التطورات الراهنة فى ليبيا: نحو اعادة بلورة خريطة ميدانية وسياسية جديدة
عدنان موسى *
مركز تقدم العربي للسياسات
شهدت العاصمة الليبية طرابلس صراعات مستمرة خلال الأسابيع الماضية، حيث اندلعت النزاعات المسلحة بين عدة مليشيات محسوبة على حكومة الوفاق مما أثار تساؤلات عديدة حول مدى سيطرة المجلس الرئاسي على تلك المليشيات ومستقبل أى استحقاق انتخابي محتمل، خاصةً مع فشل البرلمان فى شرق ليبيا فى حسم الإتفاق حول المسار الدستوري المحدد لتلك الانتخابات، لذا تسعى هذه الورقة الى قراءة في خارطة المليشيات المنتشرة فى غرب ليبيا، مع تحليل لدور الأطراف الخارجية من حلحلة الصراع الدائر فى ليبيا، مع وضع رؤية استشرافية لمستقبل الأزمة الليبية فى ضوء التطورات الميدانية والسياسية الراهنة.
أولاً: خريطة موازين القوى فى غرب ليبيا (طرابلس)
وصلت حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس في مارس 2016، ولم يكن لديها أي جهاز أمني، ومن ثم عملت على التفاوض مع أي مجموعات مسلحة تريد أن تكون في جانبها. وانتقلت حكومة الوفاق الوطني إلى مقراتها في سوق الجمعة في شمال طرابلس، مما أسس لتوازن قوى غير مستقر، حيث تمكنت المليشيات من اكتساب مزيد من القوة والسلطة على السكان في غرب ليبيا.[1]
على الرغم من تغير تشكيل تحالف المجموعات المسلحة في طرابلس عبر الزمن في ظل وجود مئات المليشيات المسلحة، أربعة منها فقط هي المسيطرة بصورة مستمرة. تعمل هذه المجموعات المسلحة الأربعة كقوة شرطة وجهاز جمع معلومات مخابراتية، وفي أوقات أخرى قوات مقاتلة. وتقوم هذه المجموعات بعمليات القبض وتنفيذ مداهمات لمنع العمليات الإرهابية والأنشطة الاجرامية ومنع الهجمات من جانب المليشيات المتشددة في المنطقة، وتتمثل تلك المجموعات الأربع فيما يلي:
- قوة الردع الخاصة: بقيادة عبد الرؤوف كارة، وتسيطر هذه القوة على شمال العاصمة طرابلس وكذلك على سجن أبو سالم، وتعتبر قوة الردع الخاصة أكثر الميليشيات تأثيراً وقوة في طرابلس.
- كتيبة النواصي:بقيادة مصطفي قدور، تسيطر الكتيبة على بعض المناطق شمال طرابلس، وهى مجموعة إسلامية يقودها عبدالغني الككلي، ومعروف عنها سعيها للسيطرة على البنية التحتية الحيوية.
- كتيبة شهداء أبو سليم:تسيطر كتيبة شهداء أبو سليم على المناطق في الشمال والمناطق المحيطة بها، يقود كتيبة شهداء أبو سليم عبد الغني الككلي، وتعتبر نفسها قوة مكافحة للجريمة، وتقومبمداهمات لمكافحة المخدرات والكحوليات على الأراضي التي تسيطر عليها.
- كتيبة ثوار طرابلس:بقيادة هيثم التاجورى، تسيطر على مناطق عين زارة والمناطق الساحلية الغربية، وتعتبر كتيبة ثوار طرابلس واحدة من أكبر المليشيات في طرابلس بسبب أعداد المنضمين تحت لوائها وقدراتها العسكرية.
- لواء المحجوب:وهي كتيبة تابعة للمجلس العسكري بمصراتة، بالتحديد للبنيان المرصوص، مكلفة بحماية مبنى رئاسة الوزراء الواقع بطريق السكة وسط طرابلس وتعد من أحد أبرز المليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس تتكون من حوالي 1000 عنصر وقائدها مجهول الهوية.
وإلى جانب تلك المليشيات التى تتبع المجلس الرئاسي (حكومة الوفاق) فى طرابلس، هناك عدد من المليشيات التى توالى اسميا المؤتمر الوطني العام، فعملية فجر ليبيا كانت عبارة عن تحالف للمجموعات المسلحة الموالية لبرلمان المؤتمر الوطني العام في عام 2012 والتي كانت لها روابط قبلية،
ثانياً: مشهد الصراع على العاصمة طرابلس( السياقات والمآلات)
منذ 26 أغسطس 2018 تشهد العاصمة اشتباكات مسلحة متصاعدة، توقفت في 4 سبتمبر 2018 بعد وساطة الأمم المتحدة، إلا أن الاشتباكات ما لبثت أن عادت من جديد مرة أخرى، وكشفت “إدارة شؤون الجرحى” التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس عن ارتفاع أعداد ضحايا اشتباكات جنوبي طرابلس لتكون حصيلة القتلى 115 شخصا و560 مصاب منذ بداية الاشتباكات.
