اقليم الاوجادين الفرص والتحديات لاثيوبيا

• علي هندي
ملخص تنفيذي
في مايو / أيار 1963 عقد المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا، وطرح مندوب الصومال قضية اقليم الاوجادين، معتبرا تصرُّف إثيوبيا بإعلان سيادتها عليه غير شرعي؛ لأنه لم يكن يومًا تابعًا لها ،و طالَب بمنح سكان الإقليم الحق في تقرير مصيرهم. لكن تمسك المنظمة؛ بضرورة وحدة أراضي دول القارة، وعدم خرق الحدود القائمة بينها لحظة إعلان الاستقلال، شكَّل حَجَر عثرة أمام الجهود الصومالية المتراكمة في استعادة الإقليم. تفاقم الصراع بين الصومال واثيوبيا ونتج عنه مواجهات مسلحة بينهم. لكن دخول الصومال في دوامة الحرب الاهلية عقب سقوط نظام سياد بري عام واحد وتسعين ،غيب دوره الذي كان يبشر بدولة الصومال الكبري التي تضم الي جانب اقليم الاوجادين اجزاء كبيرة من “الصومال الفرنسي” واجزاء من المناطق الشمالية الغربية التي تقع بمحاذاة اقليم جوبالاند في كينيا.
التوتر الاجتماعي والسياسي في اثيوبيا ، بات يستدعي قراءة لتاريخ الصراع في اقليم الاوجادين، الذي كان سببا في نشوب حربين بين اثيوبيا والصومال. حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في ادارة التنوع الذي كان معضلة لازمت الحكومات الاثيوبية المتعاقبة. ومع بروز تحديات ادارة التنوع العرقي والقومي ، وأزمة الحكم الفيدرالي الاثني في اثيوبيا ، فان المنطقة مرشحة لمواجهة خطر الاستقطاب الخارجي من جديد وربما ابعد من ذلك بعودة شبح الحروب الاهلية .
الخلفية التاريخية
يقع إقليم الصومال الغربي او الصومال الاثيوبي (أوجادين) في المنطقة الداخلية من القرن الإفريقي، ويتخذ هيئة مثلث إحدى زواياه الحادة عند نقطة التقاء الإقليم الشمالي بالإقليم الجنوبي لجمهورية الصومال، أي: يحدُّه من الشمال الشرقي والجنوب الشرقي جمهورية الصومال، ومن الجنوب منطقة الحدود الشمالية لكينيا ويحاذي اقليم العفر من الشمال واقليم الاورومو من الغرب ويعتبر ثاني اقليم من حيث المساحة بعد اقليم الاورومو اذ تبلغ مساحته 279 الف كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانه بقرابة 6.5 مليون، و اطلق البريطانيون اسم هاود على الجزء الشرقي منه والمحاذي لمستعمرتهم انذاك ارض الصومال ، ومن ثم سمي اقليم اوجادين وهو الاسم الاكثر تداولا لارتباطه بقبيلة الاوجادين.
تشكل قبيلة الاوجادين غالبية سكان الاقليم وهي احد فروع قبيلة الداروت اكبر القبائل الصومالية، ويتشكل الجزء الاخر الاقل عددا ، خليط من قبائل الايساق والمريحان والعيسي وهي كلها قبائل صومالية.
كانت المنطقة على اختلاف تسمياتها مسرحا لحروب بين الممالك الاسلامية التي تاسست على السواحل الصومالية وحكام الهضبة الحبشية الذين كانوا يحكمون بتفويض من الكنيسة. ولكن حملة الامام احمد ابراهيم الملقب باحمد جراني ( اي الاشول باللغة الامهرية) تظل هي الأقوى حضورا في ذاكرة الامبراطوريات التي تعاقبت على حكم الحبشة، فقد قاد حملة في العام 1531 ضد امبراطور اثيوبيا داويت الثاني، وتمكن من اسقاط حكمه. وقد اسهمت حملته في تعزيز الشعور بالخوف من السواحل الصومالية والارتيرية التي كانت البوابة لدخول الاسلام للمنطقة.
في العام 1897 منحت بريطانيا الحق لامبراطور اثيوبيا منيليك كي يبسط نفوذه في المنطقة مستغلين وقوعها للغرب من ارض الصومال التي كانت تحت ادارتهم. دفعه ذلك ليحاول تامين العمق الشرقي لاثيوبيا، واتفق مع الفرنسيين ببناء خط سكة حديد، ربط اديس ابابا بجيبوتي والذي وفر لاثيوبيا حضورا استراتيجيا على ساحل البحر عوضا عن الساحل الارتيري الذي اصبح من نصيب الايطاليين

