الصين وتحوّلات سوريا: استلهام التجربة مع طالبان

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

تقدير موقف:

تقديم: رغم ما يعتبر خسارة بالنسبة للصين في سوريا بعد سقوط النظام السابق، تستعد الصين للتعامل مع الوضع الجديد في دمشق للتقليل من خسائرها في السياسة والاقتصاد ونفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط. يدور قلق بكين حول مستقبل المقاتلين الإيغور في سوريا ومدى نجاعة تجربتها مع طالبان في الحفاظ على وجودها ونفوذها في سوريا. فما هو الهامش الصيني وأي منافسة استراتيجية تواجهه. نقرأ المسألة من خلال رصد للمعطيات والخلفيات التالية:

– في 13 ديسمبر 2024، دعا وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى رفع العقوبات أحادية الجانب المفروضة على سوريا منذ سنوات ودعم سلامة أراضي البلاد. وأوضح أنه: “يجب على المجتمع الدولي أن يدافع بشكل فعال عن سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن يحترم تقاليد البلاد الوطنية والدينية، وأن يسمح للشعب السوري باتخاذ قراراته المستقلة”.
– كان سبق للصين أن ألقت، خلال عهد النظام السوري السابق، باللائمة، على العقوبات الأحادية ضد سوريا في تفاقم الوضع الإنساني في البلاد. وهي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد نظام الأسد.
– يكشف موقف بكين حيال تحوّلات سوريا عن مقاربة هادئة وتموضع جديد لبكين للتعاطي مع الوضع المستجد في سوريا، وطيّ صفحة علاقاتها القديمة مع دمشق، ومباشرة تفحّص إمكانات نسجّ علاقات جديدة مع العهد الجديد في هذا البلد.
– في 9 ديسمبر، أي في اليوم التالي لسقوط النظام، دعت وزارة الخارجية الصينية إلى عودة الاستقرار في سوريا وإيجاد حل سياسي بأقرب وقت ممكن. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية: “إنه حين تتطلع سوريا إلى حل سياسي، فإن بكين تأمل أن تسترشد جميع الأطراف المعنية بمبدأ المسؤولية والمصالح الأساسية للشعب السوري على المدى البعيد”.
– في 19 سبتمبر 2023، وقع الرئيسي الصيني والرئيس السوري السابق، في بكين، اتفاقية “شراكة استراتيجية” بين البلدين. وكانت الصين، لا سيما بعد سيطرة النظام السوري على حلب عام 2016 قد عوّلت على صمود النظام وبقائه. فقفزت المساعدات الصينية لسوريا 100 مرة من حوالي 500 الف دولار في عام 2016 إلى 54 مليون دولار في عام 2017، وفقا لتقارير مختلفة. وقد استمرت الاستثمارات والمساعدات في تصاعد وتطوّرت العلاقات بما شمل انضمام سوريا عام 2022 إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.
– على خلاف الدعم الروسي والإيراني دفاعا عن النظام في السوري، لم تقدم بكين أي دعم عسكري، واكتفت بالدعم السياسي والدبلوماسي. وقد استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشاريع قرارات تنتقد الأسد في 10 مرات من أصل 30 قرارا تتعلق بالحرب السورية.
– يرى مراقبون أنه من المحتمل أن تكون أي قيادة جديدة في دمشق حريصة على بناء علاقات جيدة مع بكين، وسط تراجع الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 85 بالمئة بسبب الصراع في سوريا.
– تحدثت بعض التقارير عن أن “هيئة تحرير الشام” تعهّدت بحماية الأصول الصينية في سوريا على غرار تعهدها بحماية القواعد الروسية في سوريا بانتظار التوصل إلى تفاهمات واتفاقات جديدة.
– يشير مراقبون إلى أن مستقبل علاقات الصين مع العهد الجديد ستتعلق بمدى استمرار موافقة الحكومة الجديدة في سوريا على استمرار المشاريع الصينية المتفق عليها مع النظام السابق، لا سيما أن العهد الجديد لديه خيارات إلغاء أو تعديل الاتفاقات المبرّمة بشأنها.
– يعتبر خبراء في الشؤون الصينية أن موقع الصين في سوريا سيكون أيضا رهن منافسة لاعبين جدد في السوق السوري، في مقدمهم تركيا والولايات المتحدة وأوروبا، وهي دول بدأت تبدي اهتماما بالتحوّل السوري.
– يذكّر اقتصاديون أن الصين تمتاز بمرونة مغرية لجهة عدم مطالبتها بمعايير تتعلق بحقوق الإنسان واستعدادها للتعاون مع الدول والاستثمار بشروط ميّسرة ما قد يغري النظام الجديد في سوريا، لا سيما إذا ما استفزّت المعايير الغربية التي تمّ الإعلان عنها مع تشكيل الحكومة المؤقتة المعينة من زعيم “هيئة تحرير الشام”، أحمد الشرع.
– لا تخفي الصين قلقا من حركة المقاتلين الإيغور في سوريا، واحتمال استفادتهم من البنى التحتية الحاضنة للدولة السورية المقبلة. وقد قدر النظام السوري السابق عدد هؤلاء المقاتلين بما يتراوح ما بين 5 و6 آلاف مقاتلا يقاتلون في صفوف “الهيئة”. لكن هذه الأرقام بقيت محل شكوك لا تقوم على أدلة صلبة.
– بالمقابل يلفت مراقبون للشؤون الصينية إلى أن هذا الموضوع لن يكون عائقا إذا ما تمّ التفاهم بشأنه مع العهد الجديد، وأن الصين يمكن أن تكرر تجربتها مع أفغانستان داخل الحالة السورية للتعامل مع هيئة تحرير الشام في حال بقي قرارها هو المرجّح في دمشق.
– في 30 يناير 2024، كانت الصين أول من يعترف رسميا بحكومة طالبان في أفغانستان منذ استيلاء الجماعة على السلطة في عام 2021. وعينت بكين مبعوثا رسميا لها إلى أفغانستان وكان عديد من الشركات الصينية قد وقع عام 2023 صفقات تجارية مع حكومة طالبان.