وفى 21 سبتمبر 2018، أعلنت المجموعات المسلحة الموجودة فى العاصمة طرابلس عن اطلاق عملية عسكرية جديدة، تم تسميتها بـ “عملية بدر” هدفها طرد اللواء السابع مشاة ولواء الصمود خارج العاصمة.[3] وضمت تلك العملية كلا من مليشيا قوة الردع والأمن المركزي أبوسليم وكتيبة ثوار طرابلس وكتيبة النواصي، كما أنضم إليها لاحقاً قوات البنيان المرصوص بمصراته، فى المقابل، نفي قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، وجود أى علاقة للقيادة العامة للجيش بالاشتباكات الدائرة فى طرابلس.[4]
وأثارت فكرة دعم التيار المتطرف فى مصراتة للواء السابع العديد من التساؤلات حول تبعية اللواء، خاصةً مع تناقض مكونات هذا التحالف، إذ ينتمي “ثوار مصراتة” إلى تيار المفتي المقال صادق الغرياني، بينما يتكون اللواء السابع، القادم من ترهونة، من مجموعة ضباط مواليين لنظام القذافي. خاصة مع تناقض مكونات هذا التحالف، اذ ينتمي “ثوار مصراتة” إلى تيار المفتي المقال، يضاف لذلك، أن مصراتة محسوبة على المدن التى قادت عملية الاطاحة بنظام القذافي، بينما تعتبر ترهونة من المحسوبين على التيار الذى ظل داعما للقذافي حتى النهاية.[5]
ولجأت خكومة الوفاق، بعدما فشلت فى تهدئة الوضع الراهن فى طرابلس، لطلب الوساطة من عمداء البلديات والمشايخ والأعيان فى كل مدن ليبيا، كما دعا المجلس الرئاسي، المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإتخاذ إجراءات أكثر حزماً بشأن القتال في طرابلس وحماية المدنيين.[6]
ثالثاً: خريطة القوى الدولية المتنافسة فى ليبيا
يمثل التنافس الدولى أحد أهم المحددات الرئيسة فى تعقيد وتشابك الملف الليبي والحيلولة دون الوصول الى تسوية سياسية له، فإلى جانب الدور الإقليمي البارز فى هذا الملف، تشهد ليبيا زخماً دولياً لفرض أبعاد التسوية المناسبة التى تضمن مصالح كل طرف من الأطراف.
- إيطاليا: تسعي إيطاليا الى تثبيت أقدامها فى ليبيا، مع محاولة إيجاد موطأ قدم لها من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، مستغلة فى ذلك التقارب الكبير فى توجهات الحكومة الشعبوية الحالية فى روما مع توجهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالإضافة إلى عزم رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبي كونتي لعقد مؤتمر حول ليبيا فى روما، فى نوفمبر القادم، أكد كونتي فى زيارته إلى واشنطن فى أغسطس 2018 على الإتفاق مع ترامب على تولي روما للملف الليبي.
وإلى جانب ذلك، شرعت روما فى إتخاذ خطوات عملية نحو تنفيذ خطة أوروبية، تتضمن إنشاء نقاط مراقبة قرب الحدود الليبية الجنوبية، وجاءت تلك التطورات بالتوازي مع تحركات إيطالية مماثلة فى النيجر، غرب ليبيا، والتى تنوي أن تفتتح روما هناك قاعدة عسكرية لها مطلع العام 2019، وهو ما سينعكس فى تعزيز التواجد الإيطالي فى ليبيا ومحيطها.[7]
وفى نفس السياق، نجحت إيطاليا فى التنسيق مع مصر حول التطورات فى ليبيا، من خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الإيطالى إلى القاهرة، حيث تم الإعلان المشترك عن توافق جديد حول ليبيا بين القاهرة وروما، وعن قرب اجتماعات دورية بين الجانبيين للتنسيق المشترك فى هذا الملف.[8]
ويبدو أن إيطاليا ومن خلال التحركات الأخيرة فيما يخص الملف الليبي، فإنها بذلك تمنح فرصة للمعسكر الشرقي والداعمين له، خاصة وأن التقارب مع أمريكا، قد يؤدي إلى تأجيل الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية عن الموعد المحدد سلفا، في ظل انتظار مخرجات هذا المؤتمر المزمع عقده.فحفتر دائما ما يلوح بالحل العسكري في ليبيا، كبديل لعدم حل الخلافات بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهو ما تجدد عقب السيطرة على مدينة درنة بعد حصارها لما يزيد عن عامين.
