القرار 1701: الحيثيات والخفايا في الصراع الإقليمي-الدولي

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: قال المبعوث الرئاسي الأميركي، عاموس هوكستاين، في زيارته السابقة إلى لبنان إنه لن يتم تعديل قرار مجلس الأمن الرقم 1701، لكنه “لم يعد كافيا” ويحتاج إلى إجراءات جديدة لتنفيذه. بالمقابل تؤكد السلطات اللبنانية التزامها بتنفيذ القرار وقدرتها على ذلك. غير أن القرار يعاني من تضارب، حتى داخلي، في تفسيره، ومن شروط إسرائيلية بدت أنها لن تكون مقبولة في بيروت، ناهيك من جدل داخلي إقليمي بشأن مندرجات القرار والقرارات الأخرى المطلوب تنفيذها من داخله. فما هو القرار وما هي حيثياته وما هي تفسيراته؟
نعرض لإشكالية القرار من خلال قراءة للمعطيات التالية:
– صدر القرار 1701 في 11 أغسطس 2006 وقبلت به كافة الأطراف، فتوقفت الحرب بموجبه في 14 من الشهر نفسه، بعد أشهر على بدئها في 12 يونيو من نفس العام.
– ينص القرار على انسحاب كافة القوات العسكرية غير التابعة للجيش اللبناني بشكل كامل من جنوب نهر الليطاني، على أن يتولى أمن هذه المنطقة الجيش معزّزا بقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة.
– جرى لاحقا تأويل انسحاب قوات حزب الله بزوال المظاهر المسلحة، أي جعل السلاح مخفيا. وقد ارتضت حكومات بيروت غضّ النظر. فيما مرر المجتمع الدولي، وحتى إسرائيل، الأمر. وصارت اعتراضات حزب الله على عمل اليونيفيل واصطدامه معها تنفّذ على شكل إشكالات ينفذها “الأهالي”.
– يُفسر مراقبون غضّ الطرف هذا، بأنه كان جزءا من حالة تسامح مع مصالح إيران في إطار المفاوضات الخلفية، خلال الأعوام التالية، بين طهران وواشنطن، والتي قادت لاتفاق فيينا المتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني عام 2015.
– يطالب القرار 1701 في جيثياته بتطبيق القرار رقم 1559 الصادر عام 2004 والقرار رقم 1680 الصادر في مايو 2006 أي قبل شهر من اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في ذلك العام.
– أثار القرار 1559 حين صدوره جدلا واسعا داخل لبنان. واعتبر مراقبون أن القرار، الذي قيل إن رئيس الحكومة اللبناني السابق، رفيق الحريري، بدعم من فرنسا، كان واحدا من الداعمين له، هو الذي أدى، من بين أسباب أخرى، إلى اغتياله واندلاع حملة اغتيالات أخرى لاحقا.
– ينص القرار 1559 على نزع سلاح كافة الميليشيات وتسليمه للدولة اللبنانية، على أن يبقى السلاح محتكرا على الجيش اللبناني وحده.
– لم ينفّذ ذلك القرار، وساهمت سيطرة حزب الله، بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، في أبريل 2005، على قرار بيروت وحكوماتها، على إهمال أي نقاش بشأنه، وجرى إغراقه بجلسات حوار للتوصل إلى “استراتيجية دفاعية”.
– تمّ تأويل عدم المسّ بسلاح الحزب من خلال نصّ في اتفاق الطائف عام 1989، يمنح لبنان الحق بـ “المقاومة” لتحرير الأرض. رغم أن أحد أكبر المشرعين لهذا الاتفاق، رئيس مجلس النواب السابق، حسين الحسيني، وهو كان أيضا زعيم حركة أمل السابق، قد أوضح لاحقا أن هذا التعبير هو عام ولا يعني حزب الله، غير أن الحزب تمسّك بالعبارة دفاعا عن سلاحه.
– فرضت سيطرة السلاح لاحقا وضع عبارة داخل كل البيانات الوزارية لكافة الحكومات اللبنانية تشرّع المقاومة ضمن ما عُرف بثلاثية: الشعب والجيش والمقاومة. بما ضمن تحرّك السلاح واستخدام كافة منافذ البلد من أجل ضمان استمرار توفيره.
