اجتماع دول جوار سوريا في عمّان: الدوافع والآفاق

ورقة سياسات:

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ملخص تنفيذي:
-هواجس مشتركة وأخرى مختلفة تجمع وتفرّق دول جوار سوربا ما يجعل التنسيق بينها إشكاليا.
-تعتبر سوريا أن المخاطر التي تتهددها من الخارج يمرّ بعضها عبر الدول المجاورة ما يتطلّب سياسات وإجراءات.
-تطمح دول الجوار إلى تشكيل منظومة أو تحالف أمني قابل ليرقى إلى تحالف اقتصادي.
– تعتبر دمشق أن تأثيرها ومونة خارجية بإمكانها تذليل عقبات تكامل المكوّنات مع النظام الجديد.
-تمثل إسرائيل حالة تحدي لسوريا ولكافة دول الجوار ما يتطلّب مواقف تأخذ بالاعتبار الحضور العسكري والتدخلي في مستقبل سوريا.
تقديم:
يكشف اجتماع دول جوار سوريا عن تنامي وعيّ جماعي بضرورة إيجاد قاعدة عمل مشتركة لمنع انهيار سوريا وردّ الأخطار الأمنية عنها ومواكبة تطوّر تحوّلاتها الجديدة في الأمن والسياسة والاقتصاد. ورغم تفاوت مواقف تلك الدول من النظام السياسي الجديد في دمشق، غير أن سوريا كما كافة الدول الحدودية باتت مدركة للحاجة إلى تنسيق بيني مشترك قد يؤسس لمنظومة إقليمية تعنى بشؤون الحدود والأمن والتكامل الاقتصادي. ويمثل التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري تحديا لكافة دول الجوار ما يستدعي مقاربة جماعية منسّقة لتحصين سوريا وتحصين الأمن الإقليمي الجماعي.
اجتماع 4+1: الأمن قبل الاقتصاد:
استضافت العاصمة الأردنية، عمان، في 9 مارس 2025 اجتماعا ضمّ سوريا و4 دول مجاورة لها، حضره وزراء الخارجية ووزراء الدفاع ورؤساء هيئات الأركان ومديرو أجهزة المخابرات في الأردن، وتركيا، وسوريا، والعراق، ولبنان. كانت وزارة الخارجية الأردنية أعلنت، في 5 مارس عن استضافة هذا الاجتماع، أي قبل ساعات من تفاقم متدرّج لانفجار الوضع الأمني في منطقة الساحل، غرب سوريا، إثر مواجهات بين مجموعة تابعة لفلول النظام السابق وقوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة.
ولا شك أن حدث الساحل السوري ألقى بثقله على أجندة الاجتماع، بما جعل الملف الأمني أولوية في مداولات المجتمعين، علما أن ملفات أخرى مثل المياه والطاقة وغيرها، كانت قبل ذلك جزءا من جدول أعمال الاجتماع. وتكشف الدعوة إلى الاجتماع عن قلق الدول المحيطة بسوريا من التطوّرات في سوريا منذ سقوط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر 2024. كما تكشف الدعوة أيضاً عن حاجة سوريا إلى التنسيق مع دول الجوار لإدارة ملفات عديدة، لا سيما الأمنية منها.
ورغم ما يصدر من مواقف رسمية لدول الجوار تؤكد الحرص على حماية وحدة سوريا واستقرارها، ورغم واقع أن أي انهيار للوضع في سوريا سيؤثّر سلبا، وبشكل مباشر، على أمن واستقرار الدول المجاورة، غير أن أجندة هذه الدول وظروفها وارتباطاتها ومصالحها تجعل من مواقفها من سوريا متعددة المستويات، وذات أولويات متفاوتة، ناهيك من أنها لا تملك نفس النظرة إلى الحكم الجديد في سوريا.
وقد اعتمدت الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، منذ توليها زمام الأمور، لهجة انفتاح وخطابا إيجابيا حيال الدوائر العربية والإقليمية والدولية. ووعدت تلك الإدارة بعدم التدخل في شؤون دول الجوار، والعمل على نسج علاقات بناءة معها. غير أن علاقات هذه الإدارة مع تركيا ولاحقا الأردن اللتين زارهما الشرع تباعا في 4 و 26 فبراير 2025، بدت أكثر قربا من العلاقات مع العراق، وأكثر تقدما من العلاقة مع لبنان الذي التقى الشرع رئيسه، جوزيف عون، على هامش القمّة العربية الطارئة في القاهرة، في 4 مارس 2025.
