القمة العربية لإسلامية وتحولات سعودية لافتة. 

رئيس الأركان السعودي في طهران: المعاني والدلالات
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: سلّط المراقبون الضوء على ما ورد في كلمة وليّ العهد السعودي، في القمّة العربية الإسلامية في الرياض، من طلب إلى المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل باحترام سيادة إيران. كما جادلوا في دلالات الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان السعودي إلى إيران والمناورات البحرية التي شاركت بها السعودية وإيران قبل ذلك. تتراكم هذه الإشارات عشية تولي دونالد ترامب الرئاسة في بلاده مع ما يمكن أن يشكّل الأمر من موجة تشدد ضد طهران.
نقرأ الإشارات السعودية من خلال رصد للمفاصل المعطيّات والتحليلات التالية:
– في 11 نوفمبر 2024، دعا وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في كلمته خلال القّمة العربية الإسلامية غير العادية التي عقدت في الرياض إلى “إلزام إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وعدم الاعتداء على أراضيها”.
– جاء الموقف المتعلّق بإيران جزءا من سياق شنّ فيه الأمير محمد هجوما على “الاعتداءات الإسرائيلية الآثمة” و”الإبادة الجماعية” بحق المدنيين في الأراضي الفلسطينية، واتساع نطاق تلك الاعتداءات على لبنان”.
– في 10 نوفمبر 2024، أي عشية القمّة، تلقى ولي العهد السعودي اتصالًا هاتفيا من الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الذي أشاد بمبادرة المملكة للدعوة إلى “قمة متابعة عربية إسلاميةٍ مشتركة لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والجمهورية اللبنانية، متمنيًا للقمة النجاح والتوفيق”. وفي السياق، نقلت وكالة “إرنا” الإيرانية عن بزشكيان قوله إن “كثافة الشؤون التنفيذية في البلاد حالت بينه وبين تلبية دعوة الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في القمة، وأن النائب الأول له الدكتور محمد رضا عارف سيشارك في هذه القمة”.
– في 10 نوفمبر 2024 أيضا، التقى رئيس هيئة أركان الجيش السعودي الفريق أول فياض بن حامد الرويلي مسؤولين إيرانيين في طهران، في إطار زيارة نادرة لضابط عسكري سعودي كبير إلى إيران. قالت وكالة “إرنا” إن الرويلي تحدث مع نظيره اللواء محمد باقري في مقر القوات المسلحة الإيرانية، وأضافت أن “تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي من بين المواضيع الرئيسية لهذا الاجتماع”. وخلال هذا اللقاء، أكد اللواء باقري “زيادة مستوى التعاون في مجالات الدفاع” بين البلدين،
– في 24 اكتوبر 2024، أعلن المتحدّث باسم وزارة الدفاع في السعودية أن “القوات البحرية الملكية السعودية أجرت أخيراً مناورة بحرية مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية، إلى جانب دول أخرى، في بحر العرب”، من دون أن يوضح متى تحديداً جرت هذه التدريبات. وكان قائد بحرية الجيش الإيراني، العميد شهرام إيراني، كشف أن السعودية اقترحت على إيران إجراء مناورات بحرية مركبة مشتركة في البحر الأحمر أيضا .
– يعتبر مراقبون بأن تصريحات وليّ العهد السعودي المدافعة عن سيادة إيران، وزيارة رئيس هيئة الأركان الجيش السعودي إلى طهران، هي من المفاعيل “الطبيعية لاتفاق بكين المبرم بين البلدين برعاية الصين في 10 مارس 2023.
– غير أن بعض التحليلات تضع هذه الإشارات في معرض استراتيجية سعودية بتصفير المشاكل مع إيران، وتطوير التفاهمات معها، والاستمرار في نأي المملكة بنفسها عن أي سياساتها أو خطط إسرائيلية غربية تستهدف إيران أو مصالحها في المنطقة.
– تضيف هذه التحليلات أن السعودية والإمارات رفضتا الانضمام إلى أي تحالفات بحرية في البحر الأحمر ضد الحوثيين، كما رفضتا وباقي دول الخليج تقديم مطاراتها أية تسهيلات لمقاتلات غربية تنطلق لضرب أهداف لإيران أو ميليشياتها التابعة في المنطقة.
