اسرائيل: تراجع فائض الغطرسة لصالح تعقيدات الواقع وحدود القوة

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
بخلاف تصريحات المستويين السياسي والعسكري فإن الرد الاسرائيلي على الرد الايراني الصاروخي يوم 1/10 لم يحصل وفقا للتصريحات فوريا و”هذه الليلة”. قد يعزون الامر الى الاعياد العبرية ابتداء من 2 تشرين/اكتوبر، لكن يبدو ان الرد الايراني قد خلق نوعا من الارباك:
– أنكر المستويان السياسي والامني في البداية سقوط صواريخ ووقوع اضرار، كما ناشد الناطق العسكري الجمهور الواسع بعدم تصوير مواقع سقوط الصواريخ الا ان وسائل التواصل الاجتماعي كانت لها الغلبة واربكت الناطق بشأن صدقية معلوماته للجمهور، ليعترف في اليوم التالي بسقوط صواريخ في قواعد عسكرية بما فيها عدد من قواعد سلاح الجو والمطارات، ولاحقا يتم الكشف اعلاميا عن اصابات مباشرة في قاعدة نفطيم.
– تجاوزت الصواريخ الفرط صوتية من إيران اعتراضات المضادات الجوية الاسرائيلية متعددة الطبقات، وكشفت وسوء التقديرات الاستخباراتية التي سبقت الرد الايراني واستبعدته دون ان تلغي احتماليته، لتشكل مجتمعة صورة اخفاق كبير استخباراتيا وعملياتيا. مما تطلب كما يظهر التروي بالرد.
– إن التروّي بالرد لا يلغيه، ولدى اسرائيل بنك اهداف واسع للغاية في إيران بدءا من مرافق وبنى اقتصادية وعسكرية ومرافق استراتيجية بلوغا الى استهداف القيادة العليا الايرانية بمن فيها المرشد الأعلى خامنئي، في حال وجدت الى ذلك سبيلا.
– في اليوم التالي للقصف الإيراني، صرح كورت كامبل نائب وزير الخارجية الأمريكي لرويترز بأنه ليس فقط اسرائيل تفكر في الرد على هجوم إيراني بل الولايات المتحدة أيضا. وهو ما اعتبرته صحيفة يسرائيل هيوم اليمينية دليلا على مدى التدخل العميق للولايات المتحدة في الأزمة الحالية واستعدادها للعمل إلى جانب إسرائيل في مواجهة إيران.
– لم يترك تصريح الرئيس بايدن مجالا للشك في موقف ادارته وذلك في رده على أحد الصحفيين: “الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل كامل كامل كامل”، وترافق ذلك مع التنسيق الوثيق بين اوستن وغالنت وبين قيادتي الاركان وكذلك مع قيادة المنطقة الوسطى للقوات الامريكية والتي تنضوي فيها اسرائيل.
– نقل موقع اكسيوس عن مسؤول اسرائيلي رفيع بأن اسرائيل سوف تهاجم ايران بقوة غير مسبوقة وانه في حال كانت “هجمة إيرانية أخرى رداً على أي انتقام إسرائيلي فسوف يتطلب ذلك تعاوناً دفاعياً مع القيادة المركزية بالجيش الأميركي، والمزيد من الذخائر لسلاح الجو الإسرائيلي، وغيرها من أشكال الدعم العملياتي الأميركي”. وللتنويه تمت الاشارة الى تحفظ ادارة بايدن على استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الايرانية.
– قدّرت اسرائيل بأن الضربة التي انزلتها بحزب الله قد قوضت الحزب او بأقل تقدير دفعته الى حالة من الانهيار الداخلي وذلك وفقا لعمليات تفجير اجهزة الاتصال وكذلك الاغتيالات التي طالت امينه العام وقيادته العسكرية والسياسية. بناء عليه كانت الاعتبارات التي تلت هذه العمليات بأن اجتياح لبنان بات ممكنا وبأن إيران بصفتها “راس الاخطبوط” باتت مكشوفة امام الضربات الاسرائيلية بعد ان فقدت ما اعتبرته اسرائيل درعها الحامي اي حزب الله والذي كان في الاعتبارات الاسرائيلية في حال هجوم على المشروع النووي الايراني او الصاروخي او النفطي.
انكسار حالة النشوة والغطرسة:
– خسائر الجيش البشرية في اول محاولاته للاجتياح البري، اضافة للهجوم الصاروخي الايراني وضعا حدا لحالة الغطرسة والنشوة التي سادت اسرائيليا رسميا وشعبيا في اعقاب اغتيال نصر الله والتي ترافقت مع حالة الاجماع القومي الصهيوني المطبق لصالح الحرب الشاملة على حزب الله. وإذ علت بعض الاصوات القليلة التي دعت حكومة نتنياهو الى استغلال الضربات التي سددتها في لبنان من اجل الحل الدبلوماسي السريع مع حكومة لبنان يتضمن، ترسيم الحدود وتطبيق القرار 1701 بتفسيره الاسرائيلي وانهاء جبهة الاسناد التي ادارها حزب الله خلال عام. لتعود وتعلو اصوات جديدة تطالب الحكومة بعدم التورط في الوحل اللبناني متهمين نتنياهو وحكومته بقيادة حرب مصيرية من دون اية استراتيجية سياسية تخدمها.