- فرنسا: فى المقابل تسعى فرنسا الى التمسك بدورها فى الملف الليبي، أنعكس ذلك من خلال تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الذى أكد تمسك بلاده بمخرجات اجتماع باريس الذى انعقد فى مايو الماضي بين أطراف الأزمة الليبية الرئيسيين، وتعمل باريس من خلال حلفائها من القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط على ضمان مصالحها فى ليبيا، واستمرار دعمها لقوى شرق ليبيا (حفتر).
وقد اجري وزير الخارجية الفرنسي خلال الأسابيع الماضية جولة شملت ليبيا وتونس ومصر، أجرى فيها مباحثات حول إمكانية إجراء الانتخابات الليبية أواخر هذا العام، وصرّح عدّة مرات خلال هذه الجولة أن إيطاليا كانت ممثلة في مؤتمر باريس الأخير، ووافقت على كل مخرجاته بما فيها مبدأ إجراء الانتخابات اواخر العام.
ويتوقع ان يزور الرئيس الفرنسي مصر خلال الأسابيع المقبلة لبحث الملف الليبي مع القيادة المصرية، وهي زيارة يعوّل عليها كثيراً في تحديد اتجاه التحرّك الفرنسي خلال الفترة القادمة.
ويعكس الملف الليبي احد ابعاد التنافس الفرنسي الايطالي، فبعد التصريحات الهجومية المتبادلة التى اطلقتها كلا من روما وباريس خلال الأشهر الماضية، اعتبر وكيل وزارة الشؤون الخارجية الإيطالي غوليلمو بيكي أن إجراء الانتخابات الليبية في العاشر من ديسمبر المقبل أمر غير واقعي، جاء ذلك تعليقاً على تصريح للرئيس الفرنسي ماكرون أكد فيه على موقف فرنسا لدعم الليبيين للمضي قدماً في تنفيذ بنود إتفاق باريس الأخير بين الأطراف الليبيين والقاضي بإجراء الانتخابات في العاشر من ديسمبر من هذا العام .اذ لا تزال إيطاليا تعمل على حشد التأييد الدولي لتأجيل الانتخابات، بذريعة أن الأوضاع الحالية لا تسمح بإجرائها، وهو ما يتعارض مع الموقف الفرنسي الداعي إلى تنظيم انتخابات قبل نهاية العام.
- الولايات المتحدة:على الرغم من عدم الوضح التي سيطرت على الدور الأمريكي تجاه ليبيا بعد تولي ادارة الرئيس الامركي دونالد ترامب، خاصة بعد تصرح الاخير خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق “باولو جينتيلوني” في ابريل 2017، بأنه لا يرى دورًا لأمريكا في ليبيا، الا انه يمكن تحديد ملامح الدور الأمريكي في ليبيا خلال الإدارة الجديدة من خلال عنصرين رئيسيين: أولوية التخلص من داعش في ليبيا، و الدفع في طريق التسوية السلمية، من خلال الاعتماد على حلفاء واشنطن الاقليمين فى ادارة هذا الملف.
ورغم اعتماد الادارة الامريكية فى السنتين الماضيتين على باريس وبعض الاطراف الاقليمية فى ادارة الملف الليبي بالوكالة عنها، الا ان التفاهمات الأمريكية مع إيطاليا مؤخرا، تعكس وجود رؤية جديدة في التعامل مع الملف الليبي، خاصة وأن روما تروج بوجود تفويض أمريكي لها بالتعامل مع هذا الملف خلال الفترة المقبلة.
رابعاً: مستقبل الملف الليبي فى ضوء التطورات السياسية والاستراتيجية الراهنة
فشل برلمان طبرق خلال الاسابيع الماضية فى الوصول الى النسبة المطلوبة للتصويت على الدستور الليبي الجديد، والاتفاق على خارطة الطريق التى تم الوصول اليها خلال اجتماع باريس فى مايو 2018، وهو ما يحمل مؤشرات ودلالات هامة حول ملامح الفترة المقبلة للملف الليبي، التى يرجح ان تشهد استمرار التوتر على المستوى السياسي والميدانى، مع تعقد سبل الوصول الى اجراء الانتخابات المرتقبة فى سبتمبر 2018، خاصة مع اتفاق عدة اطراف دولية، فى مقدمتهم الولايات المتحدة وايطاليا، على ابرام مؤتمر روما فى نوفمر 2018، وهو ما سيمثل محدد رئيسي لملامح وآفاق الوضع العام للملف الليبي.
