المفاوضات الامريكية الايرانية في روما، سر التحوّل الإيجابي المفاجئ:

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات

ملخص تنفيذي:
• نقل المفاوضات من مسقط إلى روما ينطوي على حسابات إدارة ترامب في أن تكون أوروبا حاضرة لإنتاج اتفاق جديد من خلال البوابة الإيطالية.
• التصعيد المتبادل الذي سبق الجلسة الثانية وضع إطارا لما هو “واقعي” وفق توصيف وزير الخارجي الإيراني.
• تقصّدت واشنطن ترجيح خيار ترامب الراهن بإعطاء “فرصة” للدبلوماسية بما يخالف ضغوط إسرائيل وانقساما في واشنطن في هذا الصدد.
• تقصّدت طهران المسارعة بالترويج لانطباعات إيجابية توحي بجدية طهران في إنجاح المفاوضات والاستعداد للتقيّد بمعايير تقنية لمراقبة برنامجها النووي.
• من غير الواضح ما إذا كانت المفاوضات ستكتفي بالشقّ التقني الذي يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، أم ستتطرق إلى الشقّ الجيوسياسي لموقع ودور إيران الإقليمي والدولي.

تقديم:

على نحو مخالف لأجواء التوتّر والتصعيد التي تبادلتها واشنطن وطهران عشيّة انعقاد الجلسة الثانية من المفاوضات، خرجت الجلسة التي عقدت في روما بأجواء إيجابية متفائلة اعتبرها الطرفان بناءة يمكن اعتمادها، عبر اجتماع يضم الخبراء التقنيين، للعبور نحو الجلسة الثالثة. تبدّد هذه الأجواء ما سرّبته تقارير عن استعدادات إسرائيلية وأمريكية للجوء إلى الخيار العسكري، وتُرجّح ما أعلنه الرئيس الأميركي عن إعطاء الفرصة للدبلوماسية. تضاربت التوقعات بشأن المسار التقني لهدف التفاوض وتناقضه مع هدف جيوسياسي ما زال ضبابيا في أجندة واشنطن حيال مستقبل موقع إيران على الخرائط الجيوسياسية.

خيار روما:

عقدت إيران والولايات المتحدة في 19 أبريل 2025 جلسة ثانية من المفاوضات بشأن البرنامج النووي في العاصمة الإيطالية روما. وتأتي هذه الجلسة بعد تضارب أنباء منذ انتهاء الجلسة الأولى في العاصمة العمانية مسقط، في 12 من نفس الشهر، بشأن مكان الجلسة الثانية. وفيما أشاعت بعض منابر طهران احتمال أن تعقد الجلسة في فيينا، لكونها مقرا للمنظمة الدولية للطاقة الذرية، ما قد يستدعي انخراط هذه المنظمة في المفاوضات، فإن تردّدا حصل بشأن انعقاد الجلسة في روما إلى أن تمّ تأكيد ذلك. ولم يصدر أي تبرير رسمي بشأن أسباب اختيار روما وحسابات ذلك. غير أن بعض التحليلات أثارت الاحتمالات التالية:
1- إجراء بعض جلسات التفاوض في أوروبا يمنح المفاوضات بعداً أوسع من ثنائيتها الإيرانية الأميركية، ويخفف من وقع إقصاء الأوروبيين، لا سيما الدول الموقعة على “اتفاق فيينا” لعام 2015 (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا). وقد تواكب قرار نقل الجلسة إلى أوروبا مع زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى باريس لحضور جلسة أوروبية أوكرانية أميركية بشأن الحرب في أوكرانيا، حثّ فيها، على هامش الحدث، الأوروبيين على فرض العقوبات على إيران وإطلاق “آلية الزناد” التي تعيد فرض العقوبات على إيران من قبل مجلس الأمن الدولي.
2- إجراء الجلسة الثانية في إيطاليا بهدف وفق حسابات الولايات المتحدة إلى أن يكون هناك عناوين أخرى في أوروبا تهتم لها واشنطن غير الدول الأساسية الكبرى المهيمنة: فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
3- تهتم واشنطن بإرضاء إيطاليا التي لطالما أبدت امتعاضا من تهميشها ومن استبعادها عن المحادثات النووية السابقة مع إيران واختيار ألمانيا عضوا سادسا دوليا يضاف إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
4- يعبّر الأمر عن رغبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ترجيح كفّة رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، التي يعتبرها صديقة وحليفة له داخل الاتحاد الأوروبي على منوال رئيس الحكومة الهنغاري، فيكتور أوربان. وتنتمي الشخصيتان إلى اليمن الأوروبي المحافظ المتوائم مع الوعاء السياسي والأيديولوجي لترامب. كانت ميلوني الزعيمة الأوروبية الوحيدة التي حضرت حفل تنصيب ترامب رئيسا في 20 يناير 2024. وقد جرى اتخاذ قرار عقد الجلسة في روما فيما كانت ميلوني تزور واشنطن ويقوم نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، بزيارة إلى العاصمة الإيطالية.

