المقايضة التي أتاحت لفرنسا عضوية لجنة مراقبة تنفيذ ال 1701 في لبنان

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف
تقديم: إثر رفض حزب الله عضوية ألمانيا وبريطانيا في لجنة المراقبة الدولية التي ستشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، رفضت إسرائيل بدورها عضوية فرنسا أيضا على الرغم من الدور الذي لعبته باريس في التوسط بين إسرائيل ولبنان، والدور الذي تعلبه من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، ناهيك من النفوذ التاريخي الذي تمتلكه في هذا البلد. فكيف تدحرّج التوتّر بين فرنسا وإسرائيل، وما هي المخارج التي استخدمت لموافقة إسرائيل على عضويتها في تلك اللجنة؟
نرصد الحدث من خلال قراءة المعطيّات والخلفيات التالية:
– على الرغم من تميّز فرنسا في سياستها العربية، وخصوصا الفلسطينية، لم تحدْ عن الموقف الغربي الذي ظهر مفرطا في تأييده لإسرائيل على إثر عملية “طوفان الأقصى”.
– زار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إسرائيل بعد 18 يوماً من عملية ” طوفان الأقصى” لإعلان تضامن فرنسا مع إسرائيل، وذهب إلى الدعوة إلي تشكيل تحالف دولي ضد حماس، على غِرار التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا. مع ذلك علق دبلوماسي فرنسي أن “ماكرون قد فاته القطار، يذهب إلى إسرائيل بشكل متأخر”.
– سبقت الزيارة الرئاسية بيومين زيارة رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية يائير برون بيفيه، التي عبّرت فيها عن الدعم والتأييد المطلق لإسرائيل، وتأكيدها أن لا شيء يمْنّع إسرائيل من الدفاع عن نفسها وأن فرنسا تدعم بشكل كامل إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمت مهاجمتها بشكل فظيع.
– اعتبر مراقبون هذا الموقف ابتعاداً عن الموقف التاريخي الفرنسي الذي يدعو إسرائيل إلي الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والامتناع عن استهداف المدنيين. واتهمها جان لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبيّة، اليساري الراديكالي، أنها تدعم المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة،
– في 14 نوفمبر 2023، تداولت الأنباء رسالة وصلت إلي الرئيس الفرنسي عبر وزارة الخارجية وقعها عدد من سفراء فرنسا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتضمن انشقاقاً واضحا عن انحياز فرنسا لإسرائيل، في موقف مناهض للموقف التاريخي لفرنسا من الصراع العربي الإسرائيلي.
– كشفت السفراء أن محاوريهم في الشرق الأوسط يرون فرنسا تخون نفسها، وأن هناك تناقض بين خطابها المبني علي القيم الإنسانية وموقف الإدارة الفرنسية من الصراع الدائر في غزة، وهو ما أعطي صورة سيئة لفرنسا في العالم العربي.
– تطوّر الموقف الفرنسي الشاجب لحرب إسرائيل في غزّة ثم لبنان إلى أن وصل إلى مستوى السجال والردح بين ماكرون ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وقد دعا ماكرون إلى وقف تسليح إسرائيل، مما عدّه نتنياهو «عاراً» على فرنسا.
– في 15 اكتوبر، وخلال اجتماع لمجلس الوزراء، قال ماكرون إن على نتانياهو أن يتذكّر أن إسرائيل أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، معتبرا أنه لا يجب أن “يتنصل من قرارات” المنظمة الدولية. من جهته سارع نتانياهو إلى الرد قائلا إن دولة إسرائيل نشأت نتيجة “الانتصار” في حرب العام 1948 لا نتيجة قرار أممي.
– بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية، في 21 نوفمبر 2024، مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع المقال، يوآف غالنت، أصدرت فرنسا مواقف تعلن فيها احترام قرارات المحكمة والالتزام بها (كما فعلت دول داخل الاتحاد الأوروبي مثل أيرلندا وهولندا وإسبانيا… وغيرها (.
– كان لافتا أن رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية,، يائير برون بيفيه، التي سبق أن كان لها في إسرائيل، كما ذكرنا، مواقف مفرطة في دعم إسرائيل وأثارت جدلا في فرنسا، قالت، في 26 نوفمبر الماضي، إن على فرنسا احترام التزاماتها الدولية من خلال اعتقال نتنياهو، إذا زار فرنسا. وأشارت مصادر إسرائيلية أيضا إن نتنياهو  حمّل القاضي الفرنسي في المحكمة الجنائية الدولية مسؤولية صدور قرار الاعتقال بحقه، معتبرا أن وراء الأمر تعليمات صدرت من باريس ومن ماكرون بالذات.
– وفق العلاقة المتشنجة بين نتنياهو وماكرون، رفض الأخير الموافقة على عضوية فرنسا في اللجنة الدولية المولجة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. وكان رئيس مجلس النواب اللبناني، موكلا من حزب الله، رفض أيضا وجود بريطانيا وألمانيا داخل هذه اللجنة.
– تقول المعلومات إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد توسّط بين ماكرون ونتنياهو، مساندا موقف نتنياهو في رفض مشاركة دولة تهدد باعتقاله، وأن ماكرون اضطر إلى التراجع عبر اجتهاد قانوني يحمي نتنياهو من أي اعتقال.
– في 27 نوفمبر، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بيانا ذكر فيه بأن “نظام روما الأساسي” الذي أُنشئت المحكمة الجنائية على أساسه “ينص أيضاً على أنه لا يمكن مطالبة دولة ما بالتصرف بطريقة تتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدول غير الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وتنطبق هذه الحصانات على رئيس الوزراء نتنياهو والوزراء الآخرين المعنيين، ويجب أن تؤخذ في الحسبان إذا ما طلبت المحكمة الجنائية الدولية اعتقالهم وتسليمهم”.
– تقول مصادر قانونية إن هناك مادة أخرى في هذا النظام تنسف المادة الذي اعتمدت عليها فرنسا، لكن لأسباب سياسة انتقت باريس ما يخلّصها من المأزق ويتيح لنتنياهو رفع الفيتو عن مشاركتها في اللجنة المذكورة.
– تقول مصادر في باريس إن فرنسا متمسكة بدورها التاريخي في لبنان، ومعنيّة بأن تكون داخل آلية الإشراف على تطبيق القرار الأمم رقم 1701، وقد عجّلت في إرسال موفدها الرئاسي، جان إيف لودريان، في 28 نوفمبر، إلى بيروت، أي في اليوم التالي لوقف إطلاق النار، لتأكيد دورها المفصلي.
خلاصة:
**بعد معارضة نتنياهو لعضوية فرنسا داخل اللجنة الدولية المشرفة على مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، جرى تدخل من الرئيس الأميركي لنزع أسباب الفيتو الإسرائيلي والتخفيف من الاحتقان والتوتّر بين فرنسا وإسرائيل.
**تطوّر الموقف الفرنسي بعد عملية “طوفان الأقصى” من الداعم الكامل لإسرائيل إلى انتقادها، والمطالبة بوقف تزويدها بالسلاح، انتهاء بالموافقة على الاستجابة لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالنت.
**اضطرت باريس لإصدار اجتهاد قانوني يؤكد حصانة نتنياهو وغالنت من أي إجراءات تصدرها المحكمة بما يعني أن بإمكان المسؤولين الإسرائيليين زيارة فرنسا. يعود الأمر إلى توسط بايدن لإقناع نتنياهو برفع الفيتو عن عضوية فرنسا في اللجنة الدولية
**تريد فرنسا عدم القطيعة مع نتنياهو لتكون حاضرة كوسيط دولي في لبنان، وتعوّل فرنسا على حضورها في اللجنة الدولية المراقبة لتنفيذ الـ 1701 لحماية دور تعبره تاريخي في لبنان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.