العراق يدعو الشرع للقمة العربية: كيف تغير موقف بغداد من دمشق؟
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: بعد مرحلة من التوجس والسلبية في مواقف بغداد حيال التحوّلات السورية بعد سقوط النظام السابق، أكد رئيس الوزراء العراقي توجيه دعوة للرئيس السوري لحضور القمة العربية في بغداد. فكيف تطوّر الموقف العراقي وكيف تجاوزت بغداد مواقف وتحذيرات سابقة ضد نظام الحكم الجديد في سوريا؟
في التفاصيل:
في 16 أبريل 2025، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أنه وجه دعوة إلى الرئيس السوري، أحمد الشرع، لحضور القمة العربية التي تستضيفها العاصمة بغداد في 17 مايو. ويقفل الحدث نقاشاً بشأن علاقات بغداد ودمشق والتي شابها التباس وغموض منذ سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر 2024.
في 26 ديسمبر 2024، عقد قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ووزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ورئيس جهاز الاستخبارات السورية الجديد، أنس خطاب، اجتماعا مع حميد الشطري رئيس جهاز المخابرات العراقية في دمشق. واعتبر الاجتماع أمنيا لم يخلو من تعليقات مراقبين لاحظوا البرودة والتحفّظ الذي شابه.
كانت اندلعت حملة داخلية في العراق من قبل شخصيات وفصائل شيعية موالية لإيران ضد الحكم الجديد في سوريا وضد الشرع. وأثارت هذه الحملة ماضي الشرع في العراق حين كان يحمل اسم أبو محمد الجولاني وينتمي إلى جماعات جهادية كانت تقاتل القوات الأميركية. وكان الجولاني اعتقل في العراق قبل أن يطلق سراحه ويعود إلى سوريا.
تسببت هذه الحملات في خلق أجواء غير مواتية أدت إلى تأجيل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ثلاث مرات حتى جرت في مارس 2025.
في 20 فبراير، أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي رفضه لقاء الرئيس السوري، أحمد الشرع، مؤكدا أنه يعرف “ماذا فعل الأخير بالعراق والعراقيين من قتل ودمار”. وقال إن الحكومة العراقية مجبرة على دعوة الشرع لحضور قمة بغداد العربية، لكون سوريا بلدا عربيا.
في 1 فبراير، شدد المالكي، على ضرورة الوقوف في وجه من يحاولون تكرار التجربة السورية في العراق، وأكد أن من وصفهم بـ” الطائفيين والبعثيين” بدأوا يتحركون في غفلة من الأجهزة الأمنية، لكنه أضاف: “مادمنا موجودين والسلاح بيدنا، فسيندمون”.
في 14 مارس، أجرى وزير الخارجية السوري زيارة إلى بغداد وقال إن هدفها هو تعزيز التجارة وإعادة فتح الحدود بين البلدين. أضاف أن دمشق “مستعدة للتعاون مع بغداد” في محاربة تنظيم داعش، مضيفا أن “الأمن في سوريا جزء لا يتجزأ من أمن العراق”. بالمقابل قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن الاستقرار في سوريا يهم العراقيين لأنه يؤثر مباشرة في أوضاع بلدهم.
في 18 مارس، كُشف أن قائد فيلق القدس الايراني اسماعيل قاآني أجرى زيارة خاطفة غير معلنة إلى بغداد، وأنه عقد اجتماعاً مهماً مع قيادات في “الإطار التنسيقي” وبحضور قادة الفصائل والحشد الشعبي الى جانب حضور السفير الايراني في بغداد.
قالت معلومات إن الاجتماع أكد على ضرورة التزام العراق بجانب الحياد و “عدم التدخل في الملف السوري” إلى جانب ضبط الملف الأمني ومنع أي اجتهادات خارج إطار الدولة.