فى المقابل، ربطت بعض التقارير الدولية بين الصراع المشتعل فى طرابلس وبين اعلان سيف القذافي (نجل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي) عن حملته الانتخابية استعدادا للاستحقاق الانتخابي المزمع عقده قبل نهاية العام الجاري، والتى اعلن عنها تحت شعار “مانديلا ليبيا” حيث اشارت تلك التقارير الى احتمالية تبعية المليشيات التى اثارت النزاعات الراهنة فى طرابلس الى حملة القذافى الابن، فى محاولة الى كسب اوراق على الارض تدعم موقف سيف القذافى فى الانتخابات المقبلة، مع توجيه رسالة الى كافة الاطراف الداخلية والخارجية باستمرار وجود قوة داعمة لنظام سبتمبر قادرة على استعادة السيطرة على ليبيا من جديد. فى المقابل ربطت تقارير موازية بين صراع المليشيات القائم فى طرابلس ومحاولة ابعاد انصار النظام السابق عن المشهد، والحيلولة دون عودة انصاره (وفى مقدمتهم ابن الرئيس السابق) الى الحكم من جديد.
وهناك غياب لأى معلومات دقيقة ومؤكدة حول حقيقة التطورات الراهنة فى طرابلس، وتبعية كل فريق من الاطراف المتصارعة لامكانية وضع مؤشرات محتملة لمستقبل هذا النزاع، الا ان قراءة المتاح من متغيرات وتطورات تعكس وجود اطراف دولية واقليمية محركة لما يجري فى طرابلس، لتهيئة الوضع الداخلي لخطة معدة سلفاً، فروما من مصلحتها عرقلة الاجواء الداخلية فى ليبيا للحيلولة دون تحقيق سيناريو الانتخابات خلال العام الجاري تمهيدا لعقد مؤتمر روما فى نوفمبر القادم، وفى المقابل، فباريس يهمها استمرار اضعاف موقف حكومة الوفاق من خلال حروب المليشيات الدائرة فى الغرب وهو ما يدعم موقف حليف فرنسا حفتر، والى جانب الدور الدولي فى ليبيا، فالاطراف الاقليمية باختلاف توجهاتها تلعب التطورات الراهنة بايجابية لخدمة مصالحها. بالاضافة لذلك، لا يمكن اغفال دور تركيا وقطر المحرك الرئيسي والأول للجماعات الارهابية المسلحة فى ليبيا، بالتالى فكثرة المنتفعين وتضارب المصالح يجعل عملية الوصول الى سيناريو مرجح أمراً بالغ الصعوبة.
خلاصة القول :
يشهد الملف الليبي حراكا قويا على المستوى السياسي والمستوى الميدانى، ورغم وضوح خريطة القوي وانقسامها بين شرق وغرب، الا ان التحركات الاخيرة تبيء بمتغيرات هامة يمكن ان تطرأ على مجمل المشهد الليبي، لكن تبقي الكلمة العليا فى هذا الملف فى يد اطرافاً اقليمية ودولية تمثل المحدد الرئيسي فى انجاح او افشال اى خارطة مستقبلية.
[1] يوسف التاجوري و إيرين نيل، خريطة المليشيات المسلحة في طرابلس، مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط، يوليو 2018.
[2]المصدر: خرائط حروب الشرق الاوسط: https://twitter.com/abduljabbar1612?lang=ar
[3] https://www.dostor.org/2330438
[4] عبد العزيز الرواف وخالد أبو الخير، مليشيات مصراته تدخل على خط الاشتباكات العنيفة في طرابلس الليبية، متاح على الرابط التالى:
https://www.eremnews.com/news/arab-world/1505595
[5] الصراع على طرابلس يدفع تيارات متناقضة للقتال في خندق واحد، متاح على الرابط التالى:
[6] عبدالباسط غبارة، أزمة العاصمة الليبية: بين التصعيد والبحث عن حلول،متاح على الرابط التالى:
[7] http://www.almayadeen.net/news/politics/898478/الكباش-الإيطالي—الفرنسي-في-ليبيا
[8] http://katehon.com/ar/news/sr-wrwby-shrs-l-lyby-tfsyl-sdm-n-lsr-ldyr