استيطان المزارع في الضفة الغربية والنقب وشمال قطاع غزة
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
في تقريرها الرصدي لمشروع الضم والاستيطان منذ السابع من اكتوبر 2023 واعلان الحرب على غزة تؤكد حركة “السلام الان” على التسارع غير المسبوق العلني والمخفي لضم الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من المناطق المصنفة ج. كما يؤكد التقرير بأنه “وللمرة الاولى اتخذت خطوات عملية تنفيذية للضم الرسمي-القانوني” وذلك بعد سحب صلاحيات جيش الاحتلال تجاه المستوطنات والمدنيين الفلسطينيين وتحويلها الى موظف يعمل تحت إمرة الوزير سموتريتش. بما يعني فعليا أن هذه المنظومة باتت بمثابة وزارة الضم.
– شهدت الضفة الغربية في الفترة المذكورة ما يلي: اقامة 47 بؤرة استيطانية جديدة ومعظمها “مزارع استيطانية”، اي بالمعدل نحو بؤرة جديدة في كل اسبوع. تشكل أحد أشكال الاستيطان المؤسس على مستوطنة عائلية او لعدد قليل من الأُسر، وتتخصص بفرع زراعي واحد، وتقوم الدولة بشق الطرقات بعشرات الكيلومترات في كل بؤرة وتزويدها بخطوط الكهرباء والمياه والبنية التحتية. في نظرة مقارنة فإن المعدل السنوي لغاية 2024 كان 7 بؤر استيطانية سنويا اي بزيادة في هذا العام بنسبة 500%
– رغم اعتبار البؤر “غير قانونية” حتى وفقا لقانون الاحتلال الا انه لم يتم اخلاء اية واحدة منها. بالإضافة الى ذلك تتواصل اجراءات اقامة 8681 وحدة سكنية في المستوطنات عامةً. كما قرر الكابنيت اقامة 5 مستوطنات جديدة وتسوية (قوننة) 3 بؤر استيطانية باعتبارها أحياء تابعة لمستوطنات قائمة. هذا وتم الاعلان عن ضم 24913 دونم قانونيا باعتبارها اراضي دولة اي اراضي دولة الاحتلال، وهذا يضاهي نحو نصف المساحة التي اعلنت “اراضي دولة” منذ اتفاقات اوسلو قبل ثلاثة عقود.
– في اعقاب التغييرات البنيوية التي قام بها سموتريتش بصفته وزيرا في وزارة الامن مسؤولا عن المشروع الاستيطاني بصلاحيات موسعة، وفي المقابل ومن خلال وزارة المالية يقوم بابتزاز قيادة الجيش واشتراط تحرير الميزانيات بإذعان الجيش لشروطه الاستيطانية وحصريا قيادة المنطقة الوسطى المسؤولة عن الضفة الغربية. فقد بات المشروع الاستيطاني المتسارع محررا من اية تقييدات اجرائية او قانونية. إذ يقوم المستوطنون فعليا بفرض الوقائع على الارض بإقامة البؤر الاستيطانية بينما يوفر الجيش ومعظم منظومات الدولة الحماية والبنية التحتية لبقائها.
– يؤكد تقرير مرصد الاستيطان الصادر عن حركة “سلام الان” للعام 2024 وجود سياسة ممنهجة هادفة الى تقليص الحيز المعيشي والوجودي للفلسطينيين في المناطق المصنفة ج والتي تعادل نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية، بينما ادوات هذه السياسة هي حصول أكثر من 1300 اعتداء من المستوطنين، وطرد وتهجير 20 تجمعا سكانيا فلسطينيا وهدم 901 منزلا فلسطينيا مقابل صفر من رخص البناء للفلسطينيين في المناطق المصنفة ج، بينما لا ينتظر المستوطنون اي تصريح او ترخيص بالاستحواذ على الارض واحضار المباني الجاهزة اليها.
– يشير التقرير الى مضاعفة ميزانيات الاستيطان، وهي ميزانيات يكتنفها غموض معين يتعلق ببنود صرفها، على سبيل المثال تخصيص 75 مليون شيكل للبؤر وللمزارع الاستيطانية غير القانونية اسرائيليا. تؤكد “ٍسلام الان” ان هذه المبالغ هي ميزانية “لتمويل عنف المستوطنين”، كما وتشمل بنود الميزانية 409 مليون شيكل (120 مليون دولار) “لمشاريع متميزة في المستوطنات”، بينما أعلن سموتريتش عن ميزانية خماسية بقدر 7 مليار شيكل للطرقات والشوارع في المستوطنات، وهذا يشمل البؤر الاستيطانية “غير القانونية”.
