الموقف العربي من الحدث السوري:
مقاربات رسمية مرتبكة واحجام عن المشاركة في الحلول
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات.
تقدير موقف:
تقديم: اجتمعت الدول العربية على اتخاذ مواقف رسمية متضامنة مع سوريا تتراوح ما بين دعم وحدة واستقرار البلد من جهة، ودعم صريح للنظام في دمشق من جهة أخرى. ويعبّر الإعلام العربي بوضوح عن هذا التوجه على نحو مرتبك في التعامل مع أزمة مفاجئة لها أبعاد ما فوق عربية. وفيما تبرز مواقف حازمة من قبل إيران وتركيا وروسيا، فإن الموقف العربي ما زال لا يرقى إلى مستوى الانخراط والشراكة في الحلّ.
نقرأ الموقف العربي من خلال رصد للخلفيات والتطوّرات والمواقف والملاحظات التالية:
– على خلاف الموقف من الشأن السوري عند اندلاع الصراع عام 2011، اتّخذ النظام السياسي العربي عامة موقفا حذرا يدعو إلى وحدة واستقرار سوريا. غير أن تواصل بعض العواصم العربية مع دمشق، عبّر عن ميل لمساندة الحكومة السورية، أو على الأقل عن سلوك متّسق مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، منذ مايو 2023، واستئناف علاقات بعض الدول الدبلوماسية مع دمشق.
– مقابل وسطية المواقف الرسمية، ينقسم الإعلام العربي في نقل الحدث السوري بين نسخ تتحدث عن صراع يدور بين قوى معارضة والنظام، واخرى تتحدث عن هجمات تنفذها “قوى إرهابية” ضد الدولة في سوريا.
– بسبب غياب النظام العربي عن المسألة السورية، فقد العرب نفوذا يمكن استخدامه لتوجيه أي تسوية أو التأثير في موازين القوى. وقد استأثرت إيران وتركيا وروسيا بالشأن السوري، وأدارت من خلال آليات تنسيق ثلاثية الشأن العسكري والسياسي في هذا البلد.
– رغم عملية المصالحة التي جرت بين تركيا والمجموعة العربية، لا سيما مصر والسعودية والإمارات، وتطوّر علاقات تركيا مع العراق، إلا أن المسألة السورية بقيت خارج بساط البحث، وبقي النظام العربي غير داعم لأجندة تركيا في سوريا، سواء في دعمها لفصائل المعارضة أو عبر التدخل العسكري المباشر. وبقيت البيانات الرسمية تندد بالتدخل التركي في سوريا والعراق .
– رغم التقارب الذي سُجل في علاقات إيران مع المحيط العربي، لا سيما دول الخليج ومصر، ورغم إبرام السعودية وإيران “اتفاقية بكين” برعاية الصين في 10 مارس 2023، لم يُسجل تقاطع عربي إيراني بشأن المسألة السورية. ففيما تستثمر إيران وجودا عسكريا وميليشياويا وازنا في سوريا حماية لنظام الرئيس بشار الأسد، أقام النظام العربي علاقات مع دمشق من دون أي نقاش في الأمر الواقع الذي تفرضه إيران وروسيا بمشاركة تركيا.
– أعاد النظام العربي الرسمي علاقاته مع دمشق على الرغم من موقف غربي متحفظ، تقوده الولايات المتحدة، بقيّ مشترطا تنفيذ القرار الأممي رقم 2254 لعام 2015 لإعادة أي علاقة مع دمشق وبحث برامج تمويل أي خطط لإعادة الأعمار واللاجئين.
– يقوم الموقف العربي إجمالا على شبه إجماع ضد موجات “الربيع العربي” التي شهدتها المنطقة، بما في ذلك (بعد عام 2015) في نسخته السورية. كما يقوم الموقف على أساس معاداةِ بعض الدول للإسلام السياسي أينما وجد، وتقويمٍ لأحداث سوريا الأخيرة بصفتها انتعاشا للجماعات الإسلامية، خصوصا وسط ضبابية بشأن الهويات السياسية والايديولوجيا للفصائل غير المنضوية في “هيئة تحرير الشام”، وخفوت حضور الشخصيات السياسية التي تصدرت مشهد المعارضة في بدايات انطلاقتها عام 2011.