– وفقا لصحيفة معاريف 2/10 فإن الأثر الاستراتيجي للهجوم الايراني الصاروخي هو المسألة الجوهرية ويفوق في اهمية اصابة القواعد العسكرية. كما اعتبرت الصحيفة ان الهجوم الايراني لم يكن مجرد عملية عسكرية بحد ذاتها وإثبات قدرات متطورة، بل ان الغرض منه هو دفع الولايات المتحدة والدول الكبرى الى التحرك السريع لمنع حرب اقليمية ولوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان وغزة. هذا الموقف يلتقي مع موقف المجموعة العربية والدول الاسلامية الذي عبر عنه كل من الرئيس عباس في خطابه امام الامم المتحدة وكذلك وزير الخارجية الاردني الصفدي. كما تتسع حلقة الاصوات الاسرائيلية التي تؤكد وجود استراتيجية ايرانية لمنع الحرب الاقليمية وجاء أحد تعبيراتها في زيارة الرئيس الايراني الى قطر، والتصريحات التي جاءت من الطرفين، بينما يسعى نتنياهو وحكومته الى الحرب المفتوحة اقليميا ولتوريط الولايات المتحدة فيها.
– مع بداية التورط في لبنان والنهاية السريعة لاحتفالية النشوة والغطرسة، يتضح ان شيئا لم يحسم بعد ميدانيا، ولا تزال اسرائيل تتراجع استراتيجيا، كما ان جدول الاعمال الاسرائيلي لن يبقى مشدودا للحرب في الجبهة الشمالية، بل سيعود الى اخفاق السابع من اكتوبر والى اولوية الصفقة والتبادل في غزة بالإضافة الى المطالبة بلجنة تحقيق رسمية يرفضها نتنياهو ما لم تنته الحرب المفتوحة المعني بها عقائديا ومصلحيا.
– وفقا لتقديرات الجيش فإن الرد الاسرائيلي في ايران يستهدف امرين؛ الأول، هو تسديد ضربة قوية جدا تنال من النظام ومن مشاريعه للأمن القومي الايراني، وكذلك لمجمل جغرافية محور المقاومة وهناك مؤشرات لضربة نوعية لسوريا ضمن المسعى لتقويض النظام وتفتيت البلد، الامر الثاني هو مسعى لاستدراج رد ايراني تتصدى له القوات الامريكية وتوريط المنطقة في حرب تديرها الولايات المتحدة.
الخلاصة:
• معظم المؤشرات تؤكد ان استهدافا اسرائيليا لإيران سيحصل، وسوف يستهدف النظام والمنشآت الاستراتيجية ومحور حلفائه. لكن مدى وطبيعة الأهداف بما في ذلك ما يعلن صراحة عن استهداف النظام والسعي لتغييره، يظل قراره في واشنطن ويتجاوز قدرات إسرائيل، ولهذا يرجح محدودية الضربة، امام الحاج الراي العام الإسرائيلي على الانتقام السريع.
• تشير التطورات الميدانية في جنوب لبنان بأن المنطقة بصدد حرب شاملة وطاحنة في حال لم يتم ايقافها دوليا وحصريا امريكيا، وبأن الامور لا تزال في البدايات وبعيدة عن الحسم.
• حالة القلق في الراي العام الاسرائيلي من أن الفشل في تقويض قدرات حزب الله وردعه بصورة حاسمة، وكذا الامر مع ايران والحاق الهزيمة بها ومشروع امنها القومي الذي يستخدم اذرع عقائدية تهدد إسرائيل، قد يدفع الى انقلاب في الراي العام الداخلي يطالب بوقف التورط في لبنان بعد غزة.
• بدأت تتسع دائرة الاصوات الاسرائيلية المشككة بإدارة الحرب، والتي ترى ان حكومة نتنياهو قد وضعت اهدافا اوسع من قدرات اسرائيل، دون تحديد اية مخارج منها.
• لا تستطيع حكومة نتنياهو تجاوز مسألة الصفقة والتبادل والتهدئة في غزة، وسوف تتراجع اكثر بمدى تورطها في لبنان.
• في ضوء التوتر العام في المنطقة واحتمالات الحرب الشاملة، تعود قضية فلسطين باعتبارها الاساس لاي تهدئة إقليمية، طال زمن الحرب ام قصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.