اليمين المتطرّف يتجه لحكم فرنسا: غزّة والانقسام والعصيان المدني

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: أحدثت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا التي جرت، الأحد 30 يونيو، صخبا يدور حول احتمال فوز اليمين المتطرّف في الدورة الثانية الأحد المقبل بأغلبية مطلقة تتيح له تشكيل الحكومة الجديدة. وإذا ما حصل ذلك، فإن الأمر سيكون سابقة في تاريخ البلاد الحديث ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تصدرّ هذا اليمين نتائج الدورة الأولى، فيما أداءه في الدورة الثانية سيكون رهن قدرة خصومه على تشكيل “سدّ جمهوري” من كافة التيارات السياسية. فما أهمية الحدث وتداعياته المحتملة؟
لرصد الحدث جدير التوقف عند الملاحظات والعوامل التالية:
– الانتخابات هي مسبّقة دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 9 يونيو الماضي بعد قراره حلّ “الجمعية الوطنية” (البرلمان) إثر تصدر حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرّف الصدارة في فرنسا في الانتخابات الأوروبية. وكانت ولاية البرلمان الماضي تنتهي عام 2027 بما يعني أن ماكرون ذهب إلى مغامرة ثبت فشلها.
– عوّل ماكرون على إحداث صدمة في البلاد تدفع الفرنسيين وأحزابهم إلى تجاوز انقساماتهم السياسية والتصويت مجتمعين لردّ احتمال حكم البلاد من قبل اليمين المتطرّف. واستند الرئيس الفرنسي على تجارب سابقة حين صوّت الفرنسيون، من اليمين واليسار، لصالح جاك شيراك ضد الزعيم التاريخي لليمين المتطرّف، جان ماري لوبن، في انتخابات عام 2002 الرئاسية وحين صوتوا لصالح ماكرون ضد ابنة لوبن، مارين، في انتخابات عامي 2017 و 2022.

• نتائج الدورة الأولى التي جرت في 30 يونيو 2024 للقوى الثلاث الأولى:
•تحالف اليمين المتطرّف: 33.14 بالمئة (255-295 مقعدا محتملا)
•تحالف اليسار: 27.99 بالمئة (120-140 مقعدا محتملا)
التحالف القريب من ماكرون: 20.4 بالمئة (90-125 مقعدا محتملا
– يتألف برلمان فرنسا من 577 مقعدا ويحتاج اليمين المتطرّف إلى 289 مقعدا للحصول على الأغلبية المطلقة. وقد حُسمت الدورة الأولى الانتخابات في 76 دائرة (مقعد لكل دائرة)، فيما ستحسم الدورة الثانية في بقية الدوائر، وهو ما سيظهر إمكانية حصول اليمين المتطرّف على أغلبية مطلقة كافية للحكم.
– رغم دعوة خصوم اليمين المتطرّف إلى التصويت لصالح أي مرشح في مواجهة مرشح اليمين المتطرّف، غير أن مواقف هذه الأحزاب تباينت وأصاب بعضها غموض ولبس:
* دعا تحالف اليسار، المكوّن من الحزبين الاشتراكي والشيوعي وحزب الخضر وحزب “فرنسا الأبية” الراديكالي، إلى انسحاب مرشحيهم من أي دائرة أتى فيها مرشحهم في المرتبة الثالثة لصالح أي مرشح ضد اليمين المتطرّف.
* دعا تكتل ماكرون إلى نفس الأمر حتى لو كان لدعم مرشح اليسار الراديكالي المثير للجدل شرط مراجعة مواقف هذا المرشح في مسائل العنف ومعاداة السامية.
*. دعا حزب “الجمهوريون” الديغولي إلى ترك الفرنسيين يختارون مرشحهم، بما يعني أنهم يرفضون الدعوة لدعم مرشح يساري أو سحب مرشحيهم من أجل ذلك.
-تمثل حالة حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي بزعامة جون لوك ميلنشون حالة مثيرة للجدل بسبب مواقفة القصوى والتي برزت بسبب دعمه لغزّة وإدانته لإسرائيل ورفض اعتبار “حماس” ارهابية. وقد أتّهم الحزب بمعاداة السامية حتى من قبل أحزاب يسارية أخرى. وفيما حافظ تحالف اليسار على وحدته رغم ذلك، غير أن أحزابا أخرى تضعه في مصاف التطرّف الذي تضع فيه الحزب اليميني الذي تتزعمه مارين لوبن ويرأسه حاليا جودان بارديلا المرشح لتقلّد منصب رئاسة الوزراء.
-أشعلت أجواء هذه الانتخابات التوتّر الداخلي في فرنسا إلى درجة أن ماكرون حذّر من نشوب حرب أهلية. وقد لوحظ تحرّر الخطاب العنصري داخل المجتمع مستفيداً من تقدم اليمين المتطرّف وبرنامجه الذي يشجّع على ذلك.
-يسود قلق من أن يجري الردّ على احتمال فوز اليمين المتطرّف في الشارع وصولا إلى عصيان مدني تلوّح به كثير من النقابات في المؤسسات الرسمية التي تهدّد برفض تنفيذ تعليمات أية حكومة يمينية متطرّفة.
خلاصة:
**تشير نتائج الدورة الأولى للانتخابات الفرنسية إلى مواصلة اليمين المتطرًف تقدمه بعد التقدّم الذي أحرزه في الانتخابات الأوروبية في يونيو الماضي ومن المرجح أن يواصل هذا التقدم في الدورة الثانية.
**يُظهر انقسام خصوم اليمين المتطرّف من أحزاب اليمين المتطرّف صعوبة في تجاوز الخلافات الايديولوجية التاريخية والوقوف معا لردّ الموجة اليمينية المتطرّفة، ما يجعل إمكانات تحقق “سدّ جمهوري” أمام هذا اليمين معقّدا وغير مرجح.
**يجري التحذير من انتقال الصراع من مستوى المؤسسات الدستورية وصناديق الاقتراع إلى الشارع، ومن اللجوء إلى عصيان مدني لتعطيل عمل أية حكومة يمينية متطرّفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.