السعودية ترسل “نجل” الملك إلى طهران: الخلفية والرسائل

تقدير موقف، د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

تقديم: بين جلستي المفاوضات الإيرانية الأميركية، أجرى وزير الدفاع السعودي زيارة إلى طهران اعتبرت تاريخية لافتة في توقيتها ورسائلها. فما أهداف الرياض من إرسال أرفع مستوى قيادي في المملكة بعد الملك ووليّ عهده. وكيف تفهم واشنطن وطهران رسائل الزيارة.

في التفاصيل:

في 17 أبريل 2025، بدأ وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، والوفد المرافق له زيارة إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين. وأفادت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية أن الأمير خالد التقى بالمرشد الإيراني، علي خامئني، وسلمه رسالة من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، كما التقى الوزير السعودي بنظيره الإيراني وشملت لقاءاته رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان.
أكد وزير الدفاع السعودي خلال لقائه المرشد الإيراني أن زيارته تهدف إلى توسيع العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات. وقال: “جئت إلى طهران بأجندة توسيع العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات (..) نأمل أن توفر المحادثات البناءة علاقات أقوى بين السعودية وإيران مما كانت عليه في الماضي”.
نقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن خامنئي قوله خلال اللقاء، إن “العلاقة مع السعودية مفيدة لكلا البلدين، ويمكننا أن نكمل بعضنا بعضا”. وذكرت الوكالة، أن اللقاء تم بحضور اللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية.
تعتبر زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران هي الثانية تاريخيا منذ عام 1979، وذلك بعد زيارة أولى وُصفت بالتاريخية للراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى طهران مطلع مايو 1999، والتي استمرت لمدة 4 أيام التقى خلالها بكبار المسؤولين الإيرانيين.
يلفت مراقبون للشأن السعودي أن الرياض تقصّدت من خلال الزيارة الكشف عن موقف سياسي يتعلّق بالسجال الدائر حاليا بين إيران والولايات المتحدة بشأن شكل ومضمون وأهداف المفاوضات الجارية بينهما، وهو موقف يمثل دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.
يضيف المراقبون أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجري هذه المفاوضات على نفس منوال ما فعلته إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، من دون إشراك المنطقة والوقوف عند هواجسها، لكنها تجري أيضا من دون إشراك بقية دول مجموعة دول الـ 5+1 الموقعة على اتفاق فيينا لعام 2015، ما يرفع مستوى الحذر من مقاربة ثنائية لا دولية قد لا تأخذ مصالح العالم بعين الاعتبار.
لفت معلّقون إلى أن توقيت الزيارة أتى ما بين الجلسة الأولى للمفاوضات التي جرت في مسقط، في 12 أبريل، والجلسة التالية التي تجري في روما، في 19 أبريل، بما يعني أن الرياض أرادت التموضع رسميا داخل سياق هذه المفاوضات والموقف من أطرافها.
أشارت مصادر سعودية مراقبة إلى المستوى التاريخي الذي أرادته السعودية لهذه الزيارة. فالرياض لم ترسل وزيرا للدفاع فقط، بل نجل العاهل السعودي وشقيق وليّ عهده، ما يعني أن المملكة أرسلت أرفع مستوى في هيكل الحكم بعد الملك ووليّ العهد.
لاحظت هذه المصادر أن حقيبة وزارة الدفاع لم تكن مناسبة وأهداف الزيارة، بل أنها كادت تكون “زيارة دولة” بشخص الأمير خالد، وتعاملت معها طهران بهذا المستوى في اللقاءات التي جمعت الضيف السعودي بالمسؤولين الإيرانيين الكبار بما فيهم المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية.
تؤكد مصادر سعودية متابعة أن الرياض أرادت من هذه الزيارة، وبهذا التوقيت وهذا المستوى، التأكيد على التمسك باتفاقية بكين المبرمة بين البلدين، في 10 مارس 2023، وتعويل السعودية على علاقات تعاون والمودة وحوار بين البلدين بغضّ النظر عن نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية. كما تستبق أي تغير في موقع إيران وتوازنات القوى الإقليمية والدولية التي قد يفرضها نجاح أو فشل المفاوضات.
تأتي زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران بعد أكثر من شهر على زيارة قام بها إلى واشنطن، في فبراير، بما يعني أنه على دراية بالأجواء الأميركية ومقاربة إدارة ترامب لملف إيران، ما يمكنه من إجادة نقله الرسائل السياسية بدقة سواء إلى طهران أو إلى واشنطن.
يرى مراقبون للشؤون الإيرانية أن الزيارة خلفت ارتياحاً لدى القيادة والنخب الإيرانية لما توفّره لإيران، في لحظة التشنج والتوتّر في العلاقة مع الولايات المتحدة وما يرافقها من تهديدات أميركية إسرائيلية، من بيئة إقليمية (عربية خصوصا) ودودة غير ضاغطة. يضيف هؤلاء أن المبادرة السعودية تمنح المفاوض الإيراني أوراقا إضافية على طاولة المفاوضات مع واشنطن.
تقرّ مصادر سعودية متابعة بأن توقيت الزيارة هدفه خفض مستوى الضغوط على طهران وإزالة أي لبس بشأن موقف الرياض والمنطقة من المفاوضات. وترى هذه المصادر أن الموقف السعودي هدفه رفع جرعات المرونة لدى إيران والتخفيف من سلوك وخطاب التشدد لدى المفاوض الإيراني من خلال التلويح بمستقبل أفضل لإيران في المنطقة حتى لو كان ثمن الاتفاق الجديد بعض التنازلات.
ترى مصادر مراقبة للشؤون الأميركية أن الزيارة تبعث برسالة إلى واشنطن تأخذ مسافة واضحة من كيفية إدارة ترامب للمفاوضات مع إيران، وترفض تهديدها بشنّ حرب ضد إيران تقترب من التهديدات الإسرائيلية في هذا الصدد. وتوضح هذه الرسالة أن الرياض، على منوال موقفها من الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، غير معنية في دعم أو تغطية أو تبرير أي خيار عسكري في المنطقة.
تضيف المصادر أن السعودية أرادت لموقفها أن يكون واضحا قبل أسابيع من الزيارة المزمع أن يجريها الرئيس الأميركي إلى المملكة ودول أخرى في المنطقة. وأرادت أن تبلغ المفاوض الأميركي بالبيئة والقواعد الإقليمية التي تواكب مبدأ التفاوض مع إيران وجلساته.