الاوجادين جزء من اثيوبيا
في عام 1959 قامت حكومة الامبراطور هيلاسلاسي بتقسيم اقليم الاوجادين الي قسمين وتعيين محافظين من خارج المنطقة لسحب الشرعية من مطالب للانفصال عن اثيوبيا والانضمام للصومال والتي ظهرت اولى ملامحها في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها منطقة جريديدا عام 1951، والتي اسهمت في ولادة جبهة تحرير الاوجادين.
شنت جبهة تحرير الاوجادين كفاحا مسلحا ضد الحكومة الاثيوبية ، استدعى تدخلا من القوات الصومالية لدعم الجبهة في عام 1963، وبعد معارك بين الجيشين اتفقا الطرفان على وقف لاطلاق النار.
وفي عام 1977 كانت المنطقة مسرحا لحرب بين الصومال واثيوبيا استمرت لعام، بعد ان تدخل الجيش الصومالي هذه المرة لدعم جبهة تحرير غرب الصومال التي تاسست قبل ذلك بعام. ادي هذا التدخل الي احتلال اقليم الاوجادين من القوات الصومالية، في وقت كانت تشهد فيه اثيوبيا تحولات كبيرة بعد الاطاحة بالنظام الملكي.
في عام 1984 تأسست الجبهة الوطنية لتحرير الاوجادين وتولي رئاستها عبدالرحمن مهدي* الذي كان رئيس اتحاد الشبيبة في جبهة تحرير غرب الصومال. قادت الحركة مقاومة مسلحة ضد نظام منجستو حتي سقوطه عام 1991، ومن ثم ضد حكومة جبهة شعوب اثيوبيا الديمقراطية. لم يلبي نظام الفيدرالية الاثنية مطالب الحركة ،لهذا عادت الي تنظيم صفوفها لتقود ولاكثر من عشر سنوات حربا ضد القوات الحكومية، استهدفت بعض هذه الهجمات مشاريع التنقيب عن الغاز والبترول الذي تقوم به شركات صينية في اقليم الاوجادين، وأبرزها كان في عام 2007 على حقل للغاز ادى الي مقتل خمسة وستين عاملا اثيوبيا وتسعة صينين. وعملية أخرى ادت الي اسر سبعة صينين و اثيوبيين كان يعملون في حقل للغاز قرب مدينة ابولي.
وعلى الرغم من التوحد الصومالي الاثني في مواجهة السياسة الاقصائية الاثيوبية التي مورست ضدهم، الا انه يحمل في ذات الوقت عوامل ضعف وفرقة ، بسبب تحول قضية الاوجادين الى امتداد لصراعات الدولة الصومالية الام . فبعد ان نجحت كينيا في تاسيس اقليم جوبا لاند ووضعت احد ابناء قبيلة الاوجادين احمد مدوبي رئيسا له ، فان الفرع الاخر من قبيلة الداروت وهم المريحان باتو يستشعرون بخطر يهدد مناطق نفوذهم والتي تمتد من المناطق الجنوبية للاوجادين الي السواحل الصومالية القربية من ميناء كسمايو عاصمة جوبالاند مرورا بالاراضي الزارعية الخصبة الواقعة في اقليم هرشبلي، والمريحان الذين جاء منهم الرئيس السابق زياد بري والرئيس الحالي محمد فرماجو، هم اقوي فروع قبيلة الداروت .
المخاطر والفرص

