بايدن يقرر إنهاء حرب غزّة: قراءة في “مقترح إسرائيلي” على 3 مراحل

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات.

– ملخص تنفيذي:
– إعلان بايدن عن “عرض” إسرائيلي لـ “إنهاء الحرب” يمثل انتقالا من مرحلة إدارة الحرب إلى مرحلة إنهائها.
-قيام بايدن شخصيا بإعلان المقترح الإسرائيلي يشكّل ضغطا على الداخل الإسرائيلي وجدّية تبديها واشنطن أمام شركائها العرب والرأي العام الدولي.
– تبني واشنطن للمقترح الإسرائيلي ينقل الأزمة من مرحلة “الأمل” بإنهاء الحرب إذا ما نجح التفاوض إلى مرحلة “قرار” بإنهاء الحرب يمر بعدّة مراحل.
– رغم اعتبار نتنياهو أن شروط إسرائيل هي القضاء على “حماس”، تكتفي المبادرة بإعلان إنجاز “عدم قدرة حماس على تنفيذ 7 اكتوبر جديد”.
– يحتاج بايدن إلى إنهاء الحرب لتحسين صورته في الانتخابات الرئاسية، ويأمل أيضا من ذلك بتحريك ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي قبل الانتخابات

تقديم: قدم الرئيس الأميركي جو بايدن، في 31 مايو 2023 مقترحا قال إنه من إسرائيل لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة يقوم على 3 مراحل يهدف إلى إنهاء الحرب التي اندلعت بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 اكتوبر 2023. ويهدف المقترح إلى إنجاز مفاوضات تنتهي بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين على أن تقود هذه المراحل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزّة. ولم يصدر عن إسرائيل أي نفيّ لما عرضه بايدن، فيما أعلنت حركة حماس أنها تنظر إلى المقترح “بإيجابية”.

•مراحل الصفقة الثلاث:

المرحلة الأولى: قال الرئيس الأميركي إن المرحلة الأولى من العرض الإسرائيلي تشمل وقفا كاملا لإطلاق النار وعلى نحو شامل في كل القطاع. وتتضمن تلك المرحلة:
•انسحاب القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة.
الإفراج عن عدد من الرهائن، لا سيما النساء وكبار السن والجرحى.
إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين.
٠تضمن هذه المرحلة عودة سكان غزّة إلى منازلهم في جميع مناطق القطاع.
•رفع عدد شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى سكان غزّة إلى 600 شاحنة يوميا.

وفق “مقترح إسرائيل” الذي قدمه الرئيس الأميركي، فإن وقف إطلاق النار، حسب بايدن، يمكّن المجتمع الدولي من إرسال كافة أنواع المساعدات الإغاثية، بما في ذلك الملاجئ المؤقتة والوحدات السكنية. وسيتمّ خلال هذه المرحلة التفاوض من أجل الوصول إلى المرحلة الثانية. وقال بايدن إن الولايات المتحدة وقطر ومصر ستتابع وتضمن استمرار المحادثات خلال هذه الفترة للوصول إلى اتفاقات تسمح بالانتقال إلى البدء في المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية: ينتقل بايدن في الحديث عن هذه المرحلة من تعبير “وقف إطلاق نار” إلى تعبير “وقف الأعمال القتالية”. لكنه يؤكد أن وقف إطلاق النار الذي سينفّذ في المرحلة الأولى سيتجاوز فترة الـ 6 أسابيع إذا ما احتاجت مفاوضات المرحلة الثانية مزيدا من الوقت بسبب خلافات قد تظهر أثناء المفاوضات. بمعنى أن وقف إطلاق النار هو من ثوابت “المقترح الإسرائيلي”، وفق بايدن.
والمفترض أن تشمل المرحلة الثانية إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين بما في ذلك الجنود الذكور، وتنسحب القوات الإسرائيلية من قطاع عزّة. وتحدث بايدن عن أن تنفيذ الاتفاق والالتزام بالإفراج عن الرهائن من قبل حركة “حماس”، سيؤدي إلى تحوّل وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى إلى “وقف دائم للأعمال القتالية بشكل دائم”.

المرحلة الثالثة: يتحدث بايدن عن المرحلة الثالثة التي ستعاد خلالها رفاة الرهائن الذين قتلوا. وينتقل مباشرة إلى الإعلان عن خطّة كبرى خلال هذه المرحلة لـ “إعادة الإعمار في غزة”. ويَعِدُّ الرئيس الأميركي بأن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها على إعادة إعمار تشمل المنازل والمدارس والمستشفيات. ويضيف أن الدول العربية والمجتمع الدولي ستعمل معا على “خطة إعمار لا تسمح لحماس بإعادة التسلّح”. واعتبر في هذا الصدد أن إسرائيل تمكّنت من “تدمير قوات حماس خلال الأشهر الثمانية الماضية”، مؤكدا أن “حماس لم تعد قادرة على تنفيذ هجوم آخر مثل هجوم 7 أكتوبر”.