ويُعدُّ اجتماع عمان صيغة مطوّرة لصيغة رباعية لم تكن تضم لبنان، شهدت سلسلة اجتماعات تمهيدية رفيعة المستوى بين تركيا وكل من الأردن وسوريا والعراق. جرى ذلك وسط توجه دفعت به أنقرة لإنشاء تحالف إقليمي أعلن عنه وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، خلال زيارته للعراق في 25 يناير الماضي. وفيما يتصدّر الهاجس الأمني أهداف تحالف من هذه النوع، غير أن مصادر مراقبة لم تستبعد أن يتطوّر الأمر إلى تحالف اقتصادي يدفع به التواصل الجغرافي لدول المنطقة.
هواجس وأجندات متعددة:
على الرغم من الإعلان في نهاية الاجتماع عن إجماع (نادر وفق تصريح وزير الخارجية الأردني) على تنسيق الدول المجتمعة على التنسيق في مجالات الامن ومحاربة “داعش” ومكافحة تهريب المخدرات، وضرورة حماية سوريا، والحرص على وحدتها، ودعم اقتصادها، لكن تتعدد أولويات دول الجوار بشأن التحوّلات السورية وتتباين حوافزها وفق عوامل عديدة:

1- العراق:
بقي العراق، ومنذ بدء التحرّك العسكري لـ “هيئة تحرير الشام” في 27 نوفمبر 2024، مرورا بسقوط النظام السابق، شديد التحفّظ حيال الحكم الجديد، بسبب ما تقول بغداد بأنه تخوّف من عودة تنظيم “داعش” وما يقوله محللون من الخشيّة من تأثر الحواضن السنّية العراقية بالتطوّرات في دولة حدودية تمتلك معها تداخلات جغرافية واجتماعية وطائفية. وبقي التواصل بين بغداد ودمشق محدودا، اقتصر على الطابع الأمني، ولم يرق إلى مستويات سياسية. فلم يقم وزير الخارجية العراقي بزيارة دمشق على منوال ما فعله عديد من وزراء الخارجية العرب، كما ألغى وزير الخارجية السوري، للمرة الثالثة، زيارة إلى العاصمة العراقية كان من المزمع أن يقوم بها في 22 فبراير 2025، لأسباب أمنية.
2- لبنان:
رغم زيارة قام بها رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي إلى دمشق في 11 يناير 2025، واللقاء الذي تمّ في القاهرة بين الرئيسين السوري، أحمد الشرع، واللبناني، جوزيف عون، على هامش قمّة القاهرة العربية، ما زال مستوى علاقات البلدين يقتصر على التنسيق العسكري المرتبط بأمن الحدود بين البلدين. ولئن برّرت بيروت هذا القصور لعلاقته بإعادة تشكيل السلطة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، إلا أن موقف بيروت ما زال لا يرقى إلى المستوى المطلوب على الرغم من ملفات مشتركة تتعلق بملف ترسيم الحدود واللاجئين ومعابر التهريب والهواجس الأمنية لكل البلدين. ويعود قصور الأمر أيضا إلى انقسام سياسي بشأن التعامل مع الوضع الجديد في دمشق، خصوصا لجهة الحذر الشديد والتحريض الذي يتّخذه حزب الله ودوائره في التعامل مع نظام سياسي يعتبره معاديا، ناهيك عن احتمال ضلوعه في أحداث الساحل السوري.