1- شكلت السياسة الإصلاحية لرئيس الوزراء الاثيوبي الجديد ابي أحمد، فرصة لكل القوميات الاثيوبية وللمعارضات المختلفة ، لترك العمل المسلح ضد الدولة ، والانخراط في العملية السياسية .وفي مقدمة الحركات المسلحة جبهات التحرير الصومالية ، الامر الذي فتح الطريق لمصالحة حقيقية ,بما يمهد لتطبيع في العلاقات مع حكومة مقديشو.
2- ظلت صراعات المنطقة ” الكوشية ” نسبة الى مملكة كوش التاريخية التي عادت الادبيات السياسية الى استخدامها ، هي المهيمنة على المشهد الاثيوبي لعقود أربعة خلت ، تسببت في خسائر كبرى للبلاد . ولهذا فإن المصالحة في إقليم الاوغادين مع الدولة المركزية يشكل فرصة لحكومة ابي أحمد لتهدئة المخاوف في منطقة المجتمعات الكوشية وهم الاورمو والصوماليين والعفر والسيداما وغيرهم ممن يسكنون المناطق الجنوبية والشرقية من اثيوبيا، والتي ظلت في صراع مسلح دائم على النفوذ الممتد لمحاولات السيطرة على مركز الحكم في الهضبة الحبشية . من هنا يرى المراقبون ان نجاح الحكومة في اصلاحاتها السياسية المنتظرة وتعديل الدستور سيحدد عمليا افاق المشاركة السياسية والعدالة في توزيع الثروة الوطنية ، والتي يؤسس عليها نجاح او فشل التقارب الجديد بين مقديشو واديس ابابا ، وبالتالي التفرغ لحل مشكلات الامن والتنمية في البلدين .
3- من المقرر ان تنتهي شركة بولي جي سي ل الصينية من اعمال بناء خطط انابيب سيقوم بنقل الغاز من اقليم الاوجادين والذي يقدر مخزونه حاليا ب 4.7 تريليون مكعب الى ميناء جيبوتي في العام 2022، ومن المتوقع ان يدر على اثيوبيا حوالي 1.5 مليار دولارسنويا. وتعتبر حقول الغاز هناك جزء من مجموعة حقول تحتوي على كميات كبيرة من الغاز والبترول والبوتاسيوم، تنتشر في مناطق في اقليم العفر والصومال . ولو تمكنت القوميات الكوشية من التوصل الي صيغة حكم قادرة على تاطير جماهيرها بما يراعي مصالحها ويعزز التعايش بينها فان ذلك من شانه تغيير خارطة المنطقة لسنوات طويلة قادمة.
4- لا زال صراع الاورومو مع الصوماليين من ابناء الاوجادين وغيرهم من القبائل الصومالية حول الموارد مرشحا للتفاقم والانفجار كما حصل نهاية عام 2018، ما لم تتم معالجة جذوره ومسبباته .
5- كما ان صراع العفر والعيسي الصوماليين على السلطة في جيبوتي قد يتطور ويشكل تهديدا للامن والاستقرار في المنطقة ، ولهذا ترتفع الأصوات في القرن الافريقي تنادي بضم جيبوتي الى محور التحالف الذي يتشكل بين اثيوبيا والصومال وارتريا.
6- ومن المخاطر التي توضع في الحسبان إذا ما فشل برنامج ابي احمد الإصلاحي ، ان يتقدم الاقليم الصومالي وفق التقسيم الاداري الاثيوبي بطلب الانفصال عن اثيوبيا ، وهو ما يتيحه الدستور الاثيوبي الحالي . ما يفتح الباب لاعادة إقليم اوغادين للوطن الام بصورة سلمية ، خاصة وان القانون الصومالي القديم يعطي الحق لما يسميها الاقاليم الصومالية في دول الجوار بالانضمام للوطن الام ، وبالرغم من ان هذا الاحتمال يظل بعيد المنال ، لكنه اذا ما طرح جديا ، فانه سيحمل أثارا خطيرة على الامن والسلم في المنطقة برمتها .
الخلاصة :
اذا كانت السياسة التقليدية الاثيوبية اعتمدت على استراتيجية ثابتة تقوم على تفتيت الجوار الصومالي واضعاف الدولة المركزية ، فقد دعمت حكومات التغراي الانفصاليين في ارض الصومال وبونت لاند ،لكن العهد الجديد برئاسة ابي أحمد تبدو مختلفة وتشكل انقلابا على سابقاتها ، فقد دعم تسويق فرماجو وحكومته ، وانجز مصالحات بين مقديشو واسمرة ، وتدخل لصالح مقديشو في النزاع القائم مع كينيا حول إقليم جوبا لاند الصومالي . وينتظر ان ترد مقديشو بتهدئة المتطرفين الصوماليين في إقليم اوجادين ونزوعهم الانفصالي . وعين أبي أحمد على ثروات الغاز والمعادن الأخرى التي تزخر بها مناطق الاوجادين ، كما انه يأمل في ان تتحول هذه النطقة وجوارها الصومالي الى واحة للتعاون والتنمية والتعايش المشترك لصالح البلدين .

المصادر

*الدكتور عبدالرحمن مهدي لاحقا
https://uca.edu/politicalscience/dadm-project/sub-saharan-africa-region/69-ethiopiaogaden-1948-present/
https://www.thereporterethiopia.com/article/new-age-discovers-gas-reserve-ogaden?__cf_chl_captcha_tk__=215e4fe4956e6fd3cae13c301cab637d9f91d7c8-1580764787-0-AU0v8iQ2C4-LbD2_jtXM_ASzQHDUlm5tpbgbqK_gw0QCF-7gQXOujMjpCypqLIKyMvpaUO-IIBwIaaT4AZE-uXk9MKKgANeGWVx2M8cOQn8cqx6bo2JPwu3Wa9Nb-m2JkAPslzg2lLSqDDM72MgrmcZLpqvKEHbVh_amM-LO9m_5Y6XGpH0raHrWHazyiQvEubJd4MbgHo0Jn1b8QqUk_64awQQhig3jyFh4HfF0VL2VG41rKcSLLnSLXeprIY3yRH-Lqq5EA5s0gZpITWFxrgVG6Wv-QCNCnjhsHteuIVbsx0bfEW-kmOewwwbMyldqFdRbuQ_SCpuO0Pg78gWV-fiDdFmU-mpEMFB8_OePe5ZxekrN5wxH2NFaFexrovfilPAzmN09vkZOwqkXtUtmN3Sxaywcchg9QFel56Rso9es
https://www.theeastafrican.co.ke/business/Ethiopia-begins-production-tests-at-Ogaden-oilfield/2560-4639910-12gjregz/index.html

Ethiopia starts oil production from Ogaden Basin


اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.