• موقف “حماس” وإسرائيل: الشروط والإيجابية

لم يصدر عن إسرائيل ما ينفي ما تضمنه خطاب بايدن. غير أن إسرائيل سعت إلى إعادة تقديم الاقتراح بصفته إنجازا إسرائيليا ما زال مشروطا لإنجاز الصفقة. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 1 يونيو 2024 أن إسرائيل تتمسك بـ “القضاء على القدرات العسكرية” لحماس، مشدداً على أن هذا الشرط مدرج في المقترح الإسرائيلي الذي أعلنه الرئيس الأميركي للتوصل الى وقف دائم لإطلاق النار في غزة.
وقال نتنياهو في بيان: “شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتبدّل: القضاء على قدرات حماس العسكرية وقدرتها على الحكم، تحرير كل الرهائن وضمان أن غزة لم تعدّ تشكّل تهديداً لإسرائيل”، مضيفا “بموجب المقترح، ستواصل إسرائيل التمسك بتلبية هذه الشروط قبل أن يدخل وقف دائم لإطلاق النار حيز التنفيذ”.
من جهتها أعلنت أعلنت حركة “حماس” في 31 مايو 2024 أنها تنظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من دعوته لوقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وتبادل للأسرى. وقال بيان للحركة: “ننظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار وتبادل للأسرى”. واعتبرت أن “هذا الموقف الأمريكي وما ترسخ من قناعة على الساحة الإقليمية والدولية بضرورة وضع حد للحرب على غزة هو نتاج الصمود الأسطوري للشعب المجاهد ومقاومته الباسلة”.

