التحدي الأكبر لكينيا والسودان ميناء جديد لدولة جنوب السودان في جيبوتي
ذوالنون سليمان عبد الرحمن
تقديم:
أعلن وزير البترول في دولة جنوب السودان، فوت كانق كول، أن بلاده اشترت أرضا على ساحل جيبوتي، بهدف بناء ميناء خاص واستخدامه لتصدير النفط الخام، الذي يمر حاليا عبر ميناء بورسودان، وكذا استخدامه لاستيراد البضائع كبديل لميناء مومباسا الكيني .
دولة جنوب السودان من دول شرق إفريقيا، وهي دولة غير ساحلية،تحدها إثيوبيا من الشرق، وكينيا من الجنوب الشرقي، وأوغندا من الجنوب، وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الجنوب الغربي، وجمهورية أفريقيا الوسطى من الغرب، والسودان من الشمال، تعتمد على مينائي مومبسا وبورسودان في تجارتها الخارجية منذ استقلالها عن السودان في 2011 وفق اتفاقية سلام نيفاشا الموقعة في 2005 م.
النفط في جنوب السودان:
تمتلك دولة جنوب السودان أكثر من 3.5 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام ، وهي ثالث أكبر احتياطي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بعد نيجيريا وأنغولا على التوالي ، و تهيمن شركات النفط الوطنية والآسيوية على أنتاج النفط في البلاد، تقوده الاتحادات الرئيسية الثلاثة وهي: شركة بتروناس الماليزية وشركة ONGC Videsh الهندية وشركة البترول الوطنية الصينية ، مع شركات أخرى مثل Sinopec و TriOcean و KUFPEC ،وهيتعكس تمدد النفوذ الصيني ( ثاني أكبر اقتصادات العالم ) في المنطقة ، الذي وسع استثماراته في شرق افريقيا لتشمل البنية التحتية إلي جانب النفط كما رأينا في مشروع لابست للنقل ، الرابط يبين ميناء مومباسا الكيني والعاصمة نيروبي ممتدا حتي رواندا وجنوب السودان وأوغندا بتكلفة تبلغ 5 مليار دولار .
الميناء البديل:
يقع الميناء الجديد علي مساحة ١٢ ألف متر مربع علي أراضي دولة جيبوتي، بعقد تشغيلي طويل المدى، سيوفر لحكومة جنوب السودان مبالغ كبيرة جراء التكلفة الباهظة لرسوم واردتها عبر ميناء مومباسا الكيني ، و سيجنبها المخاطر الأمنية التي قد تتعرض لها صادرتها النفطية حيث يتحكم السودان عبر شبكة خطوط انابيب النيل الكبري، الشبكة الوحيدة التي تنقل نفط جنوب السودان إلى الخارج وذلك بعد تكرير النفط الخام في مصفاة بورسودان على البحر الأحمر . ويجبر هذا الترتيب جنوب السودان على استخدام البنية التحتية السودانية ويمنح دولة السودان نفوذا على موارد الدولة المنفصلة عنه حديثًا الأمر الذي يهدد أمنها واستقرارها، فخلال توتر العلاقات في عهد نظام البشير كاد قرار إغلاق الأنابيب وإيقاف إنتاج النفط في جنوب السودان أن يشعل حربا شاملة بين البلدين في العام 2012. الميناء الجديد، ينهي شعور الاستغلال والابتزاز بسبب موقع البلد الجغرافي الذي جعلها دولة حبيسة بلا موانئ كما يردد مسؤولوها على الدوام.
تأثيرات القرار علي دولة كينيا:
اعتماد دولة جنوب السودان ميناء جيبوتي كمعبر رئيسي لصادراتها ووارداتها ستتأثر به كينيا اقتصاديا لأنها ثاني أكبر عميل لكينيا بعد أوغندا برسوم تمثل 9.9 في المائة من كميات العبور، بينما تمثللأوغندا نحو 8.3 في المائة من جميع الشحنات، تليها جمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا ورواندا بنسبة 7.2 و3.2 و2.4 في المائة على التوالي. يوجه هذا التحول صفعة للاقتصاد الكيني الذي يعتمد على إيرادات الموانئ في تحسين مداخيله المالية، خاصةً بعد إعلان دولتي أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية مؤخرا إنهما سيتجهان إلي الموانئ في تنزانيا، لتكون دولة جنوب السودان الدولة الثالثة في منطقة البحيرات الكبري الأفريقية التي تغادر الموانئ الكينية. ولن يتبقى في الميناء المهجور سوي رواندا وبوروندي، وسط خيارات متعددة لهما في موانئ تانزانيا وجيبوتي بدلًا عن الميناء الكيني المشهور بضيق رصيفه وبالتالي ارتفاع التكلفة الاقتصادية للصادرات والواردات نتيجة لتأثرها بمدة الشحن والتفريغ.