– ترى هذه التحليلات أن اتفاق بكين صمد رغم ما تعرّضت له المنطقة منذ حرب غزّة، وانسحبت حالة انفراج من كافة فصائل إيران التابعة التي درجت قبل ذلك على مهاجمة السعودية إعلاميا وتهديد أمنها. كما أن الرياض ماضية في سياسة الانفتاح والإيجابية التي من شأنها أن تتيح للرياض لعب دور مطمئِن لطهران ووسيط لتخفيف التوتّر في المنطقة.
– يلفت باحثون إلى أن “اقتراح” السعودية على إيران إجراء المشاركة في مناورات بحرية يلتقي مع دعوات إيرانية سابقة لإقامة تنسيق أمني يرقى يوما إلى مستوى إقامة منظومة دفاع إقليمي تشمل كافة دول المنطقة.
– يشير مراقبون إلى أن الموقف السعودي الثابت المناصر للقضية الفلسطينية لدرجة قيادتها لـ “تحالف دولي لتنفيذ حلّ الدولتين” يوفّر أرضية سياسية مشتركة في المنطقة، تتوجت بعقد القمة العربية الإسلامية، للتعبير عن موقف واحد تعبّر عنه كافة دول المنطقة، بما فيها السعودية وإيران، بشأن التنديد بحروب إسرائيل في المنطقة.
– يشير خبراء في شؤون الخليج إلى أن الإشارات السعودية بشأن إيران موجّهة أيضا إلى إسرائيل والولايات المتحدة، ومفادها عدم تغطية السعودية ودول الخليج والمنطقة أي توسيع للحرب الإسرائيلية تطال إيران، وعدم دعم الجهود العسكرية الأميركية، بما في ذلك إرسال قدرات عسكرية أميركية إلى المنطقة، استعدادا أو تحسبا لذلك.
– يشيرون أيضا إلى أن الإشارات تشمل الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، لجهة التأكيد بعدم التعويل على المملكة حليفا آليا لخياراته المحتملة حيال طهران، وتأكيد استقلالية الاستراتيجية السعودية في سياساتها الإقليمية، كما تمسّكها بتنوّع علاقاتها الدولية، بما في ذلك مع الصين وروسيا وإيران.
– بهذه الرسائل الواضحة من القيادة السعودية الاولى، يخلص مراقبون، إلى أن الرياض تخلّت بذلك عن أي ثقّة مطلقة بالولايات المتحدة، أيا كانت الإدارة التي تحكم في واشنطن، لضمان أمنها الاستراتيجي، وأنها تعتمد خياراتها الخاصة في الدفاع والأمن والدبلوماسية، مع التمسك بالعلاقات التاريخية التي تجمعها مع الولايات المتحدة.
خلاصة:
**تتّسق مواقف وليّ العهد برفض انتهاك إسرائيل للسيادة الإيرانية كما زيارة رئيس هيئة أركان الجيش السعودي إلى طهران وإجراء البلدين مناورات بحرية مشتركة مع روحية اتفاق بكين المبرّمة برعاية الصين في مارس 2023.
**تضخ الإشارات السعودية المنفتحة على إيران مستويات جديدة من الانفراج في علاقات المنطقة مع طهران وتشجيع تحوّلات سياسية إيرانية في هذا الاتجاه.
**تتكامل هذه الإشارات مع رفض السعودية وبلدان الخليج السماح بأية تسهيلات في مطاراتها لانطلاق مقاتلات أميركية لاستهداف مواقع لإيران أو ميليشياتها في المنطقة.
** يتّسق الموقف السعودي أيضا مع المواقف المعلنة ضد إسرائيل وانتهاكاتها، والرافضة لأي تطبيع من دون إقامة دولة فلسطينية، وقيادة تحالف دولي بهذا الاتجاه، وهو موقف يتوافق مع مواقف طهران.
**ترفض مواقف الرياض حيال طهران الخطط الإسرائيلية ضد إيران، لكنها تعطي إشارات غير حاضنة لأية سياسات تشدد معادية لإيران يمكن لترامب اتخاذها. وتهدئ إشارات الرياض أي شكوك لإيران في حال تم ابرام اتفاق أمني سعودي أميركي محتمل.
**تأخذ مواقف الرياض السعودية مسافة نهائية من حصرية العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتكشف عدم ثقتها بالخيار الأميركي كضامن للأمن الاستراتيجي للمملكة، وتمسّكها بتنوّع علاقاتها الدولية، لا سيما مع الصين وروسيا، واحترامها في العلاقة مع إيران لهذا النهج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.