اغتيال حسن نصر الله: قراءة في تداعيات متعددة الوجهات
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
ملخص ورقة سياسات:
•تقديم:
يطرح اغتيال زعيم حزب الله أسئلة داهمة تتجاوز الإطار المحلي اللبناني وتطال مستقبل“محور المقاومة” الذي تقوده طهران، وصولا إلى التحوّلات التي يفرضها الحدث علىخيارات إيران لجهة تأرجحه بين الخطاب الأيديولوجي الثوري، والخطاب العقلاني للدولةفي قياس مصالح البلد وحساباته.
ويعتبر الحدث زلزالا سياسيا بامتياز، يثير جدلا بشأن تداعياته المباشرة على هيكل النظامالسياسي في لبنان، ومستقبل الشيعية السياسية في البلد. ويجادل الباحثون في مايفرضه غياب نصر الله على مستقبل ملفات إقليمية كان الحزب مكلّفا بها من قبل إيران،وكان زعيم الحزب مسؤولا عنها بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.
وتفرض عملية الاغتيال تساؤلات على إيران بشأن قرارات داهمة، لا سيما تلك المتعلقةباحتمالات وشكّل الردّ من عدمه، بعد امتناع طهران عن الرد على مقتل قيادي حماس،اسماعيل هنيّة، بعد مرور أكثر من شهر ونصف على مقتله.
•إسرائيل–إيران..رسائل الاغتيال:
أعلن حزب الله، في 28 سبتمبر 2024، عن مقتل أمينه العام، السيّد حسن نصر الله، بعدأقل من 24 ساعة على هجوم إسرائيلي على “المقر العام” للحزب في حارة حريك بضاحيةبيروت الجنوبية. وكان سبق بيان الحزب، بعدة ساعات، بيان للجيش الإسرائيلي أعلن فيهالتأكد من مقتل نصر الله وعلي كركي، قائد جبهة الجنوب في حزب الله، وعدد آخر منالقياديين. وجاء بيان الجيش الإسرائيلي بعد تضارب أنباء في وسائل الإعلام الإسرائيليةبشأن مصير زعيم الحزب.
وسجل المراقبون ارتباكا في الساعات التي تلت تنفيذ إسرائيل “حزاما ناريا“، بعد ظهر27 سبتمبر الجاري، على المجمع المستهدف. ووُصف الهجوم بأنه غير مسبوق والأعنفمنذ حرب عام 2006. وعمدت الآلة الإعلامية لحزب الله إلى ضخّ تسريبات لوكالات الأنباءالدولية تؤكد نجاة نصر الله وسلامته. فيما راجت على وسائل التواصل الاجتماعي رسائلنصيّة وصوتية متعددة المصادر تنفي استهداف زعيم الحزب وتسخّر من مزاعم وجودهأصلا في الاجتماع المستهدف.
ويرجّح خبراء في شؤون حزب الله، أن أمر الإعلان عن مقتل نصر الله لم يجرِ إلا وفقتنسيق كامل مع إيران وبناء على ترتيبات تتعلّق بإدارة الحدث وما بعده في طهران. ويلفتهؤلاء إلى أن مقتل نصر الله يمثّل ضربة كبرى، ويمكن أن تكون قاصمة لحزب الله، لكنهاأيضاً ضربة مباشرة موجهة إلى إيران ,الحرس الثوري ومرشدها، علي خامنئي. ويخلصالخبراء إلى أن اغتيال إسرائيل لنصر الله هو أكثر وقعا وإيلاما وله تداعيات لاحقة على“محور المقاومة“، أكثر من تداعيات قيام الولايات المتحدة باغتيال، قائد فيلق القدس التابعللحرس الثوري، قاسم سليماني، بالقرب من مطار بغداد، في 3 يناير 2020.
•لبنان والحزب والشيعة.. اللحظة الصعبة:
يمثل اغتيال الزعيم التاريخي لحزب الله لحظة دراماتيكية خطيرة لها ما بعدها على لبنانومستقبله. ويستعرض المؤرخون هذا الحدث الجلل ويقارنون سياقاته باغتيال رئيسالجمهورية المنتخب، بشير الجميل، في 14 سبتمبر 1982، واغتيال رئيس الحكومةالسابق، رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، بصفتها سياقات غيّبت زعماء ذوو مكاناتعالية على رأس طوائفها وأحدثت تحوّلات جسيمة داخل النظام السياسي اللبناني، وسبّبتاختلالات في موازين القوى الداخلية، وتموضع حكومي عام جديد داخل المشهدينالإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من حذر المراقبين في لبنان في استشراف مبكّر لما يرتبه الحدث على التوازناتالسياسية، بما في ذلك إمساك الحزب بمفاصل الحكم وقرارات الحرب والسلم في البلد،غير أن للأمر تأثيرات مرجّحة، وربما ستكون مطلوبة داخليا وخارجيا، على مسألة إنهاءالشغور الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 30 اكتوبر 2022،وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يعيد إنتاج السلطة في لبنان
ويعتبر مقتل نصر الله ضربة موجعة لحزب الله، ليس فقط بسبب ما كان يمتلكه من مميزاتقيادية وكاريزماتيه وسطوة على رأس الحزب طوال 32 عاما، بل أيضا بسبب مكانته لدىجمهور الحزب والبيئة الحاضنة الشيعية في لبنان والعالم.