• بايدن و “مقترح إسرائيلي”: رصد التحوّلات

يمكن التقاط مجموعة من النقاط الجديدة في المقترح الإسرائيلي:
– المقترح قدمه الرئيس الأميركي نيابة عن إسرائيل مع ما ينطوي هذا الأمر من قوة معنوية لدى الداخل الإسرائيلي، بما في ذلك تيارات التطرّف في الحكومة الإسرائيلية. وتحرص مبادرة بايدن في تقديم “العرض” الإسرائيلي على مراعاة صورة إسرائيل وعدم تقديم الأمر بأنه إملاء من الخارج على حكومة إسرائيل.
– مسألة تقديم بايدن للمقترح الإسرائيلي يحمل في مضمونه ضمانات الولايات المتحدة بمتابعة مراحل الصفقة (مع مصر وقطر) ما يعطي للمقترح صفة الجدّية والمصداقية التي تسمح لحركة “حماس” بالتعامل مع العرض بصفته أميركي الإرادة ما يتيح أن تحظى مبادرة بايدن (الإسرائيلية) ببيئة حاضنة دوليا وبالقبول والدعم من قبل المحيط العربي.
– لم تفرج المبادرة عن آليات تضمن التزام إسرائيل وعدم تنصّلها من بنود أي اتفاق أو تمييعها لمرحلة من المراحل على منوال ما حصل خلال محاولات التفاوض الماضية. ولئن من الطبيعي ألا يكشف الرئيس الأميركي عن وسائل الضغط التي ستمارسها واشنطن، إلا أن الأمر يفترض أن يُناقش مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الذي يستعدّ للقيام بجولة في المنطقة لدعم المبادرة والبحث عن مفاعيل حاضنة لها.
– لم يتحدث بايدن عن “القضاء على حركة حماس” في غزّة أو السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القطاع أو إخلاء غزّة من “المسلحين” على منوال ما كانت إسرائيل تلوّح به وتلمّح إليه على منوال ما جرى عقب حرب 1982 في لبنان والتي انتهت إلى إخلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. استخدم الرئيس الأميركي مقاربة أخرى اعتبر فيها أن “حماس لم تعد قادرة على تكرار هجوم 7 أكتوبر”.
– انطلق بايدن من أن المقترح إسرائيلي، لكي يخيّر حركة حماس ما بين القبول بـ “العرض” الإسرائيلي أو استمرار الحرب. والواضح أن بايدن يسعى لإرضاء إسرائيل في هذا التهديد وإرضاء الكتلة الناخبة في الولايات المتحدة المناصرة لإسرائيل. بالمقابل فإن تسويقه للمقترح يهدف أيضا إلى تسويق جهوده لوقف الحرب في غزّة كرافعة تحسّن أداءه الانتخابي، لا سيما في الولايات المتأرجحة، من خلال إرضاء الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي ومجتمع الأقليات، لا سيما المسلمة، والتجاوب مع الحراك المدني الذي توّج بالتحرّك اللافت داخل الجامعات الأميركية. ويأمل بايدن أيضا أن توفّر نهاية حرب غزّة بيئة مساعدة للمضي قدما في ملف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
– خروج بايدن شخصيا لعرض المقترح الإسرائيلي يمثل قرارا أميركيا لإنهاء الحرب في غزّة ليس فقط لأسباب انتخابية بل لأسباب استراتيجية تتعلق بأولويات الولايات المتحدة في أدارة صراعاتها في العالم، لا سيما إدارة الحرب في أوكرانيا ومقاربة المواجهة مع الصين. ويعتبر تقديم بايدن لخطّة الصفقة بمثابة ضغوط جديدة قد تنجح في منع نتنياهو من الإفلات من التزامات تنصّ عليها الورقة الإسرائيلية.
– أضاف بايدن في كلمته نفساً أميركيا على المقترح الإسرائيلي على نحو يجعل لبنود الصفقة بعداً نهائيا. وفيما لم يصدر عن إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، أيا كانت تياراتها، ما يدعو إلى وقف الحرب والاعتراف بانتهاء لزوميتها، فإن بايدن، وبالإنابة عن إسرائيل، اعتبر أنه آن الأوان لإنهاء الحرب. ويمكن هنا استنتاج قرار أميركي-دولي بإنهاء الحرب، على ان تبدأ إسرائيل بالتموضع وفق هذا القرار.
– الأرجح أن بايدن قام شخصيا بعرض الخطّة الإسرائيلية بدل أن تأتي من الطرف الإسرائيلي مباشرة بسبب استنتاج واشنطن أن نتنياهو بات جهة غير موثوقة ليس من قبل “حماس” فقط بل من قبل الأطراف الراعية للتفاوض، أي قطر ومصر، وأن الخروج من مأزق المفاوضات يتطلّب تحرّكا أميركيا لافتا على هذا المستوى لـ “إنهاء الحرب” والترويج بأن الحرب الإسرائيلية حققت أهدافها بمجرد أن “حماس لم تعد قادرة على تنفيذ 7 اكتوبر جديد”.
– انتقل الرئيس الأميركي في عرضه للخطة الإسرائيلية من مستوى سابق كان يعتبر فيه بأن التوصل إلى اتفاق مؤقت لإطلاق النار “ممكن” أن يقود إلى وقف إطلاق نار دائم، إلى مستوى حالي يتحدث فيه عن أن “الهدف” هو إنهاء الحرب و “وقف الأعمال القتالية بشكل دائم” على أن يمرّ بمراحل ثلاث. ويعتبر الأمر نقلة لافتة لجهة عدم الحاجة لاستمرار الحرب والقفز إلى إنهائها.

خلاصة واستنتاجات:

**توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين ومن خلال تواصل بايدن نتنياهو إلى تقديم “ورقة حلّ” على أن تقدم بصفتها “عرضا” إسرائيليا يقوم بإعلانه رئيس الولايات المتحدة الأميركية. المضمون والشكل والإخراج يوحيّ بأن الأمر هو عصارة تقاطع دولي إسرائيلي بات ملحّا لإنها الحرب في غزّة.
**ترحيب “حماس” بالمبادرة الصادرة عن الرئيس الأميركي وعدم نفي إسرائيل صحتها أو إعادة تفسير بنودها يعطي انطباعا بإمكانية العبور نحو مرحلة نهاية الحرب في غزّة، خصوصا أن بايدن قفز نحو مرحلة إعادة الإعمار.
**مراحل الحلّ تمر بسلسة من حقب التفاوض والاتفاقات التي يمكن أن تنتج في أي لحظة ألغاما أفخاخا تعطّل انسياب المراحل الثلاث للوصول إلى نهاية الحرب، ما يتطلّب جهودا منسقة وضاغطة من قبل واشنطن والدوحة والقاهرة.
**المبادرة تؤسّس لوضع نهاية للحرب من دون أي تلميحات لمسألة “اليوم التالي”، خصوصا أن انتفاء هدف القضاء على حماس يطرح أسئلة عن مستقبل وجود الحركة في غزّة من منظور أميركي-إسرائيلي وآليات إدارة القطاع فلسطينيا ودوليا.
**تضع المبادرة الفلسطينيين أمام استحقاق ما بعد الحرب. ما يفترض أن يدفع السلطة الفلسطينية و “حماس” وبقية الفصائل إلى إنتاج آلية خلاقة يمكن أن تكون مقبولة لإدارة غزّة. وسيكون مقلقا عدم صدور ردود فعل فلسطينية بهذا الاتجاه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.