اغتيال هنّية: المبررات والتداعيات وتأثيرها على “حماس” وقيادتها
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف،
تقديم:
تطرح عملية اغتيال اسماعيل هنّية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران في 31 يوليو 2024، أسئلة ملحّة بشأن التفاصيل التقنيّة للعملية ومبرراتها وتداعياتها داخل الحركة وقيادتها، ومستقبل الحدث على مفاوضات إنهاء الحرب في غزّة. تشمل الأسئلة موقف إيران وفصائل “محور المقاومة”، كما الموقف الحقيقي للولايات المتحدة وسط أنباء عن تواصل خلفي بين واشنطن وطهران. من الأسئلة أيضا هوية خليفة هنّية ومعاني الأمر على موقع ودور الحركة وتحوّلاتها الإقليمية.
نرصد لهذه القراءة مجموعة من نقاط ومعطيات تمّ التقاطها من مصادر مفتوحة متفرقة:
– بالنظر إلى إعلان صحافة إسرائيل أن قرار اغتيال هنّية اتّخذ في اجتماع وزاري مصغر استمر ليلا حتى التأكّد من تنفيذ العملية، فهذا يعني أن معطيات أمنية توفّرت من الدوائر المعنية التي تراقب هنّية وتحركاته أو توفّرت من داخل إيران ومن مستويات مخترقة لدوائر الحرس الثوري سهّلت اتخاذ قرار سياسي بشأن عملية الاغتيال.
– بالمعنى الأمني لم يكن هنيّة هدفا صعبا بالنظر إلى أنه، بحكم موقعه ودوره، دائم التحرّك المعلن بين العواصم ومنها، بشكل متكرر طهران، ناهيك من أن مقرّاته معروفة، لا سيما في الدوحة.
– اغتيال هنيّة احتاج فقط إلى قرار سياسي على عكس استهداف قادة عسكريين يحتاج استهدافهم إلى معلومات أمنية صعبة ونادرة كتلك التي توفّرت لاستهداف قادة “القسام” مثل محمد ضيف ورافع سلامة في غزّة أو قيادي حزب الله، فؤاد شكر، في الضاحية في لبنان.
– اختارت إسرائيل الخيار الأصعب عسكريا في اغتيال هنّية في طهران وليس في الدوحة أو القاهرة أو انقرة مثلا، بسبب انخفاض كلفة العملية سياسيا بالنظر إلى ما يمكن أن تحدثه العملية في مكان غير طهران من أثمان تهدّد علاقة إسرائيل مع العواصم الأخرى وتخالف تفاهمات إسرائيل مع الولايات المتحدة وتخترق السقوف المسموحة.
– استهداف هنّية في طهران يعني أيضا أن إسرائيل غير قلقة من احتمالات ردّ إيران المباشر وأن الغارات المكثّفة التي شنّتها إيران ضد إسرائيل عبر الصواريخ والمسيّرات، في 13 أبريل الماضي، لم تنجح في رفع مستوى الردع الإيراني، كما أن نجاح إسرائيل في تنفيذ عمليات نوعية داخل إيران خلال السنوات الأخيرة، يكشف اختراقا خطيرا أمنيا إسرائيلي داخل إيران، وسط معلومات يتم تداولها عن أن الصاروخ الموجّه الذي استهدف هنّية انطلق من داخل الإيرانية.
– استهداف هنّية له صدى معنوي ورمزي بالنسبة لإسرائيل لكنه لا يؤثر على الهيكل العسكري لحركة “حماس” في قطاع غزّة. كما أن إسرائيل استهدفت قائدا يتولى ملف المفاوضات بشأن “صفقة” إنهاء الحرب في غزّة، وعُرف عنه قدراته على التواصل مع “الداخل” والفصائل الحليفة ودعمه لسياسات مرنة داخل “حماس” لإنهاء الحرب في غزّة.
– بدا اغتيال هنّية سعيا إسرائيليا لعرقلة عملية التفاوض، والمضي في خيارات عسكرية جديدة، من خلال تفكيك هيكلي “حماس” العسكري والسياسي، وشراء الوقت لجعل ملف الرهائن ضعيفا، طالما أن معلومات بدأت تروجّها إسرائيل عن مقتل معظمهم في حرب غزّة..
– تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بشأن عدم علم الولايات المتحدة بقرار اغتيال هنّية وعدم مشاركتها به، لم يحمل اعتراضا أو تحفّظا أميركيا على العملية، حتى من بوابة عرقلتها لورقة الحلّ التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن. ما يشي أن تحرك إسرائيل ما زال داخل الهامش المسموح أميركيا.
