الاليزيه يستقبل الشرع: رهانات فرنسا في سوريا
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: تشكل زيارة الرئيس السوري إلى باريس تطوّرا مهما في علاقة الحكم السوري الجديد مع العالم الغربي بعد 5 أشهر على سقوط النظام السابق. وتكشف الدعوة الفرنسية عن إمعان باريس على دعم الحكم الجديد وشرعيته على رغم التطوّرات الدراماتيكية الداخلية. فما هي حسابات باريس وما هي تطلعات دمشق من خلال هذا التطوّر؟
في التفاصيل
-في 6 مايو 2025، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستقبل في باريس، في 7 مايو، الرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة له إلى أوروبا.
-قبل 3 أشهر، في 5 فبراير، قال بيان للرئاسة السورية إن الرئيس الشرع تلقى “اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي” الذي “هنّأه بتوليه منصب الرئاسة” ودعاه إلى “زيارة فرنسا في الأسابيع المقبلة”. وأبدى ماكرون، وفق البيان، “دعمه الكامل للمرحلة الانتقالية في سوريا”.
-كانت مصادر شكّكت آنذاك في ما صدر في البيان السوري عن دعوة تلقاها الشرع لزيارة باريس خصوصا أن البيان الفرنسي لم يشر إلى الأمر. غير أن ماكرون عاد وأكد، في 28 مارس، إن “حكومته تأخذ كل مكونات المجتمع السوري في الاعتبار، إضافة إلى مكافحة واضحة وحازمة للإرهاب وعودة اللاجئين (..) وبحسب تطورات الأسابيع المقبلة، نحن مستعدون تماما لمواصلة هذا الحوار واستقبال الرئيس الانتقالي”.
-في 28 مارس، أعاد ماكرون التواصل مع الشرع من خلال قمة رئاسية رعاها عن بعد جمعت الشرع ورؤساء فرنسا ولبنان وقبرص إضافة إلى رئيس الوزراء اليوناني.
-في 3 يناير، قام وزير خارجية فرنسا جان-نويل بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك بزيارة دمشق والتقيا الشرع، بتفويض من الاتحاد الاوروبي.
-في 17 كانون الأول، أي بعد 9 أيام على سقوط النظام السابق، أرسلت فرنسا مبعوثين لدى السلطات الجديدة ورفعت علمها فوق سفارتها المغلقة منذ العام 2012.
-في 26 أبريل أثار المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان “وحدة الموقف والصف الكردي” في مدينة القامشلي، ردود فعل مختلفة واستدعت بيان ردّ من الرئاسة السورية. جاء المؤتمر برعاية غير مباشرة من فرنسا بعد لقاء جمع في 24 أبريل قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، مع وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو.
في 1 مايو، وبحضور الرئيس الشرع، وقّعت سوريا عقدا لمدة 30 عاما مع شركة “سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية، لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية.
-يرى خبراء فرنسيون أن دعوة الشرع لزيارة باريس تندرج من ضمن تقاليد سياسة فرنسا العربية التي وضعها الجنرال شارل ديغول والتي لطالما كان متميّزة ومتقدمة عن باقي الدول الغربية.
-يلفت هؤلاء إلى أن دعوة الشرع تذكّر بالدعوة التي وجهها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1989 والذي كانت تعتبره عواصم غربية إرهابيا. وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته تلك الزيارة، فإنها فتحت بعد ذلك أبواب العواصم الغربية أمام الزعيم الفلسطيني.
-يلفت مراقبون للشأن السوري أن دعوة ماكرون للشرع لم تتأثر منذ الإعلان عن أنبائها قبل أشهر بالأحداث الداخلية التي شهدت انتهاكات في منطقة “الساحل” غرب سوريا، في مارس، طالت علويين، وفي منطقة جرمانا وأشرفية صحنايا وريف السويداء “، مطلع مايو، طالت دروزا، ما يعني أن فرنسا تتطلع لدعم الحكم وتجاوز الأحداث الداخلية.
-تربط بعض المراجع الفرنسية الدبلوماسية بين سياسة ماكرون حيال الشرع والعلاقة التي تربط الرئيس الفرنسي بوليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لجهة أن باريس قرأت جيدا رعاية السعودية للحكم الجديد في دمشق بما يجعل باريس شريكا للرياض في هذا الصدد.
-يعتبر مراقبون غربيون أن وجود الشرع في قصر الإليزيه سيؤثر إيجابا على مقاربة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لملف سوريا ويخفف من تردد واشنطن حيال رفع العقوبات عن سوريا.
-يلفت اقتصاديون أن توقيع الاتفاق السوري الفرنسي بشأن مرفأ اللاذقية يكشف عن تطلعات فرنسا لتكون شريكا مميزا ومتقدما في مستقبل سوريا الاقتصادي لا سيما برامج إعادة الإعمار.
-تعتقد أوساط دبلوماسية أن الشرع يحتاج إلى دعم دولة أوروبية كبرى مؤسسة للاتحاد الأوروبي من أجل إدخال عناصر توازن جديدة إلى مشهد تتنازع داخله إسرائيل وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأجندات والنفوذ.
-تودّ فرنسا أن تكون راعية لإزالة عراقيل انتاج الطاقة شرق المتوسط. ظهر ذلك في القمّة عن بعد التي نظمها ماكرون وضمت إليه والشرع الرئيسين اللبناني والقبرصي واليوناني.
-تحظى فرنسا بعلاقات متقدمة مع العراق وقد كان سبق وأن رعت مع بغداد قمم دول جوار العرق. ويرى محللون أن تمكن باريس من تطوير علاقات مع العراق وسوريا ولبنان يشكّل مكتسبا استراتيجيا لفرنسا داخل “الهلال” الذي كانت إيران تهيمن عليه من عام 2003.
خلاصة:
**تسعى فرنسا أن تكون الدولة الغربية المبادرة لتعجيل الاعتراف بالحكم السوري الجديد ما قد يخفف من تحفظات واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا.
**تود فرنسا تثبيت نفوذ سياسي واقتصادي لها في سوريا وتستند على تاريخها في سوريا وعلى علاقات مع دمشق والأطراف الداخلية، لا سيما الكردية.
**تمنح الدعوة حكم الشرع مزيدا من الاعتراف الدولي على الرغم من التطوّرات الداخلية في “الساحل” وجرمانا وغيرها ما قد يخفف من تعويل بعض مكوّنات الداخل على رعاية أجنبية.
**تدعم الدعوة موقف الحكومة السورية أمام التهديدات الإسرائيلية وتؤسس لموقف أوروبي بهذا الاتجاه.
**تعتقد أوساط دبلوماسية أن الشرع يحتاح إلى دعم دولة أوروبية كبرى مؤسسة للاتحاد الأوروبي من أجل إدخال عناصر توازن جديدة إلى مشهد تتنازع داخله إسرائيل وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأجندات والنفوذ.