المشهد الإسرائيلي الاسبوعي 5 آب/اغسطس 2024
أمير مخول، المحرر الرئيس لوحدة الشؤون الإسرائيلية، مركز تقدم للسياسات
1. تخفيض التصنيف الائتماني وعدم استقرار مالي واقتصادي
– نشرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تحديثا خاصا للمستثمرين مساء الخميس 1 اب/اغسطس حذرت فيه من زيادة مخاطر التصعيد الأمني ، على خلفية الاغتيالات في بيروت وطهران هذا الأسبوع. وعلى خلفية الخوف من رد فعل واسع النطاق ضد إسرائيل. وتقول الشركة إن هذه المخاطر متأصلة في التوقعات السلبية لخفض التصنيف من قبل الشركة.
– سبق للشركة ان قامت بالفعل بتخفيض تصنيف إسرائيل في أبريل إلى A+، قبل بضعة اشهر وحصريا في نيسان ابريل في اعقاب الهرد الايراني بالمسيرات والصواريخ على استهداف اسرائيل لقنصلية الاخير في سوريا. اشارت الشركة في حينه الى تقديرات سلبية نحو تخفيض اخر في تحول الحرب على غزة الى حرب اقليمية، بينما تشير تقديرات الشركة الى ان احتمالية التصعيد الاقليمي آخذة في الازدياد.
– تؤكد الشركة أنه من المستحيل حاليا تقييم تداعيات التصعيد الأمني على الأداء الاقتصادي والمالي وميزان المدفوعات في إسرائيل. ومع ذلك ، تقول شركة التصنيف إنه في حالة حدوث تصعيد. بينما تقدر شركة التصنيف ووفقا لصحيفة يسرائيل هيوم بأن عمليات الاغتيال ضد قادة في حماس وحزب الله تضع اسرائيل في خانة الخطر “أمنيا واقتصاديا واجتماعيا”.
– بالمقابل تشهد اسرائيل هجرة داخلية للمنشئات والمصالح الاقتصادية من شمال البلاد اضافة الى اغلاقات كبيرة للمصالح ناهيك عن كساد الموسم الزراعي وهي منطقة اساسية في سلة الخضار والغذاء الاسرائيلية وفي المواشي. كما صدرت اوامر لمعظم الصناعات التي تعتمد على مخازن من الغازات والمواد المشتعلة الى التخلص من محتوياتها تحسبا لمواجهة عسكرية.
– لا توجد لحد الان معطيات احصائية عن عدد المنشئات والمصانع والمصالح الخاصة التي تم اغلاقها، لكنها باتت حديث الشارع وحصريا النازحين من الشمال الى وسط البلاد، وكذلك لاندثار موسم السياحة في هذه المناطق اضافة الى الغاء افتتاح السنة الدراسية فيها في الاول من ايلول سبتمبر مما يعني تخول النزوح الى حالى مستدامة.
– تشهد اسرائيل انهيارا في اسواق المال وذلك في اعقاب الاغتيالات والتصعيد الحربي، ووصلت الانهيارات الى بورصة تل ابيب، وتؤثر مباشرة على استثمارات شركات كبرى مثل “انتيل” التي تتقلص في اسرائيل، كما بلغت التراجعات في عدد من الاسهم نحو 11%، اضافة الى ارتفاع سعر الدولار مقابل الشيكل بنحو 40 أغورة من 3.4 الى 3.81 شيكل للدولار، مما يعني ارتفاعا حادا وتضخما ماليا وركودا اقتصاديا.
– في المقابل يخلق تعطيل اسرائيل لخدمات نظام التموضع العالمي GPS حالة من القلق وعدم الثقة بالحكومة ومؤسسات الدولة ويرفع من منسوب القلق، اضافة الى عدم الثقة بالاقتصاد ولا بالحكومة في ادارة الحرب، التي تتسع دون توقف.
للخلاصة:
• رغما عن اعتبار الاقتصاد الاسرائيلي قويا وفي صعود متواصل، الا انه على مفترق طرق تاريخي نتيجية للحرب سواء في مستواها الحالي ام في حال اتساع نطاقها.
• يتهدد الاقتصاد الاسرائيلي حالة انكماش وعجز مالي هائل سينعكس في ميزانية العام 2025، وحيث يتهم المستوى المهني في وزارة المالية الوزير سموتريتش بألمسؤولية عن ان اسرائيل غير جاهزة لبلورة ميزانية متلائمة مع حالة الحرب المعني في توسيعها وتعميقها.
