بالتلويح بالمعادن النادرة.. كيف تطوّر الجزائر علاقاتها مع واشنطن؟
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات.
تقدير موقف
تقديم: وسط ضغوط تمارسها واشنطن على كييف بشأن اتفاق المعادن النادرة، عرضت الجزائر على الولايات المتحدة التعاون في قطاعات اقتصادية جزائرية، منها المعادن النادرة. يضاف الأمر على سلسلة تطوّرات حصلت خلال الأشهر الأخيرة، تشي بتوجه جزائري جديد باتجاه واشنطن وسط توتّر مع موسكو وابتعاد عن باريس.
– في 9 مارس 2025، أعرب السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، عن الرغبة الكبيرة لبلاده في تعميق التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة. واعتبر مراقبون أن هذا الموقف يكشف عن توجه الجزائر باتجاه المعسكر الغربي بعد عقود من التموضع داخل المعسكر الشرقي. وكان دعا في 7 مارس، إدارة ترامب إلى الاستفادة من إمكانات الجزائر في الزراعة، والطاقة المتجددة ،والموارد الطبيعية والسياحة. لكنه أضاف أن بلاده مستعدة لمناقشة صفقة مع الولايات المتحدة بشأن مواردها من المعادن النادرة.
– أتى الاقتراح الجزائري في الوقت الذي كان فيه ترامب يضغط على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لتوقيع اتفاق يتعلق بالمعادن النادرة بقيمة 500 مليار دولار كـ “تعويض مالي” عن المساعدات العسكرية المقدمة إلى أوكرانيا في ظل إدارة بايدن.
– تملك الجزائر 20 بالمئة من الاحتياطات العالمية للأتربة النادرة. وتقدر التقارير الرسمية الجزائرية عدد المواد المعدنية المستغلة بـ31 مادة من مجموع 1400 مستثمرة على المستوى الوطني. بينما لم تكن تتجاوز مساهمة هذا القطاع نسبة 1 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، إلى غاية نهاية 2020. وفي عام 2024 أتاحت الجزائر الاستثمار في المعادن النادرة، حيث تقدر المداخيل المتوقعة بحوالي 150 مليار دولار.
– كانت الجزائر توجّست من تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية الأميركية. وكان روبيو، بصفته نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك، قد بعث في عام 2022 رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي حينها، أنتوني بلينكن، يطالب فيها بفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها مع روسيا، معربا عن قلقه الكبير بشأن المشتريات العسكرية الجزائرية من روسيا.
– يرى باحثون أن الجزائر تسعى إلى تبديد الصورة النمطية عن انتمائها العقائدي إلى المعسكر الشرقي وتأكيد توجهات براغماتية جديدة لنسج علاقات متقدمة مع الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والاقتصادية. لا سيما بعد برودة شهدتها علاقات الجزائر مع روسيا بسبب تنافر مصالح البلدين في الساحل الأفريقي وتوجسها من وجود قوات روسية في تلك المنطقة الحدودية.
– في 27 يناير 2025، بعد أيام على تنصيب الرئيس دونالد ترامب، وقعت الجزائر وواشنطن مذكرة تفاهم غير مسبوقة للتعاون العسكري، بين الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” والوزير الجزائري المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الجنرال سعيد شنقريحة.
– ترجّح مصادر دبلوماسية أن تكون حوافز الجزائر مدفوعة بحسابات على علاقة بالنزاع مع المغرب بشأن الصحراء المغربية. فقد سبق لترامب أن اعترف بمغربية الصحراء واعداً بفتح قنصلية لبلاده في مدينة الداخل في الصحراء وبإدراج جبهة بوليساريو، التي تدعمها الجزائر، على لوائح الإرهاب. وتضيف المصادر أن الجزائر تسعى إلى تخفيف اندفاعة واشنطن باتجاه خيارات الرباط في مسألة الصحراء.
– تؤكد مراجع مراقبة هذا المنحى وتعتقد أن الجزائر، بعد إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دعم فرنسا لمقترح المغرب بإقامة حكم ذاتي في الصحراء، واتجاه العديد من الدول الأوروبية صوب ذلك، بأن تستغل توتّر علاقات واشنطن مع أوروبا لانتزاع موقف أميركي مضاد أو كابح للاندفاعة الدولية لصالح سياسات المغرب.