وتكمن جسامة تأثيرات الحدث في أن مقتل القيادي الأول للحزب، أتى بعد سلسلة عملياتاغتيال طالت أكثر من 500 من القيادات الميدانية للحزب، منذ إطلاقه لعمليات “الإسنادوالإشغال” الهجومية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تضامنا مع قطاع غزّة، في 8 اكتوبر 2024. كما سبق اغتيال نصرالله عمليات اغتيال نوعية لقيادات عليا منذ مقتلالقيادي فؤاد شكر في 30 يوليو الماضي، مرورا بمقتل إبراهيم عقيل وقيادة “قوةالرضوان” في 20 سبتمبر، وقيادات أخرى لاحقا، ما أفقد الحزب هيكله القيادي الأفقيوالعامودي.
ويمثّل الغياب الدراماتيكي لنصر الله “نكبة” كبرى لـ “الشيعية السياسية” في لبنان والتيقادها الحزب بشكل متصاعد منذ انتصاره على المكوّن الخصم والمنافس داخل الطائفة،حركة أمل بزعامة نبيه بري، إثر احتراب أهلي عُرف باسم “حرب الأخوة” (1988-1990). ولم تنته الحرب الدموية الشيعية–الشيعية آنذاك إلا بتدخل مشترك من قبل الرئيس السوريالراحل، حافظ الأسد، والمرشد الإيراني، علي خامنئي. ولا ترى مراجع سياسية شيعيةالكيفية التي يمكن أن يعاد بها تشكيل “الشيعية السياسية” في ظل عدم وضوح شكلالحزب وتوجهاته وإدارته للسياسة في لبنان في المستقبل.
•استهداف إيران ومحورها:
يمثّل الحدث ضربة مباشرة لإيران، لا سيما الحرس الثوري، الذي يُعتبر عصب النظامالسياسي، والمرشد، علي خامنئي، الذي يُعتبر رمزا لشرعية النظام الدينية الشيعية الذيأسسه روح الله الخميني عام 1979. فحزب الله، وعلى خلاف بقية الفصائل المنضويةداخل هيكل “محور المقاومة“، جزء لا يتجزأ من قماشة النظام الإيرانية وتراتبيته الهيكلية،وهو مرتبط عضويا بالجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه والحرس الثوري. وفيما يُعتبر مقتل،رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” تحدّيا لإيران، فذلك لأن اغتياله تمّ في طهرانوليس لارتباط عقائدي عضوي بالرجل. بالمقابل فإن اغتيال نصر الله يعادل بالنسبة لإيرانفي وقعه اغتيال سليماني ويفرض، نظريا، ردّ فعل سياسي وأخلاقي.
ويعتبر المراقبون أن إعلان طهران، عقب اغتيال نصر الله، عن وضع المرشد، علي خامنئي،“في مكان آمن“، هو بمثابة إدراك في إيران بأن إسرائيل باتت، تحت بصر المجتمعالدولي، تذهب في حربها في قطاع غزّة والضفة الغربية ولبنان، مذهب ما يكرره رئيسالحكومة، بنيامين نتنياهو، من أن حربه هي ضد إيران وأذرعها، وأن عملية اغتيال نصرالله هي مؤشّر لا يستبعد استهداف رأس السلطة في طهران.
ويلفت باحثون في الشؤون الإيرانية إلى أن الحدث يأتي وسط لغط وضبابية أحرجت حزبالله وبقية فصائل “محور المقاومة” في فهم السياسة الخارجية الإيرانية المستجدة منذ ماقبل انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا للجمهورية في 28 يونيو 2024، لجهة حديث المرشدعن “التراجع الاستراتيجي“، والرئيس عن “الأخوة” مع الولايات المتحدة و “وضع السلاحجانبا” مع إسرائيل وتبشير وزير الخارجية عن “استعداد” لاستئناف المفاوضات النووية. كما بلغ اللغط ذروته في مسألة الحرب في لبنان في موقف لبزشكيان يعتبر أن حزب الله“غير قادر بمفرده” على الوقوف ضد إسرائيل، مقابل موقف لخامنئي يؤكد أن الحزب“قادر بمفرده” على ذلك، بما أعطى انطباعا وغضبا لدى جمهور الحزب بتخلي إيران عنالحزب في لبنان.
خلاصة واستنتاجات:
**تمثل عملية اغتيال أمين عام حزب الله، السيّد حسن نصر الله، ذروة تصعيد غير مسبوقفي صراع إسرائيل ضد حزب الله، واختراقا لخطوط حمراء لم تتجاوزها إسرائيل علىمدى حروبها ضد لبنان منذ نشوء الحزب بعد عام 1982.
**تحمل عملية الاغتيال نذر تحوّلات كبرى من المحتمل أن تطال النظام السياسي فيلبنان، وتوازنات السلطة في هياكله، كما تطال مستقبل “الشيعية السياسية” في البلد،ومسارات حزب الله وخياراته المقبلة في داخل لبنان والمنطقة.
**تسدّد عملية الاغتيال ضربة صعبة لحزب الله وتهدد وحدته ومكانته في لبنان والمنطقة،لكنها تصيب أيضا “الواجهة الثورية” لإيران المتمثلة بالحرس الثوري ومرشد الجمهوريةالإسلامية. **يستهدف غياب نصر الله كل “محور المقاومة” كشبكة مصالح متكاملة تعمّللصالح أجندة إيران. وسيفرض على إيران إعادة توزيع مهام كان نصر الله يتولاها فيالعلاقة مع بعض ملفات هذا المحور.
**تذهب بعض الآراء إلى اعتبار عملية اغتيال نصر الله في الضاحية في لبنان بعد عمليةاغتيال هنيّة في طهران، خارطة طريق تتقاطع مع خطاب نتنياهو في اعتبار حربه فيالضفة والقطاع ولبنان، حربا ضد إيران. وترجّح هذه الآراء أن المسار هدفه التالي إيرانومرشدها وهو أمر تقاربه طهران بشكل جدّي.