انتخابات ألمانيا: أزمة الداخل وترامبية الخارج

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: تشكّل الانتخابات التشريعية المقبلة في ألمانيا حدثا غير عادي في البلاد، بالنظر إلى أنها مُسبقة تمت الدعوة إليها بعد انهيار الائتلاف الحاكم، وبالنظر إلى توقيتها المصاحب لإرهاصات بشأن مستقبل حرب أوكرانيا، وبالنظر إلى تأثير ترامب والترامبية على المزاج السياسي الأوروبي وآمال أحزاب اليمين المتطرّف في تحقيق اختراقات كبرى.
في التفاصيل:
– في 23 فبراير 2025، تجري في ألمانيا انتخابات مُبكّرة إثر انهيار الائتلاف الحاكم، بقيادة المستشار أولاف شولتز، ما دفع الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير إلى حلّ البرلمان.
– تجري المنافسة بين الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) اليميني المحافظ، بقيادة فريدريش ميرتس، والحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD)، بقيادة المستشار شولتز، وحزب الخضر (Grüne)، وحزب اليسار (Die Linke)، حزب سارة فاغنكنيشت (BSW) اليساري المؤَّسس حديثا، وحزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرّف، بقيادة أليس فايدل.
– يعتبر المراقبون أن المنافسة لحكم البلاد تقتصر بشكل رئيسي على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بقيادة شولتز، وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قيادة ميرتس.
– أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقدم حزب الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرتس في المرتبة الأولى بنسبة 34 بالمئة، فيما جاء حزب “شولتز” في المرتبة الثالثة بنسبة 17 بالمئة فقط. ويعود تراجع شعبية “شولتز” إلى خسارته اقتراع الثقة في البرلمان في ديسمبر 2024، وانهيار ائتلافه الذي كان مكوناً من ثلاثة أحزاب.
– يرى مراقبون أنه بينما يحتل حزب “البديل من أجل ألمانيا” المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بنسبة 20 بالمئة، يظل الحزب اليميني المتطرف بعيداً عن تحقيق أغلبية، نتيجة لتوجهاته المتشددة، رغم تأثيره الكبير في المشهد السياسي الألماني.
– يلفت هؤلاء إلى أن حاجة ميرتس، للحصول على 51 بالمئة من الأصوات ليحقق الفوز، ستضطره إلى التحالف مع أحزاب صغيرة أخرى، وأنه في حال تكوين ائتلاف مع حزب شولتز، سيضطر الحزبان إلى تقديم تنازلات نظراً إلى التباين الشديد في سياسات كل منهما.
– يقول مراقبون إنه في حالة غياب ائتلاف بين الحزبين الرئيسين، فقد يلجأ حزب ميرتس (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) إلى حزب الخضر أو الحزب الديمقراطي الحر أو حزب اليسار، مع احتمال أن يرفض حزب الخضر التعاون مع حزب ميرتس المحافظ بسبب التعارض في السياسات.
– تلفت مصادر إعلامية إلى أنه إضافة إلى سياساته المتطرّفة، فإن حزب “البديل” اليميني المتطرّف يُعتبر خارج إطار “جدار الحماية” للأحزاب في ألمانيا، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى أن الحزب يُعتبر غير مقبول ضمن الأحزاب الرئيسية في النظام السياسي الألماني.
– تضيف هذه المصادر أن احتجاجات شعبية خرجت ضد احتمالات تعاون الأحزاب المحافظة مع الحزب اليميني الشعبوي. وكانت برلين شهدت مظاهرات بعد تصويت حزب “البديل” لدعم مقترح الاتحاد المسيحي المحافظ بشأن تشديد سياسة اللجوء، ما أثار جدلاً واسعاً حول اختراق “جدار الحماية” السياسي، الذي يقيّد التعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة.
– كشف استطلاع للرأي أجراه مركز “بيتكوم” عن أن 88 بالمئة من الناخبين الألمان يشعرون بالقلق من احتمالات التدخل الأجنبي في الانتخابات المقبلة، خاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتعد روسيا (45 بالمئة) والولايات المتحدة (42 بالمئة) والصين (26 بالمئة) من أبرز الجهات المشتبه بها في هذا السياق.
– يعتبر خبراء أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعد عاملاً مؤثراً في الانتخابات الألمانية، لا سيما لصالح حزب “البديل” الذي يحتفي بالأمر، ويعتبر “الترامبية” دعما لكل الأحزاب الشعبوية. وقد ظهر إيلون ماسك، حليف ترامب، في مقطع فيديو بثّ أثناء إحدى حملات “البديل” الانتخابية وهو يعبر عن دعمه للحزب.
– أثارت زيارة نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، الذي يمثّل التيار الترامبي، إلى مؤتمر ميونيخ للأمن جدلًا واسعًا، حيث التقى بزعيمة حزب “البديل”، أليس فايدل، متجاهلًا لقاء المستشار أولاف شولتز، ما عُدَّ صفعة دبلوماسية لألمانيا.
– يُعتبر لقاء فانس-فايدل دعماً أميركيا لليمين المتطرّف، ودفع شولتز إلى التحذير قائلًا: “لن نسمح بتدخّل جهات خارجية في الانتخابات الألمانية”. أنى هذا التوتّر على خلفية توتّر أكبر يشمل دول أوروبا مع واشنطن بسبب سياسة ترامب بشأن أوكرانيا.
– تتمحور الانتخابات حول عدّة مفاصل أساسية، منها قضية الهجرة، وقضية التطرف والتهديدات الأمنية، حيث تتوزع التهديدات بين الجماعات الإسلاموية المتطرفة واليمين المتطرف.
– تثير إحدى مفاصل الانتخابات مسألة ارتفاع نسب التجسس من دول أجنبية مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية التي تسعى إلى جمع معلومات حساسة تؤثر على الأمن القومي والتكنولوجي.
– يلفت مراقبون إلى معاناة الاقتصاد الألماني من تحديات داخلية وخارجية ألقت بظلالها على الحكومة الألمانية بقيادة شولتز ونال من شعبيتها. سجل الاقتصاد تراجعاً بنسبة 0.3 بالمئة في عام 2023، ووصل حجم الديون السيادية إلى 2.45 تريليون يورو. وفي الربع الأول من عام 2024، استمرت المديونيات في الارتفاع لتصل إلى 4.7 بالمئة، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى إصدار تحذيرات بشأن الوضع الاقتصادي في ألمانيا.