تأثير القرار علي دولة السودان:
سيفقد السودان الذي يعاني من تدهور اقتصادي مريع، موردًا هامًا يتمثل في فقدان خزينته لعائدات صادرات دولة جنوب السودان البترولية عن طريق الميناء الرئيسي في بورسودان بعد تحولها الي جيبوتي، إضافة لرسوم تكرير النفط في المصافي السودانية. كما سيؤثر هذا القرار علي اسواق المحاصيل والحبوب التي وجدت أسواق جديدة لها بعد أزمة نقص الحبوب الغذائية في جنوب السودان جراء الحرب الاوكرانية ولجوء الحكومتين لتوقيع اتفاقية لتبادل الحبوب مقابل المشتقات البترولية، هذه الاتفاقية التجارية ساهمت في معالجة شح المنتجات البترولية في السودان ودعمت استقرار أسواق الوقود الذي يعتبر شرارة الثورات الشعبية في السودان .
تعتبر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دولتي السودان وجنوب السودان، اكبر ضمان لاستمرار العلاقات السياسية الودية بينهما، فيظل هشاشة العلاقة وتاريخ الصراع الدموي الطويل، مع وجود نقاط خلافية تتمثل في الخلاف على منطقة “ابيي” النفطية و ترسيم الحدود وإيواء ودعم المعارضة المسلحة الامر الذي يهدد بعودة التوترات بين البلدين .
من ناحية أخرى، سيكون لتحول دولة جنوب السودان الى موانئ جيبوتي، تأثير على فعالية مشروع “لابست” للنقل الذي يربط بين دول وسط وشرق افريقيا خصوصًا الجنوب في رواندا وأوغندا.
التأثير الصيني في توجه جنوب السودان الجديد:
شهدت العلاقات بين دولة جنوب السودان وجيبوتي خلال الشهرين الماضيين، تطورا ملحوظًا في إطار التعاون الاقتصادي والصناعي.فإلي جانب اعتمادها علي ميناء جيبوتي في صادراتها ووارداتها ، وقع البلدان عددا من الاتفاقيات للتعاون في قطاع الطاقة والصناعة الي جانب توقيع عقد لمد كابل الالياف البصرية ، هذا التحول لا ينفصل عن الوجود الصيني الكبير وتأثيره في المنطقة ككل و جيبوتي بشكل خاص، وسعيه لتأمين مكاسبه الاقتصادية في معارك النفوذ الدولي في القارة ، فدولة جنوب السودان التي تعاني من ازمات اقتصادية وإشكالات تتعلق ببنية الدولة ، تجعلها غير قادرة في الوقت الحالي علي تنفيذ مثل هذه المشاريع ، الامر الذي يعزز فرضية وجود دور للمارد الصيني ومحاولته خلق منطقة اقتصادية متكاملة في شرق افريقيا تعزز وجوده علي الساحل الشرقي .
خلاصة وتوصية:
يمكن أن تلعب دولة جنوب السودان دورا مهمًا في سوق النفط لامتلاكها رواسب نفطية تقدر بنحو 3.5 مليار برميل في حال تمكنها من إنهاء الصراع الأهلي المتكرر على السلطة ومعالجة الفساد المستشري في البلاد.
هذه الامتدادات الجغرافية الجديدة ستجعل لجنوب السودان تأثير في المنطقة بفضل ارتباطه بالعديد من الطرق التي ستوفر له خيارات، وبدائل الاستيراد، وتصدير احتياجاته، ومنتوجاته، وتخلق علاقات إقليمية تسهل عليه التواجد في عدة تجمعات وتكتلات. ربما حان الوقت لإعادة التفات الدول العربية الغنية لدولة جنوب السودان، بعد ان صنفت طويلا كدولة فاشلة، بالمساعدة في تثبيت اتفاقات السلام بين طرفي النزاع القبلي – الدينكا والنوير – الذي استمر طويلا، والعمل على إيجاد موطئ قدمًا لهذه الدول في المنطقة بما يهيئ الظروف المناسبة لتحقيق عائدات استثمارية وإنسانية مع مجتمعات هي الاقرب لها بحكم الثقافة والجوار والتاريخ.
مصادر الورقة:
https://www.voanews.com/a/south-sudan-hopes-planned-port-in-djibouti-will-increase-market-access-profits/6761334.html
2- https://www.borgenmagazine.com/sudans-new-port/
3- https://alyoumaltali.net/?p=6785
4- https://www.aljazeera.net/ebusiness/2010/10/4/%d9%83%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%aa%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d9%85%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d9%8a%d8%b1%d8%a8%d8%b7%d9%87%d8%a7-%d8%a8%d8%ac%d9%86%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86