الرئيس الإيراني في باكستان: تجاوز مرحلة كادت تشعل حربا
تقدير موقف؛ مركز تقدم للسياسات
تقديم: بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الإثنين، زيارة إلى باكستان تهدف في ظاهرها إلى تعزيز علاقات البلدين وتسعى في باطنها إلى ترميم تصدّع في علاقات الجارين بعد تدهور حدودي خطير إثر تبادل للقصف الصاروخي جرى في يناير الماضي. تأتي الزيارة غداة مفصل خطير شهده الشرق الأوسط في أعقاب الهجمات المباشرة المتبادلة بين إيران وإسرائيل. تمثّل الزيارة سعيّا لطهران وإسلام أباد لتموضع جديد داخل المشهد الدولي. فما هو سياق الحدث ومآلاته؟
لفهم السياق تجدر ملاحظة المفاصل التالية:
* في 18 يناير الماضي شنّت باكستان هجمات داخل عمق الأراضي الإيرانية، وتحديدًا في محافظة سيستان وبلوشستان. وتحدثت وزراة الداخلية في إسلام أباد عن تنفيذ “باكستان سلسلة ضربات عسكرية منسقة جدًا، ودقيقة ضد ملاذات إرهابية”. وقالت الخارجية الباكستانية إن الغارات “تمت بدقة عالية”، واستهدفت “مواقع عسكرية محددة في إيران”.
* جاءت هذه التطورات بعد نحو يومين من إعلان إيران استهدافها بـ”صواريخ ومسيّرات”، ما قالت إنهما مقرّات لجماعة “جيش العدل” المسلحة في الأراضي الباكستانية، وهو ما نددت به إسلام أباد.
* في 21 يناير استنكر مشاهد حسين سيد، رئيس لجنة شؤون الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني قيام إيران بارتكاب عدوان عسكري صارخ ضد بلاده، معتبرا أن “إيران دولة متغطرسة وأن باكستان ليست العراق أو سوريا”.
* اعتبر رد الفعل الباكستاني صاعقا بالنسبة لإيران التي كانت قبل ذلك شنّت غارات داخل سوريا والعراق ردّا على استهدافها من قبل “جماعات إرهابية” ناهيك من أنشطة ميليشياتها المهدّدة دول عربية من دون أن تلقى أي ردّ فعل متناسب.
* تحدّثت بعض التحليلات حينها عن أن باكستان قد تكون قررت الانتقام، لأنها لا تريد السماح لإيران بالتصرف داخل أراضيها كما تفعل في العراق”.
* رأت تحليلات أخرى أن المسلحين والانفصاليين على جانبي الحدود الإيرانية الباكستانية يشكلون تحدياً مشتركاً للبلدين وأن البلدين قد يكونا نسقا سوياً لشن الهجمات في أراضي كل منهما ضد الجماعات المعارضة.
* ربطت بعض التفسيرات العداء بين باكستان والهند بقرار قصف إيران. واعتبرت أن الحفاظ على مستوى ردع مع الهند استوجب عدم السكوت على قصف إيران لأهداف داخل إيران.
* سعى البلدان لتهدئة الموقف وتجاوز الحدث وإنجاح زيارة رئيسي. في 16 أبريل الجاري أكد وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف أن لإيران الحق في الرد على الغارة التي استهدفت قنصليتها في دمشق. وحذر من تصعيد التوتر الذي بإمكانه التأثير على دول أخرى منها باكستان.
* في 28 مارس أشار وزير التنمية والتخطيط الباكستاني، إلى القدرات العالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال الطاقة، وقال أن إيران مصدر حيوي للحد من أزمة الطاقة في باكستان.
* يبحث البلدان منذ أعوام في إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز. وبدأ العمل في هذا المشروع الذي تقدّر كلفته بـ 7.5 مليار دولار في مارس 2013. ومنحت إسلام آباد في فبراير الماضي الضوء الأخضر لبدء إنشاء قسم أول بطول 80 كيلومتراً لتفادي دفع غرامات مقدّرة بمليارات الدولارات لطهران بسبب التأخر في إنجاز الأعمال، إلا أن واشنطن التي تفرض عقوبات اقتصادية واسعة على طهران، كررت في مارس معارضتها هذا المشروع.
* هدد المسؤولون الإيرانيون مرارا بمقاضاة باكستان في التحكيم الدولي وفرض عقوبة تبلغ حوالي 18 مليار دولار على الإخلال بالعقد. غير أن الولايات المتحدة جددت مؤخرا تحذيرها لإسلام أباد، ونصحت بعدم المضي قدما في المشروع لتجنب العقوبات.
* قالت مصادر في واشنطن إن احتمال منح الولايات المتحدة باكستان تنازلا عن العقوبات على خط أنابيب الغاز مع إيران معدوم عمليا حتى قبل الهجوم الإيراني على إسرائيل.
خلاصة واستنتاجات؛
**تسعى إيران وباكستان اللتان تمتلكان حدودا مشتركة بطول 909 كيلومترات إلى استعادة علاقات جيدة بعد التوتّر الحدودي العسكري بين البلدين في يناير الماضي. ويجري هذا السعي بالتعايش مع واقع الضغوط والحسابات الدولية التي تفرض على طهران وإسلام أباد أجندات متعارضة.
**فيما تودّ إيران تعزيز علاقاتها مع باكستان ودول الشرق في مواجهة الضغوط الغربية لا سيما بعد الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة، تهتم باكستان بنسج علاقات مع إيران تعزّز بها موقعها في الصراع مع الهند من دون الإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة ناهيك من استفادة باكستان من مصادر الطاقة الإيرانية.
**ساهم “اتفاق بكين” المبرم بين السعودية وإيران في 10 مارس 2023 في تسهيل تحسين العلاقات بين طهران وإسلام أباد، ذلك أن باكستان كانت محرجة قبل ذلك في إدارة علاقاتها بين البلدين وكانت سعت لوساطة بين البلدين منذ عام 2016.
**تكشف صعوبات بناء خطّ الغاز بين إيران وباكستان ثقل العامل الأميركي على المضيّ قدما في هذا المشروع التنموي الطموح. يكشف هذا التفصيل ارتباط خيارات إيران بالذهاب شرقا بالنزاع القائم مع الولايات المتحدة وما نتح عنه من عقوبات.
**يردد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان أن الولايات المتحدة هي التي أطاحت به. بالمقابل تودّ إيران تطوير علاقاتها مع الحكومة الباكستانية التي تعتبر أكثر اتفاقا مع واشنطن وتجنّب أن تشكّل باكستان خطرا استراتيجيا على حدودها الشرقية خصوصا بعد سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان.