انتخابات تركيا البلدية: بوصلة الأردوغانية في مستقبل البلاد

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم:

يرى مراقبون أن الانتخابات البلدية في تركيا التي ستجري الأحد المقبل ليست انتخابات محلية روتينية، بل قد تحدد وجه البلاد في المستقبل، وتوفّر مؤشرات بشأن شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان ومستقبل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة. وينصح المراقبون بالتركيز على الانتخابات في مدينتي إسطنبول وأنقرة.

في هذا السياق يجدر التوقف عند الملاحظات التالية:
*تشكل إسطنبول وأنقرة الشريان الأول للأنشطة الاقتصادية والسياسية في البلاد، ولطالما كانتا بوصلة تركيا لأي انتخابات بلدية. واللافت أن المعارضة سبق أن ربحت الانتخابات البلدية في المدينتين عام 2019 لكنها خسرت الانتخابات التشريعية والرئاسية وحتى النقابية لاحقا.
*في حال فوز مرشحي حزب “العدالة والتنمية” ببلديتي اسطنبول وأنقرة، فإن الأردوغانية سيستعيد السيطرة الكاملة على تركيا. بالمقابل سيشكل احتفاظ المعارضة بإحدى البلديتين اختراقا معنويا يكسر احتكار الأردوغانية لحكم البلاد وقد يمهد لاحتمال تهديد اغلبيتها في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة (تنتهي ولاية أردوغان في ربيع 2028).
*تمثّل إسطنبول خُمس سكان تركيا (حوالي 18 في المئة من الأتراك مسجلين انتخابياً في إسطنبول) ، وتعتبر نتائج الانتخابات بها الأكثر أهمية وتنافسا بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو، المدعوم من حزب “الشعب الجمهوري” العلماني المعارض.
*تتوقّع استطلاعات الرأي إعادة انتخاب مرشح المعارضة بسبب تراجع شعبية حزب أردوغان الذي يفقد حواضن داخل المدن الكبرى بسبب ارتفاع التضخم وتفاقم المعضلات الاقتصادية. فيما يحافظ اردوغان وحزبه على شعبية في الأرياف المحافظة والأقل تأثراً بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا.
*مرشح “العدالة والتنمية” هو وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق مراد كوروم. قدّم برنامجا انتخابيا مثيرا للجدل ضمّنه وعودا بتنفيذ مشاريع عمرانية ضخمة وإعفاءات ضريبية كبيرة، وصفت المعارضة البرنامج بأنه “رشوة انتخابية”. ووفق وكالة AP يراهن حزب أردوغان على سجله الحافل بالمشاريع العمرانية الكبرى وخطابه القومي الإسلامي الذي يلقى رواجا خاصة في المناطق ذات الطابع المحافِظ وأيضاً في ضواحي إسطنبول الفقيرة، مما يُعزز مكانته وقوة حزبه. .
*بالمقابل يحظى رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو بشعبية لدى الشباب الليبراليين واليساريين والأقليات الدينية والإثنية. نفذ مشاريع مهمة خلال ولايته لكن سُجل ازدياد حالة الفوضى في المدينة، وخاصة في ضواحيها الآسيوية.
*بالنسبة لأنقرة تتحدث استطلاعات الرأي عن تقدم واضح لرئيس بلديتها الحالي منصور يافاش. هو مرشح المعارضة. يعتبر من الشخصيات المرموقة في تركيا. وكاد أن يكون مرشح المعارضة ضد إردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
*يواجه يافاش مرشح حزب “العدالة والتنمية” تورغوت ألتينوك القريب أيضا من القوميين الأتراك. كان مسؤولاً مهماً في حزب “الحركة القومية” سابقاً وحافظ على علاقات وثيقة مع القوميين بعد انضمامه إلى “العدالة والتنمية”.
*استطلاعات الرأي، بما في ذلك تلك المقرّبة من الحزب الحاكم، تتوقّع احتفاظ يافاش برئاسة بلدية أنقرة، فيما تفيد شركات استطلاع عن تقدمه بنسبة 10 في المئة على منافسه، وهي نسبة كبيرة وكافية للفوز.
*يلاحظ موقع DW الألماني أن المعارضة التي كانت حزباً موحداً قبل 5 سنوات، تخوض المعركة هذه المرة بشكل متشرذم بعد هزيمتها في الانتخابات الرئاسية عام 2023.
*يرجح الموقع فوز حزب الشعوب الديموقراطي -الذي تتهمه أنقرة بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني- في عدة مدن كبيرة في جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية، ولا سيما في ديار بكر.
*نقلت “رويترز” عن أردوغان قوله أن “هذه الانتخابات هي الأخيرة التي يخوضها وفق التفويض القانوني”. أثار التصريح جدلا بشأن مصداقية أردوغان في احترام المواعيد الدستورية.
نقلت “ترك برس” عن أوساط المعارضة أن التصريح مجرد “استعطاف انتخابي” ورأت أن “استماتة” أردوغان في هذه الانتخابات مؤشر على خططه للبقاء في الحكم بعد عام 2028.

خلاصة:

**تمثل الانتخابات مناسبة بالنسبة لأردوغان للثأر من الهزيمة التي منيّ به “حزب العدالة والتنمية” في مدينتي إسطنبول وأنقرة.
**يُلاحظ تراجع شعبية أردوغان وحزبه نسبيا في المدن الكبرى بسبب الأعباء الاقتصادية وارتفاع التضخم، مقابل احتفاظهما بشعبية لدى الأحياء المحافظة والفقيرة في المدن كما لدى الأرياف.
**على عكس انتخابات عام 2019، تخوض المعارضة الانتخابات مشتتة بعد هزيمتها في الانتخابات الرئاسية.
**الانتخابات البلدية مؤشر مهم ليس على مكانة الحزب الحاكم فقط، بل تؤثر سلبا أو إيجابيا على مستقبل الأردوغانية في الانتخابات التشريعية ومستقبل أردوغان نفسه في الحكم بعد عام 2028

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.