خلاصة:

**تعتبر الصين من بين الدول الخاسرة إلى جانب روسيا وإيران بعد التحوّل الأخير في سوريا وسقوط النظام في دمشق. وقد بدأت بكين في الاستدارة والاستعداد للتعامل مع الوضع السوري الجديد.
**بالنظر إلى عدم مشاركة الصين في دعم عسكري أو المشاركة في أعمال قتالية دفاعا عن نظام الأسد، فإنه من المرجّح أن لا يكون للعهد الجديد في سوريا عراقيل كبرى لتطبيع علاقاته مع بكين.
**يعتقد أن العهد الجديد في سوريا مضطر للتعامل مع كل القوى الدولية المستعدة لمساعدة سوريا اقتصاديا، بالنظر إلى الانهيار الاقتصادي الدي تعاني منه البلاد، وأن الصين لها المكان والمكانة ضمن هذا المنظور.
**إذا ما تغير موقع سوريا السياسي لصالح الغرب على حساب الاصطفاف القديم لصالح روسيا وإيران والصين، فإن الصين قد تواجه في سوريا منافسة من قبل أطراف مثل تركيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
**تشعر الصين بالقلق حيال مستقبل وجود آلاف من المقاتلين الإيغور في صفوف “هيئة تحرير الشام” وإمكانية استفادتهم من بنى تحتية شرعية تقدمها لهم الدولة السورية المقبلة.
**قد توفّر تجربة الصين، كأول دولة تعترف بنظام حركة طالبان في أفغانستان، امتيازا لدى “هيئة تحرير الشام” والفصائل الحليفة للحفاظ على علاقات بكين ومصالحها مع سوريا بعد تحوًلاتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.