المدخل التصعيدي للجلسة الثانية:

سبق عقد الجلسة الثانية من المفاوضات تصعيد في مواقف الطرفين، لا سيما الولايات المتحدة، بحيث خرج الموفد الرئاسي، ستيف ويتكوف بتصريحات تنقلب على تصريحاته السابقة التي كانت تدعو إلى انضباط البرنامج النووي تحت سقف معايير محددة لتخصيب اليورانيوم سبق أن حددها “اتفاق فيينا”. فقد أكد ويتكوف، في 14 أبريل، أن الاتفاق النووي الجديد بشروط الولايات المتحدة” يعني تفكيك برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني”، بما يقترب من مواقف أميركية أخرى دعت إلى تفكيك البرنامج النووي وفق” نموذج ليبيا” التي تمّ تفكيك برنامجها النووي عام 2003.
وقد سبق هذا الموقف أنباء نشرها الإعلام الأميركي تحدثت عن “اجتماع أزمة” عقد في البيت الأبيض حضره كافة أركان الإدارة المعنيين بملف إيران مثل وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ورؤساء أجهزة المخابرات والمبعوث الرئاسي إلى المفاوضات. وقد رفعت واشنطن بناء على هذا الاجتماع من لهجتها ومستوى مطالبها من إيران، وسط تسريبات تحدثت عن انقسام بين أركان الإدارة بين الذهاب إلى خيار عسكري أو التعويل على الخيار الدبلوماسي.
وبينما أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أثناء زيارة له إلى موسكو، في 18 أبريل، أن إيران تعتقد أن التوصل إلى اتفاق بشأن “أمر ممكن إذا تحلت واشنطن بالواقعية”، أعادت طهران في مواقف وتصريحات التذكير بالخطوط الحمر التي حددها المرشد الأعلى، علي خامنئي، لجهة حصرية التفاوض بشأن البرنامج النووي والتقيّد بالخطوط الحمر التالية:
1- عدم تناول ملف إيران للصواريخ الباليستية واعتباره حقّا من حقوق الدفاع الشرعي عن البلاد.
2- عدم فتح ملف السياسة الخارجية لإيران في الشرق الأوسط، أي ما يتعلق بنفوذ إيران في المنطقة وعلاقاتها مع الفصائل المنضوية داخل “محور المقاومة” في بلدان المنطقة.
3- التمسك بالسيادة على تخصيب اليورانيوم في إيران.
4- عدم تسليم المخزون من اليورانيوم المخصب بنسب 20 و60 بالمئة والذي يقدر بـ 275 كلغراما إلى أية جهة خارجية.

تواكب التأكيد على الخطوط الحمر مع مواقف صدرت عن منابر عسكرية، لا سيما تلك التابعة للحرس الثوري، تؤكد على الجهوزية لصدّ أي هجوم عسكري أميركي أو إسرائيلي، والتهديد بالقدرة على إنزال خسائر بالمقرات والبنى التحتية المهاجمة، وتهديد استقرار المنطقة والممرات المائية، ما من شأنه إشعال أزمة دولية.
ولم يغب العامل الإسرائيلي عن مقدمات تحضير الأجواء لجلسة روما، لجهة الإعلان عن خطط إسرائيلية لتوجيه ضربات إلى البرنامج النووي، تمّ النفيّ لاحقا أنها ستجري من دون التنسيق مع الولايات المتحدة. كما أن وفدا إسرائيليا ضم وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد” ديفيد بارنيع التقوا سراً في باريس بالمبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، عشية انعقاد جلسة روما، بهدف “إبلاغ واشنطن محاذير وهواجس إسرائيل” من أي اتفاق مع إيران. وقد دخل العامل الإسرائيلي أيضا في تقارير نشرتها الصحافة الأميركية عن تخلي ترامب عن هجوم عسكري بمشاركة إسرائيلية كان سيشنّ في مايو 2025، مفضلا إعطاء فرصة للمفاوضات الدبلوماسية.

