اعتقال منافس أردوغان الأول على الرئاسة في تركيا: الوقائع والتداعيات.

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: اعتقلت السلطات القضائية في تركيا عمدة اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أهم منافس معارض للرئيس التركي. ورغم دقّة وكثافة الملف القانوني الذي تقرر على أساسه اتخاذ قرار الاعتقال، غير أن مراقبين يشتبهون بوقوف الرئيس التركي والحزب الحاكم وراء إزاحة أهم تحدٍّ لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفي سعيه لإجراء تعديلات نظرية تتيح للرئيس التركي الترشح من جديد ولدورات أخرى لرئاسة البلاد.

في التفاصيل:

-في 18 مارس 2025، أوقفت الشرطة التركية رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو (حزب الشعب الجمهوري المعارض) ، وأكثر من 100 شخصية آخرى، في إطار تحقيقات تتعلق بقضايا “فساد مالي وارتباطات بتنظيم إجرامي”. وجاء توقيف إمام أوغلو، بعد إلغاء شهادته الجامعية في 17 مارس، ووصفه بيان النيابة العامة بـ”زعيم منظمة إجرامية”، وأكد تورطه في قضايا فساد وتلاعب مالي داخل بلدية إسطنبول الكبرى.
-أوضح البيان أن التحقيقات بدأت عقب نشر مقاطع فيديو تحت عنوان “مشاهد عدّ الأموال داخل حزب الشعب الجمهوري”، حيث دفع ذلك النيابة العامة للتحقيق في مزاعم جمع تبرعات غير قانونية. ووفقاً لشهادات أدلى بها عدد من رجال الأعمال، فقد أُجبروا على التبرع بأموال تحت التهديد، وتحقيق مكاسب غير مشروعة عبر عمليات بيع وشراء وهمية، إضافةً إلى استخدام ما يُعرف بـ”الخزائن السرية” لنقل الأموال غير القانونية.
-كشفت تحقيقات النيابة وجود مخالفات مالية واسعة النطاق في عقود الإعلانات الخارجية والمناقصات التي أبرمتها بلدية إسطنبول الكبرى وشركاتها التابعة، بحسب البيان. وبناءً على ذلك، جرى توجيه الاتهام رسمياً إلى إمام أوغلو وقيادات أخرى، بحيث وصل عدد المعتقلين إلى 106 أشخاص.
-اتخذ مجلس إدارة جامعة اسطنبول قرار إلغاء دبلوم إمام أوغلو متسلحا بنزاع حول أوراق الاعتماد الأكاديمية الخاصة به. ويتطلب القانون التركي أن يحمل المرشحون الرئاسيون درجة التعليم العالي. وقد ألغى الحكم شهادات 38 فردا، بما في ذلك إمام أوغلو، مستشهدا ب “البطلان” و”الخطأ الواضح” كسببين للإلغاء.
-قال رئيس حزب الحزب الجمهوري، أوزغور أوزيل، إن الحزب سيطعن في قرار الجامعة في المحاكم الإدارية التركية، قائلا “نواجه وجها لوجه محاولة انقلاب ضد رئيسنا القادم”. فيما قالت مصادر معارضة إن العميد الجديد في جامعة اسطنبول، أصدر قرارا ألغى الشهادة الجامعية لإمام أوغلو، علما أن العميد السابق كان أصدر قرارا بصحتها عام 2019.‏
-قال إمام أوغلو، الذي تمكن من الفوز برئاسة البلدية للمرة الثانية على التوالي في الانتخابات المحلية عام 2024، في مقطع فيديو إن “إرادة الشعب تتعرض للانقلاب”. وأشار إلى أن “هناك عقلاً يحاول اغتصاب إرادة الأمة، وقد أرسل ضباط الشرطة إلى باب منزلي”. وأضاف: “نحن نواجه طغياناً واسعاً، لكنني أسلم نفسي لشعبي، وسأواصل النضال ضد هذا النهج الاستبدادي”.
-يقول مراقبون إن هذه القضية من أكبر قضايا الفساد المالي التي تواجهها بلدية إسطنبول، ويُتوقع أن يكون لها تداعيات سياسية كبرى، خاصة في ظل التوتر المتزايد بين الحكومة وحزب الشعب الجمهوري المعارض.
-احتجاز إمام أوغلو من شأنه منعه من منافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2028، وقبل أيام قليلة من موعد إجراء حزب الشعب الجمهوري، في 23 مارس، انتخابات تمهيدية، حيث كان من المتوقع اختيار إمام أوغلو مرشحاً رئاسياً، ما جعل كثير من المراقبين يعتبرون الحدث محاولة من أردوغان لمنع إمام أوغلو من الترشح.
-في أبريل 2024، أعلنت المعارضة التركية فوزها في الانتخابات المحلية على حساب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده أردوغان، الذي تجرع مرارة الخسارة للمرة الثانية على يد أحد أبرز خصومه السياسيين، أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري، الذي تمكن من الاحتفاظ برئاسة بلدية إسطنبول التي فاز بها للمرة الأولى في عام 2019.
-ينظر إلى إمام أوغلو (52 عاماً) بشكل متزايد، على أنه المنافس الأكبر لحزب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2028. وأكرم إمام أوغلو هو مهندس ورجل أعمال في الأصل، ولد في عام 1971 في أكشابات في ولاية طرابزون شرق تركيا لأب كان يعمل تاجراً وأم مزارعة.
-يقول مراقبون إن طموحات أردوغان لا تقتصر على الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2028، بل إجراء تعديلات دستورية تتيح له الترشّح عدة مرات وربما لمدى الحياة، وأن اختفاء منافس كإمام أوغلو عن المسرح السياسي من شأنه تسهيل جهود أردوغان في هذا الصدد.
-في 19 مارس، قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن الحكومة التركية نفّذت في الأسابيع الأخيرة حملة استهدفت السياسيين من اليسار واليمين والصحفيين والأكاديميين المناوئين لأردوغان.
-تتحدث أنباء عن صدمة في الشارع التركي كما في الأروقة السياسية، وعن تقييد وسائل التواصل الاجتماعي وعن إجراءات استباقاً لردّ فعل محتمل للشارع المعارض. كما حظر حاكم اسطنبول المظاهرات في جميع أنحاء اسطنبول لمدة 4 أيام مع اقفال الطرقات نحو وسط المدينة لا سيما مقر البلدية وإقفال محطات المترو في بعض مناطق المدينة.
-إثر اعتقال إمام أوغلو انخفضت الليرة التركية بنسبة تصل إلى 10 في المائة مقابل الدولار بعد الاحتجاز وانخفض مؤشر بيست 100 القياسي للبلاد بنسبة 7 في المائة تقريبا في التعاملات الصباحية المبكرة.