خلاصة:

**تعتبر الانتخابات التشريعية الألمانية مؤشرا مهما على مستقبل الاستقرار الداخلي، لكنها ستحدد معالم السياسة الخارجية الأوروبية أيضا، لما لألمانيا من مكانة ونفوذ داخل الاتحاد الأوروبي.
**تجري الانتخابات وسط توتّر في علاقة أوروبا وترامب ما قد يؤثر على توجهات الناخبين دعما أو رفضا لسياسة واشنطن الجديدة حيال ألمانيا وأوروبا.
**يخشى الألمان تدخلا تقنيا خارجيا في الانتخابات، فيما اعتبر لقاء نائب الرئيس الأميركي بزعيمة حزب البديل دعما أميركيا مباشرا لصالح اليمين المتطرّف الألماني.
**قد تؤدي الانتخابات إلى قيام تحالف بين الحزب الديمقراطي المسيحي مع الحزب الديمقراطي الحر (FDP) بدعم غير مباشر من حزب البديل من أجل ألمانيا، وقد يشهد هذا التحالف سياسات أكثر تشدّدًا ضدّ الهجرة ودعمًا أكبر للصناعات التقليدية.
**قد تؤدي أيضا إلى تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي في حكومة وحدة وطنية، ما يقود إلى تسوياتٍ سياسية تساهم في استقرار مرحلي، رغم وجود خلافات داخلية قد تؤثّر على تناغم الحكومة.
**يخشى المراقبون من أن تؤدي الانتخابات إلى ولادة برلمان من دون أغلبيات حاسمة، على منوال ما انتجته الانتخابات الفرنسية، ما من شأنه التسبب بأزمة سياسية جديدة وإجراء انتخابات مُبكّرة أخرى في عام 2026.
**في حال صعود اليمين المتطرّف فسيؤثر ذلك على سياسة ألمانيا تجاه الاتحاد الأوروبي وعلاقات برلين مع واشنطن، ويدفع إلى إعادة تقييم علاقاتها مع الصين وروسيا، فضلًا عن سياسة ألمانيا تجاه أوكرانيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.