الحكومة السورية الجديدة: تمثيل الداخل ومعايير الخارج

ورقة سياسات.

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ملخص تنفيذي:

– تدرّج مراحل العملية السياسية منذ سقوط النظام السابق حتى تشكيل حكومة موسعة يراد لها أن تمثّل كافة المكوّنات.
– التعقيدات الداخلية والحسابات الخارجية في ولادة الحكومة وظروف قيامها من خارج الإجماع الكامل.
– خريطة الحكومة بين “الهيئة” والكفاءات وتمثيل المكوّنات والحفاظ على الانسجام العام بقيادة رئيس الجمهورية.
– عوامل تشكّل حكومة بعد أحداث “الساحل” واتفاق الشرع-عبدي وتعذّر إنهاء تفاهمات مع الدروز في السويداء.
– آفاق تعامل البيئة الإقليمية والدولية مع الاستحقاق الحكومي وتأثيرات ذلك على مسألة رفع العقوبات.
تقديم:
بعد أقل من 4 أشهر على سقوط النظام السابق في سوريا انتقلت البلاد من حكومة تصريف أعمال إلى حكومة موسعة متعددة تتمثل داخلها مكوّنات المجتمع السوري. ومن المفترض أن تغطي هذه الحكومة المرحلة الانتقالية التي تمتد على 5 سنوات وفق ما نصّ عليه الإعلان الدستوري. وقد ولدت الحكومة بعد تأخر عن الأجندة التي سبق أن أعلنها الرئيس أحمد الشرع، وجاءت بمشهد تمثيلي على الرغم من تعذّر الوصول إلى توافقات ذات مصداقية مع كافة المشارب والتيارات، لا سيما بأبعادها الطائفية والقومية. فما ظروف ولادة الحكومة ومشهدها وما الخطط التي تقوم عليها وظروف نجاحها في الداخل وأمام الخارج؟
ظروف ومسار ولادة الحكومة:

أتى إعلان تشكيل الحكومة السورية التي أطلق عليها الرئيس الشرع اسم “حكومة التغيير والبناء”، في 29 مارس 2025 من ضمن خارطة طريق كان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلن عنها، تشمل إقامة حوار وطني، جرى في 25 فبراير 2025، وإصدار إعلان دستوري، جرى في 13 مارس 2025، وتنتهي بتعيين مجلس تشريعي مصغّر.
وكان الشرع قد وعد، في 30 يناير 2025، بتشكيل حكومة موسعة في أوائل مارس 2025، غير أن مداولات متعثّرة أدت إلى ولادة الحكومة متأخرة. ورغم أن تسريبات استبقت الإعلان عن الحكومة وتحدثت عن مستويات التمثيل وعدد الحقائب الوزارية وهويات بعض المرشحين لها، غير أن التشكيلة الرسمية ظلت غير معروفة حتى اللحظات الأخيرة.
وكانت المواقف والبيانات الإقليمية والدولية التي تعاملت مع التحوّلات السورية منذ سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر 2024، سواء تلك الصادرة عن الدائرة العربية أو الأوروبية أو تلك الصادرة عن الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، قد طالبت الحكم الجديد في دمشق بتشكيل حكومة موسعة تمثل كافة مكونات المجتمع السوري. وجاءت هذه الدعوات تحمل في طياتها انتقادات لتشكيل السلطات الجديدة عقب سقوط نظام بشّار الأسد حكومة تصريف أعمال لإدارة البلاد لفترة تمتد 3 أشهر برئاسة محمد البشير. وتميّزت تلك الحكومة بانتماء جميع أعضائها إلى “هيئة تحرير الشام” وذات لون سياسي وطائفي واحد. وكان الشرع برّر هذا الخيار بضرورة الاعتماد في تلك المرحلة الدقيقة على “فريق منسجم” يتمّ داخله اتّخاذ القرارات على نحو سريع وداخل بيئة متجانسة.

البيئة السياسية للحكومة الجديدة:

