“الرفاه من جديد”.. صحوة الأربكانية ضد الأردوغانية في تركيا

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

فيما تنشط التحليلات لتفسير هزيمة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا، يذهب بعض المعلقين إلى تحميل “حزب الرفاه من جديد” الإسلامي بقيادة فاتح أربكان والذي حلّ ثالثا في تلك الانتخابات، مسؤولية تراجع حزب أردوغان، ويسلطون الضوء على هذا “الإسلام السياسي” الصاعد من جديد.

ولفهم هذا التطوّر اللافت وجب التوقف عند النقاط التالية:

* فاتح أربكان هو الابن الثالث لنجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا الأسبق (1996-1997) ومؤسس تيار “الرؤية الوطنية” ذي التوجه الإسلامي. ويعتبر أربكان الأب هو أب الإسلام السياسي التركي الذي ترعرع في كنفه أردوغان. ولطالما أثار انشقاق أردوغان عن أربكان جدلا داخل تيارات الإسلام السياسي التركي.
* أنشق فاتح أربكان عن حزب السعادة عام 2018 وأسس حزبه وانتزع عبر القضاء مقر “السعادة” ليصبح مقرا لحزبه في أنقرة. اتهم أربكان “السعادة” بالانحراف عن خط “الرؤية الوطنية” الذي أسّسه والده معتبرا أن حزبه هو الممثل الوحيد لهذا الخط. ومع ذلك تحالف مع أردوغان من ضمن “تحالف الجمهور” رغم انشقاق أردوغان عن والده، وخاض انتخابات مايو 2023.

*قرر فاتح أربكان قيادة حزبه لخوض الانتخابات البلدية، الأحد، بشكل منفصل عن “تحالف الجمهور” مع حزب أردوغان. حلّ الحزب “الرفاه من جديد” في المرتبة الثالثة، بعد حزب العدالة والتنمية والحزب الجمهوري، بحصوله على 6 بالمئة من الأصوات. وفاز ببلديتين كبيرتين: بلدية ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، وبلدية ولاية يوزغات وسط البلاد، كما فاز برئاسة بلديات 39 قضاء و24 بلدة في عموم تركيا.
*أشارت Bloomberg إلى أن حزب “الرفاه من جديد” تنافس من خلال حملة تتعلق بالاقتصاد والخدمات، لكنه تميّز، على لسان زعيمه فاتح أربكان، بمجموعة من المواقف التي تتعلق بالحرب في غزّة والعلاقة مع إسرائيل. وطالب أربكان بقطع العلاقات السياسية والتجارية مع إسرائيل، واشتغل حزبه على إدانة حجم التبادل التجاري بين البلدين رغم حرب غزّة. كما طالب أربكان بإغلاق قواعد الناتو في تركيا.
*أشار موقع Turkish Minute إلى أنه، وعلى الرغم من الصراع المستمر في غزة وإدانة أردوغان لإسرائيل، لا تزال إسرائيل شريكا تجاريا مهما لتركيا، حيث احتلت المرتبة الثالثة عشرة في قائمة الصادرات التركية في عام 2023. بلغ إجمالي التجارة بين البلدين 5.42 مليار دولار في العام الماضي، وهو ما يمثل 2.1 في المائة من إجمالي صادرات تركيا، بانخفاض من 7 مليارات دولار في عام 2022.
*تكمن خطورة حزب “الرفاه من جديد” في كونه يخاطب جمهور المتدينين والإسلام السياسي التركي الذي قام عليه صعود حزب “العدالة والتنمية”. ففيما خسر حزب أردوغان أصواتا من شرائح مجتمعية مختلفة لأسباب تتعلق بتراجع الاقتصاد ولأسباب أيديولوجية، ليبرالية أو يسارية.. إلخ، فإن الجمهور المحافظ الغاضب من الأداء الاقتصادي والغاضب من موقف أردوغان الضعيف حيال حرب غزّة رفض منح أصواته للعلمانيين ووجد ضالته الوحيدة في العودة إلى الجذور من خلال التصويت لحزب ابن المؤسس أربكان.

*في خطابه ليلة الانتخابات، قال أربكان إن الحكومة خسرت الأصوات لأنها فشلت في تحسين الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، أكد أن استمرار التجارة مع إسرائيل، التي أشار إليها باسم “القتلة الصهاينة”، أمر مخجل ومخزي. كما أدان الموافقة التركية على عضوية الناتو للسويد التي وصفها بأنها، “بلد يفتح ذراعيه للمنظمات الإرهابية ومعاد للإسلام والقرآن”.

*تعتبر الصحافة الغربية أن فاتح أربكان، “على غرار والده، معاديا للسامية وللغرب بشدة ومروّج لنظريات المؤامرة في تركيا ضد اليهود، لتعزيز معاداة السامية بين السكان الأتراك”. وتتهمه هذه الصحافة بأنه “أيد علنا هجمات حماس “الإرهابية” التي وقعت في 7 أكتوبر”. وتقول إن حزب “الرفاه من جديد” هو من المنظمات الرائدة في تعبئة الأتراك لتنظيم مسيرات أمام السفارة الإسرائيلية في أنقرة وقنصليتها العامة في اسطنبول”. وغمزت الصحافة الغربية من قناة أردوغان بالإشارة إلى أن أربكان استفاد من الظهور على وسائل الإعلام التابعة لحزب أردوغان أثناء فترة التحالف بينهما ما مكّنه من توسيع انتشار نظرياته المتطرفة.

خلاصة:

**يمثل الصعود المفاجئ لحزب “الرفاه من جديد” كسرا لاحتكار حزب أردوغان للإسلام السياسي وإعادة له إلى ما قبل عصر أردوغان. ويجد الحزب جمهوره لدى المجتمع المحافظ والمتديّن في تركيا باستعادة إرث السياسي الإسلامي الراحل نجم الدين اربكان.
**اعتمد زعيم الحزب فاتح أربكان على إحراج حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان من خلال التركيز، إضافة إلى القصور الاقتصادي والخدماتي، على مواقف أردوغان وحكومته من حرب غزّة والتعامل مع إسرائيل وازدهار التجارة معها، ومن خلال خطاب معاد للغرب والناتو.
**سيكون مهما متابعة مواقف حزب أربكان في ظل سيطرة حزب أردوغان على الحكم حتى عام 2028 لاستنتاج مدى قدرة “الرفاه من جديد” على اختراق قاعدة جماهيرية بناها أردوغان لا سيما منذ وصول حزبه إلى السلطة عام 2002. بالمقابل سيعمل أردوغان على معالجة هذا الاختراق داخل “البيت الإسلامي” واستعادة هيمنة حزبه على “الإسلام السياسي” التركي.
** سيبقى الإسلام السياسي العربي مجاملا لأردوغان على الرغم من تراجع الرئيس التركي عن خياراته الاسلاموية السابقة بما في ذلك تقييد إقامة وحركة القيادات الإخوانية في تركيا. لكن الاسلاميين سيراقبون باهتمام الخطاب الصاعد لفاتح أربكان وإمكانات توسّع نفوذه في البلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.