أعراض الإيجابية وأسبابها:

على الرغم من الأجواء التحضيرية المشحونة التي ظهرت خلال الأسبوع الفاصل بين جلستي مسقط وروما، إلا أن أجواء المفاوضات، التي استمرت رسميا غير مباشرة، والتي عقدت في مقر سفارة سلطنة عمان في روما بوساطة تولاها وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي،، خرجت بخلاصات معاكسة. وقد تعمّد الطرف الإيراني أن يسارع بالتعبير عن إيجابية سادت الإجتماع وعن مفاوضات بناءة، وفق وصف رئيس الوفد الإيراني المفاوض، وزير الخارجية عباس عراقجي. ولم تخرج البيانات الصادرة عن واشنطن عن سردية الإيجابية والتفاؤل والمحادثات البناءة.
وفيما لم تتوفّر للرأي العام معلومات مفصّلة عما دار في هذا اللقاء والحيثيات التي بنيت عليها تلك الإيجابية، فإنه تقرر عقد محادثات تضم الخبراء من الطرفين في 23 أبريل تجري في مسقط.
وأمكن وفق المتوفّر من معطيّات وخلفيات التوقف عند الملاحظات التالية:
1- تعني أجواء التفاؤل بالنسبة للوفد الإيراني أن المفاوضات لم تتطرق إلى ملفات لا تتعلق بالبرنامج النووي بما يلبي شروط طهران في هذا الصدد.
2- تعني الإيجابية التي وصف فيها الطرف الأميركي اللقاء بأن إيران وافقت مبدئيا على الاستجابة للمطالب المتعلقة بالبرنامج النووي لجهة الاستعداد لمناقشة القيود التقنية التي من شأنها التحقق من سلمية البرنامج النووي.
3- تشير التقديرات إلى خلو أجواء اللقاء من سيناريوهات “تفكيك” البرنامج النووي التي تطالب بها إسرائيل ولوحت بتبنيها مواقف صادرة عن أركان الإدارة في واشنطن.
4- ترجّح تحليلات قبول الوفد الأميركي مناقشة مبدأ رفع العقوبات عن إيران وهو هدف إيراني أساسي للانخراط بهذه المفاوضات.
5- تتساءل مراجع سياسية أميركية مراقبة عن الكيفية التي سيسوّق بها ترامب أي اتفاق جديد مع إيران يفرض عليها العودة إلى نسبة تخصيب لليورانيوم لا تتجاوز 3.67 بالمئة التي ينصّ عليها اتفاق فيينا الذي انسحب منه ترامب نفسه عام 2018 واعتبره سيئا.
6- ترى هذه المراجع أن إعلان طهران عن أن المرشد وافق على دخول استثمارات أميركية إلى إيران تتراوح قيمتها ما بين 1 و 4 تريليون دولار قد يكون المفتاح الذي تسلمه إيران لترامب لتبرير الانخراط في اتفاق جديد.
7- رغم أجواء جلسة روما الإيجابية، إلا أن المراقبين يذكّرون أن الجلسة الأولى في مسقط انتهت بانطباعات إيجابية أيضا ما لم يمنع من تبادل الإشارات والمواقف السلبية والتهديدات بعد أيام.

خلاصة واستنتاجات:

** يوحي قرار عقد الجلسة الثانية للمفاوضات الأميركية الإيرانية في روما، عن ميل إلى توسيع الانطباع بحضور أوروبي في بناء اتفاق جديد مع إيران، يأخذ حاليا شكلا ثنائي الإعداد ويجري حصريا بين واشنطن وطهران.
** يّرجّح أن إيران وافقت على خيار أميركي يسعى إلى تعزيز مكانة إيطاليا في الاتحاد الأوروبي وتعزيز زعامة جورجيا ميلوني حليفة ترامب في إيطاليا وبين الزعماء الأوروبيين.
** خرجت جلسة روما بأجواء تفاؤل وإيجابية تتناقض مع حملة التصعيد التي أطلقها الطرفان قبل أيام من موعد الجلسة.
** يخالف التقييم الإيراني الذي اعتبر الجلسة بناءة مواقف أميركية متعددة، خصوصا تلك التي صدرت عشية الجلسة عن رئيس الوفد الأميركي من ميل نحو اعتماد خيار “تفكيك” البرنامج النووي.
** تخالف أجواء جلسة روما ما صدر عن إسرائيل والولايات المتحدة من خيارات عسكرية، وتعزّز ما كان ترامب أعلن عنه من ترجيح للحل الدبلوماسي وأنه غير مستعجل لتبني الخيارات القصوى البديلة.
** يعتقد أن تفاؤل إيران مبنىّ على عدم تطرّق المفاوض الأميركي لملفات تتجاوز الملف النووي وهو ما يفسر الاتفاق على عقد جلسة يحضرها الخبراء التقنيون من الطرفين.
**رغم الانطباع الإيجابي الذي خرج به الطرفان، يذكّر مراقبون بالانطباع الإيجابي لجلسة مسقط الأولى الذي لم يمنع تدحرج الأمور بعد ذلك إلى التصعيد والتهديد المتبادل.
**يرى مراقبون أن مصير المفاوضات يرتبط بما إذا كانت تقنيةً تتعلق بمعايير منع إيران من صناعة قنبلة نووية، أو أنها سياسية وجيوسياسية تتعلق بمكان ودور إيران في الساحتين الإقليمية والدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.