توزعت الحكومة الجديد على 23 حقيبة، وضمت امرأة واحدة وشخصيات تنتمي إلى المكوّنات المسيحية والدرزية والعلوية والكردية. وكان الشرع رفض مبدأ التحاصص وتوزيع المناصب على المكوّنات، متمسكاً بمبدأ المواطنة واختيار الكفاءة كمعيار وحيد لتولي المناصب العليا أيا كانت هويتها الطائفية والقومية. وفيما تُقدم التشكيلة الحكومية مشهدا تمثيليا من المفترض أن يستجيب للمطالب الداخلية الدولية، إلا أن مسألة التمثيل تبقى جدلية على المستوى الداخلي، قابلة للنقد من حيث أن التمثيل قد يكون شكليا متّسقا مع رغبة السلطة الجديدة الحاكمة أكثر من كونه معبّرا عن التطلعات الحقيقية لمكوّنات البلد. ومع ذلك، وفي ظل غياب تمثيل صحيح يخرج عن صناديق الانتخاب، فإن مسألة التمثيل تبقى وجهة نظر غير قابلة للحسم ولن تحظى بالقبول التام.
جرى تشكيل الحكومة بعد مرحلة أمنية خطيرة عاشتها منطقة “الساحل” غرب سوريا، حين قامت عناصر من فلول النظام السابق بشنّ هجمات منسّقة على قوات الأمن التابعة للحكم الجديد. وقد أدت تلك الهجمات، التي بدأت في 6 فبراير 2025، إلى سقوط مئات من القتلى في صفوف قوات الأمن كما في صفوف عناصر فلول النظام السابق. وأسفرت المواجهات أيضا عن ارتكاب انتهاكات أسفرت عن مقتل ما فاق الألف ضحية في صفوف المدنيين من الطائفة العلوية في تلك المنطقة.
وجرى تشكيل الحكومة بعد 19 يوما من إبرام اتفاق بين الرئيس الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، في 10 مارس 2025. ونصّ الاتفاق على إدماج المؤسسات الإدارية والعسكرية والأمنية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد داخل مؤسّسات الدولة السورية في مهلة أقصاها آخر عام 2025، على أن يتم تشكيل لجان تنجز ذلك. ومع ذلك فإن “قسد” اعترضت على نصّ الإعلان الدستوري لاحقا بسبب ما تعتبره تغييباً للواقع التعددي للمجتمع السوري ولدور المكوّن والثقافة الكردية داخل الدولة السورية المقبلة. كما أن “قسد” رفضت (و “الإدارة الذاتية” و “مجلس سوريا الديمقراطية”) المشاركة في الحكومة السورية الجديدة، بحيث جاء التمثيل الكردي في الحكومة من خلال وزير مستقل.
وجرى تشكيل الحكومة في غياب اتفاق مع كافة التيارات التي تمثّل المجتمع الدرزي في محافظة السويداء جنوب سوريا. وكانت المكوّنات الدرزية انقسمت بين موقف معارض لأي انخراط كامل داخل مؤسسات الدولة السورية من دون وضوح دستوري في النصّ والممارسة يضمن حقوق الدروز وأمنهم ومشاركتهم في مؤسسات الدولة لا سيما الأمنية منها. فيما أبدت تيارات أخرى استعدادها للتعاون مع الدولة في ردّ فعل على ظهور أعراض تجاوب داخل الطائفة مع عروض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لحماية الدروز في سوريا والترخيص لهم بالعمل داخل إسرائيل. وتمثلت هذه الأعراض بقيام وفد من مشايخ الدروز في 14 مارس 2025 بزيارة وصفت بالدينية، هي الأولى منذ 50 عاماً، إلى الجولان السوري المحتل شملت لقاء مع الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف. وقد ضمت الحكومة الجديدة وزيرا درزيا من المستقلين.

خطة الحكومة وسماتها:

تمثل الحكومة الجديدة مشهدا رسميا جديدا يلاقي تطلعات عواصم الخارج لتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الجديد. ومن المتوقع أن تحظى الحكومة بترحيب خارجي، عربي خصوصا، ما من شأنه تحسين سمعة سوريا عامة والدفع بشروط رفع العقوبات الدولية، وخصوصا الأميركية. لكنه من المستبعد مع ذلك رفع هذه العقوبات نهائيا في القريب العاجل قبل تنفيذ دمشق سلسلة من الشروط والسياسات.
وقد ضع الرئيس الشرع خريطة طريق وخطّة للحكومة التي يترأسها بصفته رئيسا للبلاد في نظام سياسي رئاسي وفق ما ينصّ عليه الإعلان الدستوري. وتقوم خطة حكومته المفترض أن تستمر 5 سنوات وفق مدة الفترة الانتقالية التي نصّ عليها الإعلان الدستوري على العناوين التالية:
1-بناء دولة جديدة من خلال السعيّ لإعادة بناء مؤسساتها على أساس المساءلة والشفافية، وسوف تسعى إلى فتح آفاق جديدة في التعليم والصحة، ومكافحة الفساد ومنع تسلله إلى المؤسسات.
2-اعتماد الخطّة على محاور من بينها الحفاظ على الموارد البشرية وتنميتها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس من الشفافية، ومعالجة القضايا المعيشية، إضافة إلى مواصلة معالجة الوضع الأمني.
3-تستند الخطة على تطوير التعليم والجامعات وربط التوجهات مع حاجة السوق واستقطاب الموارد البشرية السورية في الخارج.
4-تقوم الخطة على تنمية الزراعة ورعاية المزارع، وتأهيل الصناعة وحماية المنتج المحلي وتخفيف الضرائب.
5-تقرّر دمج وزارات النفط والثروة المعدنية، والكهرباء، بوزارة واحدة تحت مسمى وزارة الطاقة، بهدف تسريع التعامل مع التحديات المختلفة.
6-إنشاء بيئة استثمارية لجذب الاستثمارات، وإصلاح النقد والحفاظ على العملة السورية.