• يعتبر الاقتصاد من اهم اركان الامن القومي وهو في تراجع مستدام بمستوييه المالي والاقتصادي، ويتهدد الركود المصحوب بالتضخم المالي والانكماش معا، ونتيجة له قد تشهد اسرائيل عزوفا للشركات العالمية المستثمرة وحصريا في صناعات الهايتك التي تعتبر محرك الاقتصاد الاسرائيلي وقاطرته الدافعة.
• معظم التقديرات تشير الى الدعم المالي الامريكي التعويضي، الا انه من الصعوبة بمكان ان يضمن هذا الدعم اعادة الاقتصاد الاسرائيلي الى وتيرة نموه في المدى المنظور
• من المتوقع ان يدفع تدهور الوضع الاقتصادي والمالي الى تسارع هجرة الطبقات الوسطي والمقتدرين الاسرائيليين.
2. هل تخطط اسرائيل لضربة استباقية في لبنان
–
– تسعى اسرائيل الى تثبيت معادلة “التفوق الرادع” التي سعت الى بنائها في استهدافاتها في الضاحية في بيروت وفي طهران ومن قبل في الحديدة وفي غزة. تقوم بذلك باستعدادات عسكرية بأعلى درجات التأهب، وكذلك بضمان الغطاء الحربي الامريكي في حال استعار الحرب بمستوى اقليمي وليس بالضرورة ان تتسع في هذه المرحلة وانما نتيجة ضربات وضربات مضادة. كما وتعتقد انها في حال تجاوزت ردا قاسيا من ايران او حزب الله فانها بناء على تصوراتها تكون قد ثبتت الحالة الجديدة التي نشأت في الاغتيالات.
– الموقف الامريكي الحالي والاسناد الحربي الحقيقي يجعل حكومة نتنياهو امام متسع من الخيارات وبقناعة بأن الولايات المتحدة باتت متورطة في اية حرب اقليمية شاملة قد تحدث. كما ترى ان الاسناد الامريكي الحربي هو فرصة مؤاتية لفتح الجيهة الشمالية باسناد امريكي يحول دون تدخل ايراني وفي حال تدخلت الاخيرة ستكون مرافقها الاستراتيجية النووية والعسكرية والنفطية مستهدفة.
– الاستراتيجية الاسرائيلية هي في طبيعتها هجومية عدوانية تسعى الى حرب استباقية إن استطاعت، وتعتبر ان حروبها الحالية وحصريا منذ السابع من اكتوبر 2023 تشكل خطرا وجوديا وفي حالة حرب وجودية، وتسعى الى: تفكيك وحدة الساحات وفصل الرابط بين وقف النار في اطار صفقة مع غزة عن التعاطي مع الجبهة الشمالية؛ والى توجيه الضربات الى كل جبهة على حدة باستهداف مقومات قوتها وتصفية قدراتها وقياداتها العسكرية والسياسية ، والسعي الى تسديد ضربة للمنشئات الاستراتيجية الايرانية بكونها “راس الاخطبوط”، اعداد جبهتها الداخلية للحرب؛ ويعني ذلك ارجاء البت في الصفقة اتباعا لمبدأ أن الضغط العسكري المكثف على حماس (على غزة) سيحسن شروط الصفقة؛ ضمان تفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لحماس.
– اعتبار الحرب مع حزب الله هي الجبهة الاكثر جدية، والحرب الشاملة واقعة لا محالة فهل القرار هو التعجيل بها ام ارجائها الى ما بعد الصفقة ولو جزئيا والاستعداد الافضل لها لكونها ستقوم وفقا لتقديراتها باجتياح لبنان بريا، بعد الضربات الجوية ومن البحر، بينما الجبهة الداخلية في اسرائيل ستكون مستهدفة بكل جغرافيتها ناهيك عن المرافق الاستراتيجية في البر والبحر. اسرائيل معنية لو استطاعت بالقضاء على الاستراتيجية الايرانية القائمة على “الصبر الاستراتيجي”، وهي قائمة ايرانيا على استكمال ايران لبنيتها الاقتصادية والعسكرية والامن القومي بما يجعلها دولة
– هناك جدل داخلي بصدد هل تبدأ استراتيجية اسرائيل بتفكيك وحدة الجبهات من “رأس الاخطبوط” ام خطوة بخطوة ولأمد طويل لا يمكن ان ينحصر بالخيار العسكري. وهل تكون على استعداد لدفع ثمن التهدئة المستدامة اقليميا بقيام دولة فلسطينية؟ لا تبدو قوى اسرائيلية حاكمة او تصبو الى الحكم قادرة على دفع هذا الصمن او معنية بدفعه من توفير باب الامن القومي طويل الأمد
– تفتقر اسرائيل الى اي افق سياسي، وهذه مسألة باتت في العقدين الاخيرين بنيوية اكثر منها سياسية حزبية فحسب، استراتيجية منع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع تجعلها تعتمد استراتيجيات “ادارة الصراع” و “المعركة بين الحروب” و”تقليص الصراع” وكذلك الاستراتيجية الامريكية “التحالف الابراهامي” المستند الى التطبيع وحرف محورية الصراعات الاقليمية عن فلسطين. لكن اسرائيل ذاتها قد تقبل بحل سياسي نتيجة مفاوضات وجهود دبلوماسية مع لبنان، ويعود ذلك الى توازنات القوى ومعادلة الردع والثمن نتيجة للحل العسكري.