– تحرّك قطع بحرية أميركية في البحر المتوسط وتصريح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد عملية اغتيال هنيّة عن تعّهد بلاده بالدفاع عن إسرائيل ضد أي اعتداء، هي تطوّرات تقليدية ولا تحمل جديدا وليس بالضرورة أن تعني موافقة الإدارة الأميركية على قرارات إسرائيل التصعيدية، وهو أمر سهل استنتاجه في لقاءات نتنياهو مع بايدن وهاريس وحتى مع ترامب في حثّهم جميعا له على إنهاء الحرب في غزّة.
– ليس صحيحا أن اغتيال هنّية هدفه التأثير على خطط “اليوم التالي”. فمسألة دور “حماس” المقبل لم تكن تتعلق بشخص هنيّة على الرغم من تمتّعه، بحكم موقعه وحتى طباعه، بعلاقات فلسطينية وإقليمية واسعة. كما أنه ليس صحيحا أن الأمر يمثل إرباكا بنيويا داخل قيادة الحركة بالنظر إلى قدرة “الحركة” على تنظيم صفوفها القيادية بسلاسة.
– فيما تكثر تقارير بشأن خلافة هنّية، فإن الأمر عرضة لتنافس داخل ما يحكى عن تيارات قريبة من إيران وأخرى من تركيا وقطر وبين داخل وخارج. وممكن لهذا التناقض في هذه اللحظة بالذات أن يعرقل قرار تعيين (وليس انتخاب) بديل لهنّية يكون مقبولا من التيارات الداخلية ويكون مقبولا من رعاة حماس في الخارج.
– مستقبل وطبيعة مداولات حماس لتعيين خليفة لهنّية مرتبط أيضا بردّ فعل إيران وبقية فصائل “محور المقاومة” لجهة نوعية مستوى الردّ الذي تتوعد به، لكنه سيكون أيضا رهن معطيات قطر التي تملك اتصالات مكثّفة مع الجانب الأميركي في شأن مفاوضات “الصفقة” ومستقبل الحرب في غزّة والدور المحتمل وربما المطلوب لـ “حماس” في ترتيبات “اليوم التالي” ومستقبل الصراع برمّته.
– بالنظر إلى أن “جبهات إيران” المشتعلة في البحر الأحمر بواسطة جماعة الحوثي وفي جنوب لبنان بواسطة حزب الله متعلّقة بوقف إطلاق النار في غزّة من عدمه، فإن دور “حماس” وقياداتها، بما في ذلك تلك التي ستخلف هنّية، سيكون مفصليا بالنسبة لطهران في تشجيع أو عرقلة صفقة إنهاء الحرب في غزّة، وفق مستوى ما وصل إليه التواصل الخلفي بين واشنطن وطهران.
– تمثل عملية اغتيال هنيّة تحدّيا لـ “إعلان بكين” الذي تمّ برعاية الصين وأبرمته حركتا حماس وفتح و 12 فصيلا فلسطينيا، في 13 يوليو الماضي، وتمثّل تحدّيا للصين ودورها في ملف تريد إسرائيل أن يبقى أميركيا ورفضا إسرائيليا لسعيّ بكين لتأهيل حماس داخل التمثيل الفلسطيني الرسمي العام.
– أثارت عملية اغتيال هنّية الجدل داخل إسرائيل، لا سيما من قبل جنرالات إسرائيليين متقاعدين، بشأن عدم نجاعة سياسة الاغتيالات وعقمها والدعوة إلى الذهاب إلى صفقة لإنهاء الحرب في غزّة. وبالنظر إلى ارتجال إسرائيل خططها منذ “طوفان الأقصى” واندفاعها إلى خيارات عسكرية وأمنية انفعالية لها حسابات انتخابية داخلية، فإن ذلك الجدل يبقى هامشيا غير مؤثر في دوائر القرار.
خلاصة:
**على الرغم من ضخامة حدث بحجم اغتيال هنيّة أولا وفي طهران ثانيا، فإن تداعيات الحدث تبقى رهن الحسابات السياسية لإيران ولا تؤثر على الهيكل العسكري لـ “حماس” في الداخل وقد تعرقل مفاوضات إنهاء الحرب في غزّة من دون أن توقفها.
**شخصية هنّية كانت تمثّل تقاطع تناقضات داخلية وإقليمية وقد يكون صعبا إيجاد خليفة يتحلى بنفس المواصفات في ظرف إقليمي دولي شديد التعقيد.
**تبرؤ الولايات المتحدة من عملية الاغتيال لم يرقَ إلى مستوى التحفّظ. ومن المرجح دوام تفعيل قناة التواصل بين طهران وواشنطن ما سيؤثر مباشرة على ما توحي به طهران لحماس وقيادتها.
**اغتيال هنّية هو محاولة اغتيال للمفاوضات واستمرار في تبني سياسة الاغتيالات التي تواجه انتقادات إسرائيلية داخلية تشكّك بنجاعتها وتدعو إلى مفاوضات وإبرام صفقة مع حماس.