في النقب:
• قد تكون “المزارع الاستيطانية” في النقب داخل الخط الاخضر، قد سبقت مثيلاتها في الضفة الغربية، بل ان تاريخها مرتبط بقيام المشروع الصهيوني. في الضفة الغربية يطلقون عليها مستوطنات او اغراض استيطانية وفي الداخل بلدات ولأغراض تهويدية. بل تعتبرها اسرائيل الطريقة المثلى للسيطرة على الارض وتهويدها بأقل عدد من السكان اليهود.
• من أشهر المزارع الاستيطانية كانت مزرعة رئيس الحكومة الاسبق شارون بمساحة نحو 4 الاف دونم والتي تم تسويغها بأنه تلقى الارض هدية من أحد المتمولين اليهود.
• بعد العام 1948 واثناء الحكم العسكري الذي فرضته الدولة على الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم في المناطق التي قامت عليها، ألزمت الدولة في العام 1956 عشيرة ابو القيعان الى النزوح الى وادي حيران والى قرية أم الحيران غير المعترف بها اسرائيلياً، وتم تحويل اراضيهم الى كيبوتس شوفال المقام اصلا على جزء من اراضيهم.
• في العام 2002 قررت اسرائيل اقامة بلدة يهودية ذات طابع صهيوني ديني أطلقت عليها اسم “درور” (ومعناها الحرية) على اراضي قرية ام الحيران التي انتقلوا اليها عام 1956. اعتبرت الدولة بأن اهالي ام الحيران هم “متسللون وغزاة”، وبعد نضال شعبي طويل الامد رافقه نضال قانوني، قررت المحكمة تبني موقف الدولة بإخلاء قرية ام الحيران وخيّرت اهلها ما بين هدم بيوتهم ذاتيا ام ان تقوم الدولة بالهدم وبإلزام المواطنين بدفع تكاليف الهدم، ومؤخرا قامت الدولة بهدم المسجد وأخلاء الاهالي نهائيا وتسليم المكان لنواة استيطانية صهيونية دينية.
شمال قطاع غزة:
– لم يعد التطهير العرقي المطبق الفلسطينيين من شمال قطاع غزة مجرد مشروع يتم الحديث عنه بل بات قيد التنفيذ وفي مرحلة متقدمة جدا. وتبلغ المساحات التي يسيطر عليها الجيش في المنطقة العازلة ومحور نيتسريم الموسع نحو ثلث مساحة شمال القطاع الذي يقل عدد سكانه يوميا بالتطهير العرقي. كما باتت هذه السياسة علنية.
– في المقابل فإن اسرائيل لا تنوي الانسحاب من هذه المناطق ومن السيطرة على كل القطاع، كما ان مفهوم وقف إطلاق النار بالنسبة لها لا يشمل الانسحاب ولا الاحتلال المستدام. ثم ان الاستيطان في هذه الارض الفلسطينية هو مشروع يتم الاعداد له وتخطيطه بتسارع، وضمن التقاسم الوظيفي بين الدولة والمنظومات الاستيطانية ومجلس الاستيطان.
في الخلاصة:
**لا ينتظر المشروع الاستيطاني كما الضم الزاحف، القرار السياسي الرسمي العلني بالضم، بل هو قائم على الارض ويتسارع تطبيقه وفقا لعقيدة أقصى اليمين والصهيونية الدينية الحاكمة في كل الجغرافية الفلسطينية في الضفة والقدس وغزة والداخل.
** يشكل الضم بتسمياته المختلفة خطرا وجوديا على كل الفلسطينيين، وهذه الحقيقة لا تعني التسليم به او النظر اليه كتحصيل حاصل بل ان النضال لمنعه فلسطينيا وعربيا ودوليا هو مطلب الساعة، وحصريا نظرا للرؤية الاحتلالية الاسرائيلية التي ترى بعودة ترامب للحكم فرصتها التاريخية وحصريا في الضفة الغربية.
**هناك اهمية فلسطينيا للتوجه الى اللجنة المنبثقة عن مجلس حقوق الانسان الاممي والتي بدأت عملها في ايار/مايو 2021 بصفتها لجنة متابعة دائمة لممارسات اسرائيل في كافة المناطق التي تسيطر عليها وهذا يشمل ايضا غزة وفلسطينيي48 (النقب حصريا)، وكي تحال هذه الممارسات الى الدعوى امام محكمة العدل الدولية بصدد اعمال الابادة.
** مطلوب نظرة فلسطينية وعربية واحدة لكل ممارسات اسرائيل والكف عن تجزئة هذه النظرة والتي لا تربط بين ممارسات المؤسسة الصهيونية الحاكمة تجاه الكل الفلسطيني بأدوات مختلفة لكن وفقاً لمنظور واحد.
** يبقى مطلب وقف حرب الابادة وفرض المساعدات الانسانية وانقاذ حياة الفلسطينيين في قطاع غزة؛ والتصدي الرسمي والشعبي لمشاريع الضم والاستيطان والتهويد؛ وانهاء الاحتلال نحو دولة فلسطينية هم الاولوية والمتوخى فلسطينيا.