خلاصة:

** جرت زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران بمستوى “ملكي” يعكس حرص الرياض على تأكيد تمسّك أعلى مستويات الحكم بالتعاون والعلاقات الممتازة والواعدة، وفق اتفاق بكين، مع طهران، بغضّ النظر عن نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية.
** تعاملت طهران بمستوى عال مع حدث الزيارة من خلال لقاءات وزير الدفاع السعودي مع المسؤولين الكبار في إيران في مقدمهم المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية ولغة الترحيب والمودة التي صدرت عن المسؤولين الكبار لا سيما المرشد.
** تأتي الزيارة في توقيت دقيق بين جلستي مسقط وروما للمفاوضات الأميركية الإيرانية وقبل أسابيع من زيارة ترامب للسعودية والمنطقة وبعد أسبوعين على اتصال الرئيس الإيراني بوليّ العهد السعودي وبعد أكثر من شهر على زيارة وزير الدفاع السعودي إلى واشنطن.
** تبعث السعودية من خلال الزيارة رسالة إلى طهران بالاطمئنان إلى بيئة إقليمية ودودة لا تعوّل على المفاوضات وتستبق نتائجها، ما من شأنه خلق ارتياح لدى طهران يخفف من التشنج والتشدد ويسهل عبورها نحو اتفاق.
** تبعث الزيارة رسالة سعودية إلى واشنطن تأخذ مسافة من خطاب التهديد الصادر من واشنطن، كما رفض الخيارات العسكرية الأميركية والإسرائيلية ضد إيران وتهدد استقرار المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.