المقاتلون الأجانب في سوريا: الوقائع والمعالجات

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تطرح بعض المراجع المهتمة بالشأن السوري مسألة موقف العالم من وجود مقاتلين أجانب، بعضهم في صفوف قيادية، داخل الهياكل العسكرية والأمنية للدولة السورية في ظل الحكم الجديد. فما هو واقع وحجم هذه الظاهرة وما هي المواقف الدولية وكيف يُنظر إلى هذه المسألة في داخل سوريا؟

في التفاصيل:

-في 15 مايو نشرت تقارير صحفية أنباء عن قيام جهاز الأمن العام يشن حملة واسعة في إدلب وحماة استهدفت مقاتلين أجانب من جنسيات عربية وأخرى، في خطوة تُعد تصعيداً جديداً ضد الفصائل المتشددة.
-قالت هذه التقارير إن المداهمات والاعتقالات جرت بدقة وهدوء، دون اشتباكات، وطالت مقاتلين فلسطينيين، ومصريين، وتونسيين، وآخرين من جنسيات غير معروفة، يُشتبه بانتمائهم إلى جماعات إرهابية، ومن بين المعتقلين، القيادي الفلسطيني شامل الغزي، الذي اشتهر بدوره في “العصائب الحمراء” وخطاباته التحريضية في الساحل السوري، وهو جهادي سابق قاتل في ليبيا ومصر، وانتمى لتنظيم داعش.
– في 16 مايو 2025، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية إنه “لا صحة مطلقاً لما تم تداوله من أخبار مضللة في هذا السياق، ولم تنفذ أي جهة تابعة للوزارة أو مؤسساتها الأمنية مثل هذه الحملة”.
-على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة، فإن مصادر سورية مراقبة قدّرت عدد هؤلاء بـ 2500 مقاتل إضافة إلى عائلاتهم، معتبرين أن الضجيج الداخلي والخارجي حول حجمهم وتأثيرهم يبقى محدودا مقارنة بالحجم الكلي للمقاتلين السوريين داخل صفوف الأجهزة العسكرية والأمنية الجديدة.
-يرى مراقبون للشؤون السورية أن قضية المقاتلين الأجانب استخدمت في الداخل من قبل كل المعارضين للحكم الجديد في سوريا أو المتحفظين والمشككين كحجّة إضافية يمكن أن يتأثر بها كل أطياف المجتمع السوري، وأن هذا الملف بات أكثر قوة بعد أن طالته شروط دولية لا سيما أميركية.
-لم تطلب واشنطن إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا بل اشترطت عدم توليهم مناصب قيادية داخل صفوف الجيش والأجهزة الأمنية وهياكل الدولة. وفيما كان تمّ ترقية بعض قيادات المقاتلين الأجانب إلى مراتب عليا في الجيش الذي تمّ تشكيله بعد سقوط النظام السابق، فإن الحكم الجديد في دمشق توقف عن تعيين أي من الأجانب في مناصب امنية او عسكرية بما فُهم أنه استجابة للضغوط الداخلية والخارجية في هذا الصدد.
-تقول دراسات بشأن تجربة أبو محمد الجولاني أنه رفض مبايعة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، ليبايع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وليبتعد لاحقا عن كل هذه الخيارات لصالح حصرية العمل الوطني من أجل سوريا. وفيما انشق عن الجولاني مقاتلون رفضوا تحوّلاته ضد داعش والقاعدة، فإن المقاتلين الأجانب الذين قرروا البقاء في صفوف هيئة تحرير الشام هم من ارتضوا “سورنة” العمل وعدم الانخراط في أي مشروع خارج سوريا.
-تلفت مصادر مراقبة أن مسألة عدم تقبّل “الغرباء” هي من الغرائز البشرية البدائية وأن أفكار وفلسفات وأيديولوجيات اشتغلت على مدى قرون لتثبيت فكرة القبول بالأجنبي حتى لدى أكثر المجتمعات تطوّرا. ولفتت المصادر إلى أن أصواتا كانت خرجت في دمشق تطالب بإخراج “الغرباء” من العاصمة التي “لا يشبهونها”، ولم يكن القصد من الغرباء الأجانب، بل أؤلئك السوريين القادمين من بقية المحافظات لا سيما إدلب.
-تعتبر بعض الآراء في سوريا أن المقاتلين الأجانب هم شركاء في النصر الذي تحقّق بإزالة النظام السابق وأن أمر التخلّص من الأجانب الشركاء ليس أخلاقيا ولا يمكن أن يتمّ على الأقل بالطريقة التي تريدها بعض الضغوط في الداخل والخارج، ناهيك من أن بعض التقارير تتحدث عن شعبية يتمتع بها هؤلاء “المهاجرين”، وفق بعض التوصيفات، قد تُقابل أي إجراء ضدهم برفض وغضب داخلي.
-تقول بعض المصادر المراقبة للتطوّرات في سوريا، إن محاولة فلول النظام تنفيذ مخطط انقلابي في “الساحل”، في مارس 2025، كان خطيرا ضد الحكم الجديد وثبتت حاجة الحكم الجديد بالاحتفاظ بكافة القوى التي يمتلكها وعدم التفريط بأي منها.
-تلفت بعض مراجع الأمن والدفاع إلى أن المعضلة لا تكمن في كونهم مقاتلين أجانب، بل في التزامهم الكامل بخطط الدولة وعدم الخروج عنها. وتورد هذه المراجع أمثلة في العالم عن وجود عناصر أجنبية داخل صفوف الجيوش وقوى الأمن في العالم، حتى أن فيلقا في الجيش الفرنسي لا يدخله إلا عناصر أجنبية، ناهيك من انخراط الأجانب في جيوش وقوى أمن بعض الدول العربية.
-يُعتقد أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية في سوريا وبدء دمشق إبرام اتفاقات اقتصادية مع العالم، سينقل سوريا إلى نقاش آخر، خصوصا أن الإقبال الدولي على سوريا سيردع قوى داخلية عن محاولة اسقاط الحكم الجديد وسيفرض على إسرائيل البحث عن آليات بديلة عن مقاربتها العسكرية ضد سوريا.
-تأخذ دمشق مسألة قلق العواصم من المقاتلين الأجانب بجدّية. وتقول معلومات إن إجراءات قد تتخذ تهدء من مخاوف مصر من وجود مقاتلين مصريين في سوريا وأنه تم نقاش أمر مقاتلي الإيغور مع مبعوثي الصين.
-كانت بعض الأنباء أشارت إلى أن الشرع أبلغ جريدة نييورك تايمز في 23 أبريل 2025 أنه ينوي منح هؤلاء المقاتلين الجنسية السورية، غير أن تدقيقا في تصريحه يوضح أنه أشار إلى احتمال منح الجنسية لفئة محددة من المقاتلين الأجانب الذين عاشوا في سوريا لسنوات، وبعضهم متزوج من سوريات، والذين “وقفوا إلى جانب الثورة”.

