السودان: اتفاق لإقامة قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم: أثار الإعلان في موسكو عن تفاهم مع السودان لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر، الكثير من الأسئلة بشأن انعكاس الأمر على التوازنات الداخلية في السودان، كما على منظومة الأمن والمصالح لدول البحر الأحمر. كما أثار الأمر قلقا من أن يستدعي هذا التطوّر انخراطا مضادا من دول أخرى معادية لروسيا، ما من شأنه إطالة أمد الحرب الراهنة في هذا البلد.
في التفاصيل:
– في 12 فبراير 2025، أعلن وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، خلال زيارة إلى موسكو عن التوصل إلى تفاهم كامل مع موسكو بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر في السودان. وقال الوزير خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف: “نحن متّفقون تماما بشأن هذه المسألة، ولا توجد أيّ عقبات على الإطلاق”. وأكّد أنّ “هذه أيضا مسألة سهلة”.
– أشار إلى أن الاتفاق يُعد جزءاً من تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة في ظل دعم روسيا لمواقف السودان دولياً، مثل استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار بريطاني يهدف إلى “التدخل في الشؤون الداخلية للسودان”. وشدد على رفض الخرطوم الدائم لأي تدخل خارجي في شؤونها.
– سعت موسكو منذ عهد نظام عمر حسن البشير، لإنشاء قاعدة بحرية روسية خلال سنوات إدراج السودان في قائمة ما تعتبرها الولايات المتحدة “دولا راعية للإرهاب”. غير أن موسكو كشفت في مايو 2019، أي بعد شهر على سقوط نظام البشير، عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.
– في 9 ديسمبر 2019، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين روسيا والسودان حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، ولا تستهدف أي طرف آخر، بحسب مقدمة الاتفاقية، ومدتها 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين. ورغم الإعلان الروسي الرسمي، إلا أن الخرطوم التزمت الصمت.
– في 1 مايو 2024، أثارت زيارة وفد روسي، برئاسة ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط، إلى بورتسودان، أسئلة بشأن موقف جديد لموسكو من الأزمة في السودان مخالف لما أُشيع سابقا عن دعم تقدمة مجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية إلى “قوات الدعم السريع”.
– قال بوغدانوف حينها إن “روسيا تعتبر مجلس السيادة الانتقالي الممثل الشرعي للشعب السوداني”. فيما ذكر وزير خارجية السودان أن بوغدانوف “استنكر الدعاوى القائمة على المساواة بين شرعية الدولة السودانية والتمرد”.
-. تحدثت بعض التحليلات حينها عن تبادل منافع بين البلدين، بحيث يعزّز مجلس السيادة موقفه السياسي والعسكري (طالما تمّ الحديث عن تعاون عسكري أثناء الزيارة)، مقابل تعزيز استثمارات روسيا في قطاع الذهب وتثبيت نفوذها في مستقبل السودان.
-. وضع المراقبون الحدث أيضا في إطار المنافسة مع الغرب في أفريقيا وفي إطار الصراع مع أوكرانيا، بعد تردد أنباء، عن أنشطة أمنية لجهاز المخابرات الأوكراني في السودان.
-. لا معلومات دقيقة عن التفاهم/الانفاق الجدي، إلا أنه حسب المتوفّر سابقا، يتضمن الاتفاق إقامة منشأة بحرية روسية على البحر الأحمر قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكريا ومدنيا.
-. يمكن لهذه القاعدة استقبال 4 سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية. وستكون مثل هذه المحطة/القاعدة مفيدا لروسيا، خاصة بعد أن أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الشكوك حيال وضع قاعدتيها هناك ذات الأهمية في المنطقة.
-. لفت خبراء إلى أنه من غير المعروف ما إذا كان التواجد العسكري الروسي على البحر الأحمر سيكون بمستوى قاعدة عسكرية استراتيجية أم بمستوى محطة تموين وصيانة. إلا أنهم أجمعوا أن هذا التطوّر سيثير قلقا لدى الدول المطلّة على البحر لتدخله في المنظومة الأمنية للمنطقة.