للخلاصة:
• امكانيات تدحرج الامور نحو حرب اقليمية شاملة تكون جبهتها المركزية بين اسرائيل وحزب الله هي قائمة كما لم تكن يوما.
• تراهن اسرائيل على ضمان غطاء حربي امريكي
• قد تلجأ الى خلق الانطباع بأنها تفاوض لابرام الصفقة في غزة، لكن لن تقبل بهدوء الجبهة الشمالية في حال حدث ذلك.
• احتمالات الحرب الشاملة وحصريا على الجبهة الشمالية واردة كما لم تكن يوما منذ بداية الحرب، الا ان استبعادها لا يزال قائما فعليا. اذ ان معادلة الردع المتبادل لا تزال قائمة وبقوة.
3. الناطق الرسمي الجديد والتوجه الميسياني الغيبي لدى نتنياهو
قرر نتنياهو تعيين عومر دوستري ناطقا رسميا باسم رئيس الحكومة. دوستري هو خريج جامعة ارئيل ومن دعاة الترانفسير والتطهير العرقي واعادة استيطان غزة معاد لحركات الاحتجاج ولحراك عائلات الاسرى والمحتجزين ويعتبر ادارة بايدن معادية، مناويء لقيادة اركان الجيش ويطالبها بالتنحي، من نجوم القنال14 اليمينة والاكثر مشاهدة في اسرائيل وفي القنال7 الصهيودينية.
في المقابل فإن نتنياهو اليوم يتمتع بذروة قوته السياسية منذ السابع من اكتوبر، وبات في اقوى لحظاته خلال الحرب، وهو معني كما يبدو باستغلال هذه الوضعية على أتم وجه في تنفيذ مآربه وكي يعزز حكمه ويقود اسرائيل وفقا لرؤيته الشخصية بعيدا عن المفهوم المؤسساتي.
قراءة:
– من غير الدقة اعتماد التقدير بأن سلوكيات ومواقف نتنياهو ناتجة عن كونه “رهينة لدى سموتريتش وبن غفير”، الاثنان ليسا معارضة لنتنياهو بل ملحقان به اكثر مما هو ملحق بهما، ولا يخرجان عن سقف سياساته.
– هناك تحول لدى نتنياهو نحو الفكر الغيبي القائم على القدرة على حسم كل التحديات بالقوة، ومن مؤشرات ذلك هو “جنون العظمة” الذي ميز خطابه امام الكونغرس واعتبار نفسه بقيادته اسرائيل حامي العالم “المتحضر” و”قوى النور مقابل محور الشر”. كما انعكس الامر فيما اطلق عليه جلسة الصراخ يوم الاربعاء 31/7 والتي صرخ خلالها في أوجه قادة الاجهزة الامنية بأن “إضغطو [عسكريا] على السنوار وليس على رئيس حكومة اسرائيل”، كل ذلك بالاضافة الى دفع الامور نحو حرب اقليمية بقرار تصفية اسماعيل هنية وفي طهران.
– في رده على الانتقادات الموجهة له في اعقاب اقتحام الميليشيات بقيادة وزراء واعضاء كنيست لمعسكر الاعتقال والتعذيب حتى الموت “سديه تيمان”، اكد نتنياهو بأنه “لا يجوز اقتحام معسكرات الجيش، لكن ايضا ممنوع انفاد القانون بشكل انتقائي يتيح للمتظاهرين باغلاق شارع كابلان” في اشارة الى مظاهرات عائلات الاسرى والمتجزين في مركز تل ابيب.
– التأكيدات الصادرة عن نتنياهو ومقربيه بقراره تنحية كل من وزير الامن غالنت، ورئيس الاركان هليفي ورئيس الشاباك بار، هي مؤشرات لحسم قراره بتغيير هوية الجيش والمنظومة الامنية وحصريا الشاباك باتجاه المنحى العقائدي الاكثر يمينية والذي يشكل انقلابا جوهريا على التوجه الرسمي المعتمد اسرائيليا منذ سبعة عقود.
