التداعيات الداخلية للهجوم الإسرائيلي السيبراني على لبنان

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم:

وصف معلقون في لبنان الهجوم السيبراني الذي نفذته إسرائيل، في 17 سبتمبر 2024 وأدى إلى تفجير آلاف أجهزة الاتصال (بيجر) التي يمتلكها حزب الله، بـ “11 سبتمبر لبناني”. أحدث الهجوم مصابا عاما في البلاد ومصابا واسعا لدى الطائفة الشيعية في لبنان. وقد أشعل الحدث جدلا داخليا بشأن مستقبل الحرب ومستوى الاختراق الأمني داخل صفوف الحزب. وأبرز الحدث ظواهر متعدّدة على المستوى السياسي والمجتمعي ناهيك من استعار النقاش داخل الإعلام التقليدي والاجتماعي.

نرصد هذا الجدل بالتوقف عند التفاصيل والتطوّرات التالية:
– عقب عملية تفجير جماعي لأجهزة الاتصال (بيجر) التي يحملها عناصر حزب الله، أصدرت كافة التيارات السياسية اللبنانية، بما فيها المناوئة لحزب الله بيانات ومواقف تندد بالهجوم وتعتبره مصابا لبنانيا جماعيا. وبغضّ النظر عن الديباجات التضامنية، غير أن الأمر لم يبدّل من الاصطفافات والانقسام السياسي بشأن الحرب التي يخوضها حزب الله منذ 8 اكتوبر 2023.
– أظهر الحدث انهيار المنظومة الصحية اللبنانية وعدم قدرتها على استيعاب آلاف الجرحى المتدفقين على المستشفيات في وقت واحد، ما فتح نقاشا جديدا بشأن قدرة البلد الذي تتدهور بناه التحتية على تحمل حرب كبرى تتوعد بها إسرائيل ويدفع باتجاهها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
– كان لافتا بروز دور “الدولة” بكافة أجهزتها ومؤسساتها السياسية والأمنية، كما تحرّك وزارة الصحة في التعبير الشفاف عن واقع الأضرار، وحقيقة الخسائر، كما إدارة الاستنفار العام لدى المستشفيات الحكومية والخاصة. وقد تحرّكت ممثلية لبنان في الأمم المتحدة وسط دعوات تطالب بتحقيق دولي. وأحيت مشاهد التدافع إلى المستشفيات ذكريات المشهد نفسه بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020.
– بالمقابل ظهر ارتباك عام في إدارة الأزمة لدى حزب الله في الساعات الأولى للهجوم، خصوصا بعد توارد أنباء عن سقوط قتلى في صفوف مقربين من قيادات الحزب. وقد عاجل الحزب الرأي العام بخبر يؤكد عدم تعرّض أمينه العام لأي ضرر، خصوصا بعد تأكيد مصادر طهران إصابة السفير الإيراني في بيروت بجراح خطيرة جراء انفجار جهاز اتصال مماثل.
– الهجوم استهدف الموجات التي يستخدمها حزب الله ولم تشمل الموجات التي تعمل وفقها أجهزة أخرى تستخدم في قطاعات مدنية أخرى. وقد أصاب الهجوم كافة المناطق التي يتواجد فيها الحزب في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع وسوريا. وأحدث الهجوم هلعا عاما من مغبة التواجد في أي مكان يتواجد فيه عناصر للحزب.
– الهجوم استهدف حزب الله لكن الخسائر استهدف الطائفة الشيعية التي انشغلت بإسعاف آلاف من الجرحى المنتمين إلى آلاف من العائلات في مئات من مدن وقرى وأماكن التواجد الأهلي الشيعي في البلاد. وتظهر صدمة هذا المصاب الجماعي في حالة الذهول التي أصابت الشرائح الاجتماعية الشيعية المناوئة للحزب. واعتبر كثير من المعلقين أن الهجوم هو بمثابة “11 سبتمبر” لبناني و “جريمة حرب”.
– أشعل الحدث نقاشاً جديدا بشأن مستوى الاختراق الأمني الذي حققته إسرائيل داخل صفوف الحزب وصفوفه القيادية. ولفتت بعض التحذيرات إلى أن عملية اختراق أجهزة الاتصال المفترض أنها بديلة عن الهواتف الذكية قد تنسحب على قطاعات عسكرية أخرى منها الصواريخ والأسلحة المتقدمة التي يمتلكها الحزب.