– أهم ما جاء في مقدمة القرار 1680، هو التأكيد على تطبيق باقي بنود القرار رقم 1559، خصوصاً بند حلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية الموجودة على الأراضي اللبنانية، ونزع سلاحها، وكان الدافع للقرار 1680 هو الطلب من الحكومة السورية التجاوب مع طلب بيروت تعيين الحدود المشتركة بين البلدين، وإيداع نسخة عن هذا التعيين لدى الأمم المتحدة، لتوضيح الصورة في ما يتعلق بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تعتبرها بيروت لبنانية.
– كانت إسرائيل تحتج دائما بأن هذه المنطقة لا تشملها خرائط التحديد اللبنانية الرسمية. ويُعتقد أن هذا الامر مرتبط أيضا بمستقبل موقع سوريا وتوجهاتها داخل المشهد الإقليمي المقبل. بمعنى أوضح. وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، أُثيرت فجأة مسألة احتلال إسرائيل لهذه المناطق كذريعة لبقاء “المقاومة”. وقد طلب لبنان رسميا من سوريا تقديم إقرار يعترف بلبنانية هذه المناطق يبدد اللغط الذي يعتبرها سورية واحتلت في حرب يونيو 1967. ولم تقدم دمشق أي إقرار واضح للأمم المتحدة في هذا الشأن.
– في إعادة إثارة القرار 1559 مؤخرا بصفته مشمولا بالقرار 1701، نقل عن رئيس مجلس النواب، زعيم حركة أمل، نبيه بري القول بإن هذا القرار “بات وراءنا”، بما يعني عدم الموافقة على تنفيذه. •على الرغم من أن المجتمع الدولي (بما في ذلك المبعوث الأميركي، هوكستاين) لا يتحدث إلا عن القرار 1701، فذلك يمنح، وفق مراقبين، هامش مناورة لبري وحزب الله وإيران من ورائه لتمييع أي نقاش يتناول مستقبل سلاح حزب الله.
– يعتبر محللون أن حزب الله مازال يحظى برعاية من قبل فرنسا التي تسعى لتعزيز حضورها في لبنان من خلال تميّز علاقتها مع الحزب من بين العواصم الغربية، ما يمكنه من تمييع تنفيذ القرار 1701 كاملا بكافة مندرجاته، وهذا الذي فسّر ما اعتبر فتورا في التمثيل العربي والدولي في مؤتمر باريس لمساعدة لبنان.
– يعتقد أن الموقف الخليجي بشأن مساعدة لبنان وتمويل إعادة الأعمار لن تتمّ وفق الامر الواقع في لبنان الذي سبّب شبه مقاطعة خليجية للبلد طالما أنه تحت سيطرة الحزب وسلاحه.
– هناك تقدير آخر يقول إنه لا يمكن إعادة تكوين السلطة في لبنان والتنفيذ الكامل للقرار 1701 إلا من خلال الضغط الداخلي والخارجي لتنفيذ القرار 1559. ومع ذلك فإن هذا التقدير لا يلحظ الكيفية والآليات الضاغطة التي يمكن الذهاب إلى ذلك.
خلاصة
**يدور جدل في لبنان بشأن القدرة على تطبيق القرار الأممي رقم 1701 بكامل مندرجاته، بما في ذلك القرار 1559 الذي يطالب بنزع سلاح كافة الميليشيات في لبنان بما في ذلك ضمناً سلاح حزب الله.
**على الرغم من تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، الالتزام الكامل بتطبيق القرار 1701، فإن الأخير قال إن القرار 1559 “بات وراءنا”، بما يعني تجاوزه وعدم العودة إليه.
**يعتبر مراقبون أن التركيز الدولي على حلّ أزمة جنوب نهر الليطاني، لا توضح الموقف من مستقبل سلاح الحزب شمال النهر ومستقبل نفوذه المسلح على قرار بيروت.
**يرجّح خبراء أن يتم تناول القرار 1680 المندرج داخل القرار 1701 والذي يطالب بموقف سوري واضح من مناطق تحتلها إسرائيل وتعتبر لبنانية، على نحو لاحق مرتبط بمسار التسوية للأزمة في سوريا.
**من شأن عدم إثارة مسألة سلاح حزب الله الواردة في القرار 1559 أن تبقي الموقف الخليجي المتحفّظ على التعاون مع لبنان على حاله، طالما أن الأمر الواقع الذي يفرضه الحزب على قرار حكومات بيروت على حاله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.