الحالة الفلسطينية المأزومة وخيارات اليوم التالي للحرب
نهاد أبو غوش ، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف :
تقديم: منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ردا على عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أوكتوبر 2023، لا تخلو تصريحات المسؤولين الأميركيين واتصالاتهم السياسية من حديث عن سيناريوهات ما بعد الحرب على غزة. ويستحوذ هذا الموضوع على نقاشات وتصورات السياسيين والمحللين منذ الأيام الأولى للحرب.
– على الرغم من التقارب الظاهري في المداولات محليا وإقليميا ودوليا، الا ان السيناريوهات تطرح في سياقين متعارضين ومتنافرين، فإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، تطرح السيناريوهات كامتداد للحرب نفسها، كأنها الحلقة الرابعة من الحرب التي بدأت بالقصف الجوي ثم العملية البرية ثم العمليات المركزة والتطهير والتمشيط وصولا إلى السيناريوهات الأمنية والعسكرية التي تريد إسرائيل فرضها بالقوة بوصفها حصادا لما فعلته آلة القتل والتهجير والتدمير. وفي هذا السياق تطرح أفكار وسيناريوهات مثل التهجير إلى خارج القطاع ( نتنياهو ورئيس الأركان هرتسي هليفي). أو التهجير الداخلي، وتنصيب هيئة مدنية فلسطينية، وتسليم غزة لممثلي العشائر، بل تُطرح أفكار من قبيل الوصول إلى غزة من دون بشر (غيورا آيلاند)، وتحويل القطاع إلى حديقة قومية إسرائيلية، وخانيونس إلى ملعب لكرة القدم (آييلت شاكيد)، وهذه الأفكار يجري إعادة تكييفها بناء على نتائج العمليات في الميدان وردود الفعل الإقليمية والدولية كالرفض المصري والأردني ثم الأميركي الحاسم لخطط التهجير.
– مقابل ذلك يغيب الطرح الفلسطيني الموحد إلا من تعبيرات خجولة عن استعداد السلطة تسلم مسؤولياتها في غزة “ضمن حل سياسي شامل كما قال الرئيس محمود عباس، وعن تجديد منظمة التحرير وإصلاحها وضم منظمتي حماس والجهاد الاسلامي كما في مقال سلام فياض أواخر اوكتوبر الماضي. وثمة افكار أولية أخرى عن تشكيل قيادة جماعية، أو هيئة انتقالية، وهي ما زالت مجرد أفكار عامة يتم تداولها بين العواصم، لكنها لم تنتقل بعد لتكون خيارا سياسيا تعمل عليه قوى ومنظمات فلسطينية سياسية ومجتمعية في وجه مشاريع التصفية والوصاية الإسرائيلية والأميركية.
– أما الأفكار العربية فتراوح بين الأفكار التقليدية التي كانت قائمة قبل الحرب ومحاولة اللقاء مع الأفكار الأميركية التي طرحها الرئيس جو بايدن في مقاله في 20 نوفمبر الماضي عن “سلطة فلسطينية متجددة” تحكم الضفة وغزة في نهاية المطاف.
تحليل:
• من الواضح أن هذه المشاريع تنطلق من فرضية أن نتائج الحرب سوف تؤدي إلى إنهاء حكم حماس (الحركة عرضت تسليم غزة لهيئة من الفصائل الفلسطينية العام 2017 مع تمسكها بسلاح المقاومة). ومن الناحية الضمنية ثمة تسليم أن حماس الحركة السياسية لا يمكن استئصالها والقضاء عليها كما أقر بذلك مسؤولون وقادة إسرائيليون مثل ايهود باراك. ولكن حتى الآن لم تظهر القوى الفلسطينية إرادة في التوحد على موقف واضح وبرنامج حد أدنى، يقطع الطريق على الخيارات الإسرائيلية ويستقطب دعما دوليا، ويفرض نفسه خيارا رئيسيا يُتوّج بالاحتكام للشعب وصناديق الاقتراع.
• حملت زيارة بلينكين الأخيرة للمنطقة بعض الإشارات الإيجابية التي لا يقلل من أهميتها تكرار الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل وتبني الرواية الإسرائيلية عن حق الدفاع عن النفس واستخدام المقاومة للمدنيين كدروع بشرية، من هذه الإشارات معاودة التأكيد على خيار الدولة الفلسطينية، والدعوة إلى عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة وتكليف الأمم المتحدة القيام بذلك. يضاف هذا إلى مواقف سابقة ترفض إعادة احتلال قطاع غزة أو تقليص مساحته، فضلا عن الحديث عن سلطة فلسطينية واحدة للضفة وغزة معا.
• غياب الموقف الفلسطيني الموحد يضعف القدرة على التاثير في السيناريوهات القادمة التي لا تقل أهمية وخطورة عن مراحل الحرب الدموية، وموقف السلطة الانتظاري العاجز لا يقنع أحدا، بينما الأداء الميداني العالي المستوى لحركة حماس لا يقابله أداء سياسي مرن قادر على استيعاب التغيرات الهائلة والتاثير في معادلات المستقبل.
• ثمة عقبات وحسابات فلسطينية ضيقة ، تمنع التوافق على أداة سياسية فاعلة تتجاوز الحالة المترهلة والغائبة عن الحركة السياسية والدبلوماسية الجارية ، والذي يبدا عمليا من الحاجة الفلسطينية قبل الاملاءات الخارجية لتجديد النظام السياسي وإعادة تأهيله للقيام بخطوات عملية ، تبدا بتشكيل حكومة توافق وطني بمهام وصلاحيات كاملة ، ولفترة انتقالية، من أولى مهامها، وقف الحرب وإعادة إعمار قطاع غزة المنكوب، وإعداد البلاد لانتخابات تشريعية يتلوها إعادة احياء المنظمة وتوسيع التمثيل السياسي داخلها، وإنهاء التسلط والتفرد ومعالجة الاضرار البالغة التي لحقت بالنظام السياسي جراء الغاء الفصل بين السلطات وتقويض السلطة القضائية ومصادرة استقلالها.
• وفي التقدير أيضا ان الاستجابة لاطروحة ان المسالة الجوهرية الان هي وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وان الوقت ليس وقت الحديث عن حلول سياسية جذرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو الوقوع في ذات الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت بها القيادة الفلسطينية في اتفاقات أوسلو وما تلاها. وان على الحكومة الفلسطينية الجديدة، ان لا تقبل التكليف، الا بضمانات ملزمة من مجلس الامن والجامعة العربية، بان يكون سقف الصفقة هو حل سياسي دائم ، فحجم الكارثة الفلسطينية وحرب التطهير العرقي التي تشنها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، اسفرت عن صحوة دولية وعربية على جوهر الصراع وهو استمرار الاحتلال، وحان الوقت لوضعه على طاولة الحلول.