– يعتقد مراقبون للشؤون الأميركية أنه بالرغم من موقف ترامب من قضية الصحراء والذي ارتبط بانضمام المغرب إلى اتفاقات أبرهام عام 2020، فإن لواشنطن مصلحة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الجزائر على نحو مكمّل لمستويات التعاون التي تحققت بين البلدين في السنوات الأخيرة.
– تذكّر مصادر جزائرية أنه خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، وقّعت الوكالة الجزائرية لتثمين المحروقات “النفط” مع شركة شيفرون الأمريكية على اتفاقية استثمارية لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية التي تقوم بها الشركة الأمريكية المذكورة. وتتوقع هذه المصادر أن تعمل إدارة ترامب على تعزيز التعاون الاقتصادي، والاستفادة من الإمكانات الجزائرية في مجال المعادن والنفط.
– ترى وجهات نظر أن بعض الملفات قد تقف عائقا أمام انسيابية تطوّر العلاقات بين الجزائر وواشنطن، منها العلاقة مع إيران وموقف الجزائر من ملفات أخرى مثل السودان، وتلفت مصادر إلى أن تبدّل الموقف الجزائري الاستراتيجي بشأن مسألة التطبيع مع إسرائيل هو تراجع تكتيكي هدفه إزالة أسباب أي معوقات أيديولوجية تحول دون تقدم العلاقات مع واشنطن.
– تلفت مصادر جزائرية أن مرونة الجزائر محدودة ومحسوبة لأسباب داخلية لها علاقة بتراكم عقائدي منذ استقلال البلاد عام 1962، وأن أي تحوّل انقلابي في بعض الملفات بما فيها التطبيع مع إسرائيل والعلاقة مع إيران قد تلقى معاندة داخلية تنال من شرعية الرئيس عبد المجيد تبون.
– يرى مراقبون أن ما تحاوله الجزائر لن يحدث انقلابا في الاصطفافات التاريخية التي تؤسس للعلاقات بين الأميركية الجزائرية، لكن الأمر سيشكل فرصة للأميركيين لتوسيع نفوذهم واختراقهم لفضاءات جديدة في المنطقة اعتبرت دائما محسوبة على الخصوم الدوليين.
– يستبعد خبراء ذهاب الجزائر بعيدا في تحوّلاتها الاستراتيجية. ويعتبر هؤلاء أن توسيع الهامش الغربي، لا سيما الأميركي، في السياسية الخارجية الجزائرية، من شأنه تعزيز أوراقها أمام روسيا وإعادة التوازن إلى علاقات قديمة شوّهتها مواقف متباعدة في أفريقيا مؤخراً فاجأت الجزائريين.
خلاصة:
**تسعى الجزائر إلى تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والسياسية الاقتصادية، ما يكشف براغماتية جديدة تأخذ مسافة من تموضعها التقليدي داخل المعسكر الشرقي داخل المشهد الدولي.
**يعتبر تلويح الجزائر للولايات المتحدة بملف تعاون في قطاع المعادن النادرة اندفاعا “هجوميا” لإغراء واشطن، ويتزامن مع ضغوط يمارسها ترامب على أوكرانيا لانتزاع اتفاق بشأن المعادن النادرة في هذا البلد.
**تسعى الجزائر إلى تحسين موقعها لدى إدارة ترامب بشأن نزاع الصحراء الغربية على نحو يخفف من الاندفاعة الأميركية الأوروبية لدعم خيار المغرب.
**تعمل الجزائر على تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة، بما في ذلك في القطاع العسكري، في سعيّ لأخذ مسافة من حليفتها روسيا بسبب توتّر في العلاقات موسكو لتنافر المصالح الروسية الجزائرية في منطقة الساحل الأفريقي.
**أدخلت الجزائر تعديلات تكتيكية على مواقفها الايديولوجية بشأن التطبيع مع إسرائيل، غير أن علاقاتها مع إيران واعتمادها على السلاح الروسي قد يجعل لتطوّر العلاقات مع واشنطن أبعادا محدودة.
**من المستبعد أن تغادر الجزائر بشكل انقلابي اصطفافها التقليدي داخل المعسكر الشرفي، إلا أنها ستستخدم علاقاتها مع واشنطن لتقوية أوراقها أمام روسيا