– قامت فلسفة إعادة الوصل العربي مع النظام في سوريا في إطار السعيّ لإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية لدفع دمشق للابتعاد عن النفوذ الإيراني. وقد التزمت العواصم العربية بقرار استئناف العلاقات مع دمشق رغم شكوى بعضها من عدم تعاون دمشق الكافي واستمرار سطوة طهران على قرار دمشق. وبدا أن العواصم تتعامل مع الوضع بصفته أمرا واقعا، ربما لا تملك دمشق تغييره.
– فيما أظهرت العواصم العربية مواقف تتراوح ما بين التضامن مع سوريا والتضامن مع النظام، أظهر العراق مواقف جذرية إلى جانب دمشق، إلى درجة أن يعتبر رئيس الحكومة، محمد شيّاع السوداني، أن “أمن العراق من أمن سوريا”. وقد أعلنت بغداد إرسال تعزيزات عسكرية “لحماية الحدود”، نافية، بشكل رسمي، ما أعلنته مصادر عسكرية سورية رسمية، عن تدخل قوات من “الحشد الشعبي” في الصراع الحالي في سوريا. بالمقابل اعتبرت مصادر عسكرية رسمية أن احتمال تدخل “فصائل المقاومة” هو “حقّ” ومن عاديات كونها جزءً من “المحور”.
– مقارنة بمواقف موسكو وطهران وأنقرة وتواصلها البيني لإيجاد مخارج للأزمة، بقيّ الموقف العربي في الصفوف الخلفية، ولم يكشف عن أي مبادرة خاصة، سواء عن طريق “الجامعة” أو عبر إحدى العواصم، للمشاركة في أي طاولة تسويات محتملة. كما أن النظام العربي ما زال يتواصل مع سوريا من خلال بوابة النظام في دمشق، ولم يفعّل تواصلا مع تيارات وهيئات معارضة في محاولة لاستكشاف إمكانات الحلّ.
– فيما تدور دينامية الحدث السوري على تموضع الأطراف الكبرى عشية دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن النظام العربي يبدو مرتبكا ومترددا في إيجاد مكان له داخل الأزمة والحل في سوريا، وأن لا تكون المنطقة رهن تسويات تركية إيرانية روسية تأخذ بالاعتبار أجندات إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
خلاصة:
**يتراوح الموقف العربي بين التضامن مع سوريا ووحدتها، والتضامن مع النظام السياسي في دمشق. وتفرج وسائل الإعلام عن هذا التباين الدقيق من دون أن يرقى إلى مستوى الانقسام.
**تبدي العواصم مواقف وسطية متّسقة مع دينامية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستئناف علاقات بعض الدول الأعضاء علاقاتها مع دمشق.
**ينفرد العراق، من بين الدول العربية “، باتخاذ مواقف قريبة من موقف إيران، لا سيما لجهة الإعلان عن أن “أمن العراق من أمن سوريا”، والتلميح بتفهّم تدخل فصائل عراقية موالية لإيران في الصراع.
**بسبب خروج النظام العربي من الصراع السوري بعد تدخل روسيا العسكري، فقد العرب نفوذا منافسا لذلك التركي والإيراني والروسي، وما زالوا رغم استئناف العلاقة مع دمشق خارج مستوى الفعل والحلول في سوريا.
**يختصر النظام العربي العلاقة مع سوريا بالعلاقة مع النظام في دمشق، ولم يفعّل في مواقفه الأخيرة العلاقة مع تيارات وهيئات معارضة كان امتلك علاقة معها عند تفجّر الصراع.
**تموضع أطراف الصراع في سوريا بانتظار ولاية ترامب المقبلة، تفرض على النظام العربي تموضعا جديدا أكثر دينامية من خلال تواصله مع المجتمع الدولي وكافة عواصم الصراع، ليكون شريكا أساسيا في سيناريوهات أية تسوية تخص دولة عربية هي جزء من النظام الإقليمي العربي العام.