قراءة حمزة علي، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
لا زالت الحرب المستمرة في غزة تتردد أصداؤها إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، حيث تشكل بشكل متزايد المشهد السياسي في المملكة المتحدة على وجه الخصوص. ما بدأ كنقطة اشتعال في السياسة الخارجية أصبح الآن قضية انتخابية محددة – قضية تعمل على تفتيت الولاءات الحزبية القديمة، وزعزعة معاقل حزب العمال، وبث روح جديدة في الأحزاب الصغيرة والحملات المستقلة.
في التفاصيل:
• الجمعة الماضية في 11 أبريل، تم الكشف عن هذا الاتجاه، عندما حقق حزب الخضر فوزًا ساحقًا في الانتخابات الفرعية في هارينغي بشمال لندن، وهي معقل تقليدي لحزب العمال داخل الدائرة البرلمانية لوزير الخارجية ديفيد لامي. حيث حصل مرشح حزب الخضر رويريده باتون على 55٪ من الأصوات، بينما تمكن حزب العمال من الحصول على 30٪ فقط – وهو انهيار ملحوظ لحزب كان يتمتع في السابق بالولاء شبه التلقائي في المنطقة.
• وقبل أيام قليلة، تعرّض حزب العمال لضربة مماثلة في شرق لندن، حيث هزمه مرشح مستقل مؤيد للفلسطينيين في انتخابات فرعية أخرى للمجلس المحلي. كانت رسالة الحملة المستقلة واضحة: إن تواطؤ حزب العمال الملحوظ في تسليح إسرائيل ودعمها في ظل استمرار حملتها العسكرية على غزة قد أبعد شرائح واسعة من قاعدته الانتخابية. ولم يُخفِ مدير حملة المرشح المستقل أي حرج بعد الفوز، قائلاً: “إن حزب العمال الذي لا يُبالي بتسليح إسرائيل ودعمها وهي ترتكب إبادة جماعية في غزة ليس حزب سلام ولا أممية”.
• تكشف هذه الهزائم المحلية المتتالية عن واقع سياسي متنامٍ يصعب تجاهله. فموقف حزب العمال من إسرائيل يُكلّفه أصواتًا، لا سيما في المناطق الحضرية ذات الدوائر الانتخابية النشطة والواعية سياسيًا والواعية. ومع اقتراب موعد انتخابات المجالس المحلية في الأول من مايو، يُشكّل هذا التحول تحديًا مُلحًا لحزب العمال، الذي لم يُدرك بعد حجم الضرر الذي لحق بسمعته بين مؤيديه المُحبطين.
• في غضون ذلك، سارع حزب الخضر إلى اغتنام الفرصة. أبدى قادة الحزب طموحهم بتحقيق عدد قياسي من أعضاء المجالس المحلية في الانتخابات المقبلة، مما قد يُمثل دورة نموهم الثامنة على التوالي. يرى حزب الخُضر نفسه ملاذًا طبيعيًا للناخبين المُحبطين، ليس فقط من موقف حزب العمال تجاه إسرائيل، بل أيضًا من الضيق والانحراف الأخلاقي الأوسع نطاقًا في السياسة البريطانية السائدة. وتستند مصداقية الحزب تجاه القضية الفلسطينية إلى موقفه الواضح والمبكر.
• في مؤتمره المنعقد في سبتمبر 2024، أصبح الخُضر أول حزب سياسي في إنجلترا وويلز يُقر رسميًا بسلوك الحكومة الإسرائيلية على أنه “فصل عنصري” و”إبادة جماعية” في آن واحد – وهي خطوة ميزته عن كل من حزب العمال والمحافظين، ولاقت صدىً قويًا لدى الناخبين الساعين إلى الوضوح الأخلاقي. ولا يقتصر الأمر على مجرد انتكاسات انتخابية فرعية معزولة، إذ تُشير استطلاعات الرأي الوطنية إلى أن التحول في المزاج العام أوسع انتشارًا. وتُظهر بيانات الاستطلاعات المتسقة أن الخُضر يتمتعون بارتفاع في الاهتمام العام. وفقًا لأحدث أرقام YouGov، إذ يقول واحد من كل خمسة بريطانيين (21%) الآن إنهم سيفكرون في التصويت لحزب الخضر في الانتخابات العامة المستقبلية – وهو موطئ قدم مهم لحزب كان يُنظر إليه في السابق على أنه لاعب هامشي.
• وصفت عضو القيادة المشتركة للحزب مؤخرًا المملكة المتحدة بأنها تقف عند “مفترق طرق” – حيث يتقارب عدم الاستقرار السياسي والإحباط العام والوضوح الأخلاقي لإعادة تشكيل المشهد السياسي. قد تكون فلسطين أوضح نقطة تغيير، لكن خيبة الأمل الكامنة أعمق، مستغلة مزاجًا أوسع من الرفض تجاه أحزاب المؤسسة والجوع إلى بدائل مبدئية.
• حتى في الأماكن التي لا يزال حزب العمال يسيطر عليها، فإن القضية تفرض تغييرًا ملموسًا. في مارس، ذكرت صحيفة التلغراف أن تسعة مجالس على الأقل يسيطر عليها حزب العمال صوتت على سحب استثماراتها من صناديق التقاعد لشركات الدفاع البريطانية المرتبطة بمبيعات الأسلحة لإسرائيل. جاءت هذه القرارات في تحد مباشر لزعيم الحزب، الذي شجع السلطات المحلية بنشاط على توجيه الاستثمار إلى قطاع الدفاع في المملكة المتحدة.
• تعكس هذه الخطوة جانبا مهما من الضغط الشعبي وحساسية الحزب المتزايدة تجاه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين داخل قاعدته التقليدية.
الخلاصة:
** لم تعد قضية فلسطين مقتصرة على النقاشات النخبوية، بل تعيد تشكيل الخريطة السياسية للمملكة المتحدة بشكل حاسم. تُظهر الهزائم الأخيرة في الانتخابات الفرعية وأرقام استطلاعات الرأي المتزايدة لصالح حزب الخضر أن الناخبين لا يراقبون السياسة الخارجية فحسب، بل هم أيضًا على استعداد متزايد تجسيدها في صناديق الاقتراع.
** موقف الخضر الواضح – وخاصة اعترافهم المبكر بأفعال إسرائيل على أنها “فصل عنصري” و “إبادة جماعية” وضعهم كبديل أخلاقي للتيار السياسي السائد في الحياة السياسية البريطانية.
** بالنسبة لحزب العمال، فإن التحدي واضح، ويتمثل في الفشل في التوفيق بين موقفه من حرب الابادة المستمرة في غزة والتوقعات الأخلاقية لقاعدته، الأمر الذي يهدد بتعميق أزمته وترك مجال أكبر للأحزاب المتمردة لإعادة تشكيل مستقبل السياسة البريطانية.