– تسريب اجواء محادثة بايدن نتنياهو الهاتفية في اعقاب تصفية عمليتي طهران والضاحية، والتأكيد باسم بايدن بأن نتنياهو “يكذب” بصدد الصفقة، فيه ايضا تأكيد على العداوة المتدحرجة بين الشخصين رغم انها لن تؤثر على مساندة الولايات المتحدة الحربية لاسرائيل في حال اندلاع مواجهة اقليمية.
– نتنياهو في المرحلة الراهنة من حكمه الطويل هو الاكثر خطورة، وإن كان يتميز سابقا بالحذر والتحفظ من الحروب المواجهات العسكرية فقد انتقل الى حقبة المغامرة والمقامرة بمستقبل اسرائيل كما يتهمه مسؤولو الاجهزة الامنية.
للخلاصة:
• تعيين دوستري ناطقا باسم رئيس الوزراء هو تأكيد بأن ما يحصل مع نتنياهو هو ليس بضغوطات اعضاء الائتلاف، وإنما يشهد تحولا متسارعا وبمنحى ثابت نحو الغيبية الميسيانية الاكثر خطورة في تاريخ نتنياهو، والتي تجعل احتمالات المغامرات الحربية اكثر من اي وقت مضى في تاريخ نتنياهو.
• انه تأكيد على موقف نتنياهو الحقيقي من الصفقة، والتي إذا اضطر لابرامها فمعظم الاحتمالات تشير الى عدم اتمامها بل والاعلان بمبادرته عن انتخابات مبكرة للكنيست وذلك بعد تنفيذ المرحلة الاولى منها ومعرفة هوية الرئيس الامريكي المنتخب.
• التحول الحاصل لدى نتنياهو نحو المسيانية والغيبية السياسية هو ليس حصرا به، بل يمثل تحولا عميقا في الراي العام الاسرائيلي ولا يمكن حصره بالتحول اللحظي العابر في المدى المنظور.
• فلسطينيا وعربيا واوروبيا، لا يمكن انتظار اي أفق لنهاية الحرب على غزة يأتي من اسرائيل.
4. “اسرائيل لن تختفي لكنها تتفكك”
تحت هذا العنوان كتب المحلل الرصين حاييم لفنسون، مؤكد ان اسرائيل لن تختفي لكنها فعلا تتفكك، كما يدب الهوان في الجسم، الاقتصاد ينكمش، وجودة الحياة في هبوط، المصالح الاقتصادية بعيدة عن الانتعاش، المقاهي خاوية وكذلك الحياة الثقافية،.. دولة بلا روح سيتركها خيرة ابنائها، وفقا لليفنسون.
قراءة:
– تكثر القراءات الاسرائيلية التي تتمحور في التحولات الحاصلة في اسرائيل وفي الذهينة الحاكمة والشعبية. وتشير معظمها الى ان التحولات نحو الحلول القصوى تجاه الفلسطينيين هي سيدة الموقف. صحيح ان اسرائيل باتت أضعف استراتيجياً، وقد بدا هذا المنحى جلياً قبل الحرب وخلال الانقلاب القضائي وتحذيرات الامن القومي، وتسارع منذ السابع من تشرين/اكتوبر، الا ان ما يحدث هو انحلال المنظومات واعادة بنائها على اسس جديدة اكثر عقائدية بما يتماشى مع عقيدة اقصى اليمين التي يقودها نتنياهو، وهذا لا يعني “نهاية اسرائيل” كما يجري تكراره في الاشهر الاخيرة.
– تفكك منظومات الدولة هو البنية الصلبة التي يقوم عليها نظام عدواني دموي وحتى فاشي، وهو يعني استهداف الفلسطينيين وجوديا في غزة واينما كانوا دونما اي رادع قانوني او منظوماتي او اجرائي. واعتبار اي اجراء منافي للتوجه او يتحفظ عليه بمثابة “خيانة” كما حدث في اقتحام الميليشيات لمعسكر الاعتقال سديه تيمان، في مواجهة اجراءات الجيش الهادفة اساسا الى سد الطريق امام تدخل محكمة الجنايات الدولية وتحت مسمى استكامل الاجراءات القضائية الاسرائيلية بحق من قاموا بالاعتداء جنسيا على معتقل فلسطيني من غزة وذلك حماية للجناة من اية مذكرة اعتقال دولية.
للخلاصة:
• من الاهمية فلسطينيا وعربيا عدم الوقوع في وهم الفرق بين تفكك المنظومات وانهيار الدولة.
• تفكك المنظومات يعني تحول اسرائيل الى دولة ميليشيات دموية وتحول الجيش والشاباك كما الشرطة حاليا، الى ادوات سياسية في خدمة الوزير المسؤول.
• المخاطر على الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة والداخل تتعاظم