– يرجَّح أن عملية الاختراق تمّ الإعداد لها على نحو معقّد يشمل جهات التصنيع والنقل والتسليم، ما يسلط الضوء على سلاسل التوريد التي يعتمدها الحزب. ويرجّح أن العملية منفصلة عن أي حرب تخطّط لها إسرائيل ضد الحزب وإن كانت تترك آثارا مربكة في صفوفه.
– أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي انقساما حادا لا يعبّر عن البيانات والمواقف الرسمية التضامنية التي صدرت عن التيارات السياسية. وفيما اتهمّ أنصار الحزب خصومهم بالشماتة والتواطؤ، أظهر الخصوم رسائل تحمّل الحزب مسؤولية التدهور الداخلي في لبنان وجاءت كثير من المضامين تصب زيتا على نار الحدث.
– على الرغم من إصدار الحزب بيانا يهدد بـ “القصاص العادل”، غير أن منابر وشخصيات قريبة من “الثنائي الشيعي” رجّحوا عدم تجاوز أي ردّ “قواعد الاشتباك” المعمول بها منذ 11 شهراً، بغية عدم إعطاء إسرائيل ذريعة إضافية لتنفيذ نزوعها نحو “توسيع العمليات” على الجبهة الشمالية بعد المصادقة على “إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم” كهدف من أهداف الحرب”.
– يردد مقربون من الحزب أن عملية الهجوم السيبراني التي نفّذتها إسرائيل هي “جزء من سياق المعركة” وليست تحوّلا يرقى إلى مستوى الحرب. ويعتقد أن الحزب سيتعامل مع الأمر على هذا الأساس.
– يميل مقربون من الحزب إلى ترجيح التزام الحزب بمقاربة إيران التي لم تردّ على اغتيال اسماعيل هنيّة رغم الوعد بذلك، “لأنها لا تريد تقديم هدايا لنتنياهو”، وفق الرواية المتداولة. ويرى هؤلاء أن خطاب الرئيس مسعود بزكشيان المنفتح على الغرب والولايات المتحدة يتطلّب عدم انخراط إيران والحزب في لبنان بحرب شاملة.
– ظهر المعارضون لحزب الله على وسائل الإعلام مكررين اتهام الحزب بجرّ لبنان إلى حرب، مطالبين بوقف الحرب وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة وتنفيذ القرار الأممي 1701 والذهاب إلى مفاوضات لترسيم الحدود البريّة والاستفادة من وساطة المبعوث الرئاسي الأميركي، أموس هوكشتاين، الذي سبق أن رعى اتفاق ترسيم الحدود البحرية. ويثبت هذا النقاش أن الهجوم السيبراني سيسبب مزيد من الضغوط على الحزب في هذا الصدد.
– يسود الاعتقاد في بيروت أن الهجوم السيبراني الإسرائيلي استهدف إحدى أساليب الإتصال وأن تلك المتعلقة بالقدرات العسكرية لم تصبّ. ويرجّح أن الهجوم كان يستهدف إرباك الحزب وضرب معنوياته وليس النيل من موارده وقواه العسكرية الإستراتيجية.

خلاصة:

**أحدث الهجوم السيبراني الذي نفّذته إسرائيل هلعا مجتمعيا وسياسيا شاملا في لبنان، وإرباكا داخل صفوف حزب الله، و “نكبة” داخل الطائفة الشيعية.
**أشعل الحدث نقاشا بشأن مستوى الاختراق الأمني الخطير داخل حزب الله والذي تسبب باستهداف مئات من كوادر وقيادات الحزب منذ بدء المواجهات، وصولا إلى التدمير الشامل لإحدى منظومات الإتصال لدى الحزب.
**من المستبعد أن يكون الهجوم قد أصاب بنية الاتصالات العسكرية الأساسية للحزب، وبالتالي فإن الأمر لا يغيّر من مستوى قدرات الحزب العسكرية العامة.
**تُرجح منابر قريبة من الحزب أن يبقى الردّ وفق “قواعد الاشتباك” ومتّسقا مع المقاربة التي ترسمها إيران والتي تميل إلى عدم الإنجرار نحو حرب شاملة يريدها نتنياهو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.