نقل بيان لمجلس الوزراء العراقي أن السوداني أكد للشرع في مكالمة هاتفية “موقف العراق الثابت بالوقوف إلى جانب خيارات الشعب السوري، وأهمية أن تضمّ العملية السياسية كل أطيافه ومكوناته، وأن تصبّ في مسار التعايش السلمي والأمن المجتمعي، من أجل مستقبل آمن ومستقر لسوريا وكلّ المنطقة”. وأكد “رفض العراق للتوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية”، ودعم بغداد لـ”وحدة وسلامة وسيادة سوريا”.
في 14 يناير، أي قبل أقل من 3 أشهر من اتصاله بالشرع، قال رئيس الحكومة العراقية إن بغداد، كما بقية عواصم المنطقة، تشعر بالقلق من التحوّلات الأخيرة في سوريا، وأن الخطاب المرن والمنفتح الصادر عن الإدارة الجديدة في دمشق، ما زال يحتاج إلى أفعال جادة تبدد المخاوف ومصادر القلق.
كشف السوداني أيضا عن بعض معطيات الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا. وكان حينها قد أصدر السوداني مواقف مهدّدة اعتبر فيها أن “أمن العراق من أمن سوريا”، ملمّحا إلى تدخل عراقي لحماية البلد. وقد تمّ بالفعل حشد القوات العراقية على الحدود بين البلدين. وقد وجّه حينها الشرع (أبو محمد الجولاني، قائد “هيئة تحرير الشام” حينها)، رسالة مصوّرة للسوداني يطلب فيها عدم تدخل العراق.
قال السوداني أيضا إن بغداد بعثت رسائل محذّرة من أي تمدد لما يحصل في سوريا نحو العراق، معتبرا أن بلاده تخشى عودة كابوس الإرهاب و تنظيم “داعش” إلى البلاد، لا سيما وأن التنظيم، وفق كلماته، فقد قوته في العراق ولم يعد يمثّل تهديدا للعراق.
قال مراقبون في العراق إن النظام العراقي خشي من تعاظم قوة السنية السياسية في العراق جراء سيطرة “هيئة تحرير الشام” على الحكم في سوريا، خصوصا أن التحوّل انهي نفوذ إيران في سوريا وقطع ما يعرف بممر طهران-بيروت من خلال العراق. أضاف هؤلاء أن بغداد خشيت من قلب التوازنات التي سادت العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
تحدثت بعض المعطيّات عن تدخل السعودية لدى العراق للسيطرة على أجواء الاحتقان في العراق ضد النظام الجديد في سوريا. أضافت المعطيات تقديم الرياض تطمينات إلى بغداد بشأن عدم وجود أي خطر مصدره دمشق على استقرار النظام في بغداد.
خلاصة:
**يحسم إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، توجيه دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع دعوة لحضور قمة بغداد العربية اللغط بشأن موقف العراق الرسمي والسياسي من الحكم الجديد في سوريا.
**كانت حملة داخلية لفصائل وشخصيات شيعية عراقية في مقدمهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، قد شنوا حملة على الشرع ونظام الحكم الجديد في دمشق محذرين من تكرار التجربة السورية في العراق.
**كان السوداني قد عبّر عن هواجس من الحكم الجديد في سوريا فيما ظهرت بيئة سياسية معادية أدت إلى تأجيل زيارة وزير الخارجية السوري ثلاث مرات.
**يعتقد أن بغداد كانت تخشى تأثر الشيعية السياسية في العراق باختلال موازين القوى بعد سقوط نظام بشار الأسد وانتهاء النفوذ الإيراني في سوريا.
**يعتقد أن السعودية تدخلت لدى بغداد لتبديد المخاوف وتوفير أجواء مطمئنة بعدم وجود أخطار مصدرها دمشق على نظام حكم ما بعد عام 2003.
**كان لافتا قيام اسماعيل قآاني قائد فيلق القدس الإيراني بزيارة مفاجئة كان أحد أهدافها حثّ الفصائل الموالية لطهران على عدم التدخل في الشأن السوري.