خلاصة:

**يعتبر اعتقال إمام أوغلو من ضمن 100 شخص تمّ اعتقالهم في قضية فساد كبرى تحوّلا مفاجئا على المشهد السياسي التركي وموازين القوى للأحزاب السياسية داخله.
**يحتوي ملف الاعتقال على ترسانة من الحجج والأدلة القانونية التي من شأنها ردّ الاتهامات التي تُكال للحكم في تركيا في تلفيق تهمّة ضد إمام أوغلو لأغراض سياسية.
**تبعد هذه القضية إمام أوغلو عن المسرح السياسي وتمنع حزبه من ترشيحه كمنافس للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2028، كما من شأنها بطلان فوزه برئاسة بلدية اسطنبول التي جرت عام 2024.
**رغم قوة ملف اعتقال إمام أوغلو لا يستبعد مراقبون وقوف أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم وراء قرار إبعاد منافس قوي وتسهيل إجراء تعديلات دستورية تسمح بترشح أردوغان لدورات رئاسية مقبلة.
**يرى مراقبون أن التعديلات الدستورية احتاجت في خطوة أولى إلى مفاوضات أدت إلى إعلان زعيم PKK حلّ الحزب وإلقاء سلاحه، ما يعني أن إزاحة إمام أوغلو تعتبر خطوة جديدة لتوفير ظروف تمرير تلك التعديلات.
**اعتقال إمام أوغلو أحدث صدمة في الشارع وداخل الأروقة السياسية وأدى إلى انخفاض في قيمة الليرة والبورصة وسط تخوّف من ردود فعل واسع للمعارضة في البلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.