– يعتبر خبراء أنه إذا تمّ تفعيل الاتفاق، فإنه يُعد تطورا مهما في العلاقات الروسية السودانية، ويلبي مساعي موسكو لتعزيز وجودها الاستراتيجي في منطقة البحر الأحمر والحصول على موطئ قدم عسكري في السودان، ويؤكد المصالح الجيوسياسية المتوسعة لموسكو في القارة الأفريقية عموما.
-. بالمقابل يعتقد باحثون أن هدف القاعدة ليس عسكريا بالنسبة لروسيا، بل جزءا من تواجدها لرعاية الاستثمارات الروسية في إنتاج الذهب من السودان.
-. كانت واشنطن قد حذرت خلال السنوات الأخيرة من إنشاء قاعدة روسية في السودان ملمّحة إلى أن الأمر سيتداعى بشكل سلبي على علاقات واشنطن والخرطوم.
-. تعتبر مصادر مراقبة سودانية أن القاعدة الروسية يمكن أن تشكّل ورقة ضغط سودانية على أوروبا والولايات المتحدة، وهي ليست بالضرورة انحيازا سودانيا نهائيا لصالح تحالف روسيا-الصين. غير أن هذه المصادر تحذّر من ضعف الخرطوم في إدارة توازناتها الدولية، وعدم قدرتها على إجادة الاستفادة من العلاقات المتعددة في العالم وتناقضاتها.
-. في 16 يناير 2025، بعد أسبوع واحد فقط من فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو المعروف ب”حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، أعلنت الولايات المتّحدة، فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لاتهام قواته بتنفيذ هجمات على مدنيّين. يمثّل هذا التطوّر تراجعا في العلاقات مع واشنطن.
-. حذّرت مصار سودانية معارضة من خطر وجود قاعدة روسية على دول المنطقة، لجهة إمكانية أن تمثل امتدادا لإيران وأخطارها على بعض دول المنطقة، بالنظر إلى التحالف بين موسكو وطهران.
-. تعتبر هذه المصادر أن الاستقواء بروسيا من شأنه إطالة أمد الحرب الحالية، لأن الوجود الروسي سيعزّز تدخل أطراف دولية مناوئة وتسعير الصراع الحالي في السودان.
-. تشكك هذه المصادر في شرعية الاتفاق بالتشكيل في امتلاك حكومة البرهان شرعية تمثيل الدولة، وبسبب الحاجة إلى التصديق على الاتفاق من قبل برلمان منتخب.
خلاصة:
**ما اُعلن هو تفاهمات وليس اتفاقا، ما يطرح أسئلة بشأن حقيقة القاعدة العسكرية الروسية في بورتسودان، لجهة حجمها ومهامها العسكرية، وما يمكن أن تغيّره من توازنات جيواستراتيجية في البحر الأحمر.
**القاعدة تعزّز الوجود العسكري لروسيا في البحر الأحمر وأفريقيا، وسط غموض يلف مصير القاعدتين الروسيتين في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
**يمكّن الوجود العسكري الروسي السودان من امتلاك ورقة ضغط على أوروبا والولايات المتحدة؟ من دون أن يشكل الأمر انزياحا استراتيجيا سودانيا معادٍ للغرب لصالح تحالف روسيا والصين.
**يثير الأمر مخاوف من أن تسمح القاعدة الروسية بتمدد لأخطار إيران على دول المنطقة بالنظر إلى التحالف بين موسكو وطهران.
**الأرجّح أن مواقف واشنطن، لا سيما بعد فرض عقوبات أميركية على البرهان، أعطت دفعا لإبرام هذا التفاهم بعد سنوات من التردّد لا سيما من قبل نظام ما بعد البشير في السودان.