تكشف تشكيلة الحكومة الجديدة عن احتفاظ سلطة ما بعد سقوط النظام، أي “هيئة تحرير الشام” بحقائب سيادية ثلاث هي وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية. واعتبر مراقبون أن الأمر ليس مفاجئا ولطالما احتفظت النواة الحاكمة في الدول غير المستقرة بتلك الحقائب.
واحتفظ وزيرا الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة، المقربين من الرئيس الانتقالي، بمنصبيهما في الحكومة.
كما تم تعيين رئيس المخابرات العامة أنس خطاب، وهو قريب أيضاً من الشرع، وزيراً للداخلية، ومظهر الويس وزيرا للعدل. وعين رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير وزيرا للطاقة.
كما كلّفت هند قبوات، وهي مسيحية ومعارضة للرئيس المعزول بشار الأسد، بحقيبة الشؤون الاجتماعية والعمل. وظهرت انتقادات لاقتصار التمثيل النسائي على وزيرة واحدة. وتم تعيين رائد الصالح رئيس منظمة الخوذ البيضاء التي تولت عمليات الإنقاذ في مناطق سيطرة المعارضة سابقاً، وزيراً للطوارئ والكوارث.
شملت الحكومة الجديدة تعيين يعرب بدر، وهو علوي، وزيرا للنقل، في حين تم اختيار أمجد بدر الذي ينتمي للطائفة الدرزية لتولي منصب وزير الزراعة.
ولفت المراقبين تعيينُ كفاءات مهنية عالية مثل محمد يسر برنيه وزيرا للمالية، ونضال الشعار وزيرا للاقتصاد (كان وزيرا في العهد النظام السابق)، وعبد السلام هيكل وزيرا للاتصالات، و محمد عبد الرحمن تركو (كردي)، وزيرا للتربية والتعليم.
وسُجل أيضا أن القسم الأكبر من الوزراء هم من الجيل الشاب نسبيا بما يرفد الحكومة برشاقة ويجعلها على تماس مع شروط العصر والحداثة في المفاهيم والمعايير وقواعد العمل في عصر التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.

خلاصة واستنتاجات:

**تستجيب الحكومة السورية لشروط الكفاءة بحيث ظهرت وجوه مشهود لها بالحرفية العالية ولها تجاربها في داخل البلاد وخارجها.
**تشمل الحكومة تمثيلا للمكوّنات القومية والطائفية بما يلبي مواقف وضغوط عربية وإقليمية ودولية طالبت الحكم الجديد بتوسيع الحكم ليشمل أعرض قاعدة اجتماعية سورية.
**تقدم الحكومة مشهد تمثيل للمكوّنات قد لا يلبي مطالب المكوّن الكردي والدرزي اللذين بقي تمثيلهما مقتصرا على شخصيات مستقلة..
**احتفظ الشرع وهيئة تحرير الشام بالسيطرة على الحقائب السيادية الأساسية، فيما تولى بعض الحقائب الأخرى وزراء يدورون في فلك الرئيس الشرع.
**يسجل للحكومة أن قسما كبيرا من وزرائها هم من الجيل الشاب نسبيا ما ويجعلها على تماس مع شروط العصر وقواعد العمل في عصر التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.
**تضمنت الحكومة شخصيات سبق لها العمل في حكومات النظام السابق ما يعكس الحرص على الكفاءة والخبرة وعدم القطع مع الإدارة السابقة.
**وجهت انتقادات إلى تواضع تمثيل المرأة في الحكومة التي اقتصر تمثيلها على وزيرة واحدة من ضمن فريق من 23 وزيرا.
**تعتبر الحكومة خطوة على طريق تحسين سمعة سوريا في المحافل الدولية وحسن علاقتها مع العالم، مع استبعاد الرفع الكامل للعقوبات في القريب العاجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.