خلاصة:

**لم تطلب الشروط الخارجية إخراج المقاتلين الأجانب في من سوريا، بل تركّزت على عدم تقلّدهم مناصب عليا في هياكل السلطة، وعدم العمل ضد أي دولة من داخل الأراضي السورية.
**تدرك عواصم دولية بأن مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا أمر مبالغ فيه بالنظر إلى محدودية عددهم والتزامهم بسياسات الدولة السورية الجديدة.
**اعتُبر نقاش مسألة المقاتلين الأجانب موضوعا للجدل الداخلي لانتقاد الحكم الجديد وحجّة استخدمت خصوصا من قبل فلول النظام السابق لتحريض المجتمع السوري ضد الحكم الجديد.
**ترى مصادر إن “الأجانب” يحظون بشعبية لدى الشرائح الاجتماعية الواسعة المؤيدة لإسقاط النظام السابق والممتنة لدورهم في تحقيق ذلك، بمعنى أن المسّ بهم سيقابل برفض وغضب شعبي.
**يلفت خبراء في الشؤون الأمنية أن “الأجانب” هم جزء من هياكل الدفاع لدى دول كبرى عريقة، منها فرنسا، وأن “الأجانب” هم جزء من قوى الجيش والأمن في بعض الدول العربية.
**تتعامل دمشق بجدية مع هواجس دول بشأن وجود مقاتلين من مواطنيها في سوريا وتتعهد بعدم عمل هؤلاء ضد أي دولة في العالم ما احتمال اتّخاذ إجراءات رادعة للتأكد من ذلك.
**يُعتقد أن الواقع الهش لسوريا يتطلب محافظة الحكم الجديد على القوى المدافعة عنه بما فيها الأجانب، وأن التحاق سوريا باقتصاد العالم بعد رفع العقوبات الأميركية سينقل البلاد إلى جدل آخر تصبح فيه مسألة “الأجانب” هامشية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.