكك الوضع السياسي الراهن الذي حكم بريطانيا لعقود. مع تآكل ولاء الناخبين للأحزاب القديمة، وتخضع الافتراضات الأساسية للحكم والاستقرار والسياسة التمثيلية منذ اليوم لتدقيق متجدد. يعكس هذا التشرذم أكثر من مجرد تحولات أيديولوجية؛ فهو يكشف عن انعدام ثقة عميق في السياسة المؤسسية وشهية متزايدة للبدائل التي كانت تعتبر في السابق هامشية أو غير قابلة للانتخاب.
** في ظل نظام الأغلبية المطلقة ، الذي لطالما كان غير منصف للأحزاب الصغيرة ، يقدم هذا التحول بالنسبة لصانعي السياسات والمراقبين حول العالم، درسا واضحا جوهره ، ان المركز لم يعد صالحا امام موجة التغيير. فالأنظمة السياسية التي لطالما ظنت أنها صامدة تتعرض اليوم للضغط، وإعادة التشكيل، وفي بعض الحالات، للانقلاب. فما يجري في المملكة المتحدة يعد مثالًا بارزًا لقصة عالمية وإعادة تشكيل للمشهد السياسي الغربي في القرن الحادي والعشرين.