الوضع السياسي والميداني في السودان
اتساع رقعة الحرب وتضاؤل مساحات الحل السياسي
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
ذوالنون سليمان.
بعد تجميد قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي عضوية السودان في الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا “إيغاد” ، أغلق الباب امام مبادرة الايقاد والاتحاد الافريقي للحل السياسي، وأصبح الخيار العسكري الوسيلة الانية المتاحة لإنهاء الحرب بين الجيش والدعم السريع سواء بالحسم العسكري أو سلام المنتصر.
•ميدانيا: نقلت قوات الدعم السريع نشاطها العسكري للولايات الغربية ” غرب كردفان ” و”شمال كردفان” , وتركت لحلفائها في حركات مسار دارفور ” الطاهر حجر والهادي ادريس” أمر إخضاع حامية الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور , وذلك بهدف السيطرة الكاملة علي غرب السودان والتفرغ للولايات الشرقية والشمالية في معارك كسر العظم .
•تحاول قوات الدعم السريع السيطرة علي الفرقة 22 بمدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان , والتي تعتبر قاعدة استراتيجية من حيث اشرافها علي تأمين حقول البترول والحدود المشتركة مع دولة جنوب السودان , وهي أيضا تمثل نقطة تجميع للقوات التي انسحبت من حاميتي نيالا والضعين , مما يجعلها خط دفاع متقدم لمدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان , استراتيجية الدعم السريع تعتمد علي السيطرة علي منطقة بابنوسة العسكرية , التي ستسهل عليه مهمة اسقاط مدينة الأبيض , ليصبح غرب السودان الكبير تحت سيطرته المطلقة وبالتالي تأمين خطوطه الخلفية في زحفه نحو الشمال والشرق , و يجعل الولايات الوسطية المتبقية ” النيل الأبيض وسنار” نزهة حربية وذلك بعد حصارهما من ولايات الخرطوم والجزيرة وشمال كردفان .
•سيطرة الدعم السريع على الفرقة العسكرية ببانوسة يؤمن له أيضا خطوط الامداد والتجارة القادمة من دولة جنوب السودان ، ويجعله في مأمن من الحشد الشعبي المضاد بالمنطقة , ويقطع الطريق أمام محاولات عناصر النظام القديم تجييش مجتمعات غرب كردفان القتالية بالفطرة , ذات العلاقات التاريخية مع المؤسسة العسكرية.
•شهدت مدينة الخرطوم تحولا في استراتيجية الجيش القتالية، حيث اتجه الجيش للهجوم في امدرمان بدلا من الدفاع ، يساعده في ذلك تواجد كثيف لمسيرات ذات تقنية متقدمة ، واستخدامه لتكتيك العمليات الخاطفة ضد مواقع وارتكازات الدعم السريع ، استطاع بهذه الهجمات فك الخناق على منطقة كرري ووادي سيدنا ، والاقتراب من تواصل قواعده مع منطقة المهندسين العسكرية “المحاصرة” الواقعة في وسط أمدرمان. تأتي هذه التحركات بعد انتشار قوات الدعم السريع في الولايات الشمالية وولاية الجزيرة، وبعد ضرب الطيران للجسر الرابط بين مدينتي بحري وامدرمان والذي كان يساعد قوات الدعم السريع في دعم خطوطها القتالية بين مدن العاصمة الثلاثة , والتي صارت شبه معزولة الان.
•حققت قوات الدعم السريع انتشارا ملموس في الولايات الشمالية، مما شكل تهديدا مباشرا لمركز السلطة الاجتماعي في شندي ومروي ودنقلا , التي أصبحت مناطق حرب تعج بالحشود العسكرية من الجيش وحركات دارفور ” مناوي و جبريل” , بالإضافة للمستنفرين علي أساس اجتماعي , ويقرأ كثير من المراقبين تهديد الدعم السريع لمركز السلطة التاريخي في السودان، بأنه تحول سيسهم في تغيير عجلة ومسارات الصراع وقد يعجل بنهاية الحرب ,عسكريا أو سياسيا .
•تعيش الولايات الشرقية المتاخمة لولاية الجزيرة أجواء الحرب الأهلية، جراء التسليح الانتقائي للمجتمعات الداعمة لتحالف الجيش والإسلاميين وشركائه من الحركات، ومن الملاحظ ، استثناء مجتمعات غرب السودان من التسليح، وتصنيفهم كطابور خامس، والتعامل معهم كمهدد أمني.
خلاصة
علي الرغم من الشكل للعام لمظاهر وحدة الدولة , لكن عمليا، يعيش السودان في ظل دولتين عسكريتين , إحداهما في الشمال والشرق بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان , والأخرى في الوسط والغرب بقيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو , لكل منهما حواضنه الاجتماعية الداعمة له وحلفاؤهم المساندين لهم وفق قوانين المصلحة ومنطق الحاجة , ويعول الطرفان على الانتصار السياسي في المعركة والمحافظة علي مصالحهم عبر الاخضاع العسكري , رهانهم , مقدرتهم على التعامل مع تحديات الحرب الداخلية في معارك مفتوحة , والتعويل على الشركاء والمتغيرات الإقليمية , في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة وفشل القوي السياسية والمدنية السودانية في فرض الحل السياسي على طرفي الصراع .