3- الأردن:
يعتبر مراقبون أن عمّان راهنت باكراً على التحوّل السوري وبادرت إلى التواصل مع الشرع وفريقه على نحو متدرّج. ويمثّل لقاء الرئيس السوري بالعاهل الأردني في عمّان لحظة متقدمة في علاقات البلدين، تعتبر تاريخية منذ استقلال البلدين، وتمثّل قطيعة مع سياق العلاقات التي ظلت متوتّرة بين عمّان ونظام الأسد، الأب والابن. ويهتم الأردن بمعالجة الوضع الأمني على حدود البلدين الذي تعرّض، في عهد النظام السابق، لاختراقات مقلقة لتهريب المخدرات والأسلحة إلى داخل البلاد. كما يهتم بإدارة ملفات الطاقة والمياه والحرص على عدم تمدّد القلاقل الأمنية في جنوب سوريا، لا سيما في محافظتي، درعا والسويداء. لكن مخاوف الأردن أخذت بعُدا مقلقا إثر تدخلات إسرائيل العسكرية جنوب سوريا وتهديداتها بالتدخل في شؤون المكوّنات السورية لا سيما في الجنوب.
4- تركيا:
رغم نفي أنقرة أي خطط خاصة لها في سوريا، إلا أن تركيا تلعب دور الراعي الخلفي للتحوّلات السورية، وعملت، خلال الأشهر التي تلت سقوط النظام السابق، على تقريب وجهات النظر الإقليمية، وتشجيع دول المنطقة على التعاطي إيجابيا مع دمشق. وفيما تهتم تركيا باستقرار سوريا وازدهارها لما يمكن أن يتيحه الأمر من سوق تجارة واستثمار ومن عودة للاجئين السوريين إلى بلادهم، غير أن الأولوية التركية هي أمنية، تتركزّ على مواجهة الكيان العسكري والسياسي الكردي في شمال شرق سوريا. فهو كيان يقع جغرافيا قرب الحدود مع تركيا، وتقوده قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها أنقرة تابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنّف على لوائح الإرهاب. ولتركيا مصلحة في إيجاد منظومة إقليمية حول سوريا من شأنها التعامل مع ملف “داعش” وإقناع القوات الأميركية بالانسحاب من سوريا.
5- سوريا:
تحتاج دمشق إلى إيجاد توافقات مع دول الجوار، أمنية بالدرجة الأولى، لما لهذه التوافقات من ضرورة لحماية الاستقرار في سوريا وتسهيل انسياب الموارد الاقتصادية والتنموية وتلك الخاصة بالبنى التحتية مثل الطاقة الكهربائية من الأردن. لكن دمشق، وحتى قبل انفجار الوضع الأمني في منطقة الساحل بدءا من 6 مارس 2025، تملك معطيات بشأن تسرّب الأخطار ضد سوريا من حدود بعض دول الجوار. وتعتبر مصادر مراقبة أن التهديدات الإيرانية ضد الحكم الجديد التي لم تتوقف منذ سقوط النظام السابق من منابر قيادية رسمية في إيران، بما فيها المرشد علي خامنئي، تستفيد من بيئات سياسية ولوجستية وأمنية حاضنة، لا سيما في العراق ولبنان، إلى درجة اتهام دمشق لحزب الله في لبنان بالضلوع والمشاركة في إشعال أحداث الساحل الأمنية. وتعتبر دمشق أن اجتماعا خماسيا في عمّان من شأنه طرح المسائل على نحو صريح ومباشر. فيما أن تطوّر هذا الاجتماع لاحقا إلى تحالف أو منظومة إقليمية من شأنه محاصرة خطط إيران تقييد أنشطة أذرعها في المنطقة. كما أن سوريا تعوّل على دول الجوّار للمساهمة، في تخفيف التوترات بين السلطة في دمشق وبعض المكوّنات المتأثرة بمونة أو نفوذ بعض دول الجوار.

التحدي الإسرائيلي لسوريا وجوارها:
حريّ ملاحظة أن إسرائيل التي لم تكن على طاولة اجتماع دول الـ 4+1 بشأن سوريا في عمّان ، تفرض على تلك الدول أخذ العامل الإسرائيلي بعين الاعتبار، ما يستدعي من الاجتماع وضع التطوّرات الأمنية والسياسية المثلى لمواكبة التطوّر السوري وتوفير عوامل المناعة. فإسرائيل تفرض أمر واقع عسكري داخل جنوب سوريا لأجل طويل وسط صمت دولي، أو على الأقل لا يحظى بردود الفعل المناسبة من المجتمع الدولي. كما أن إسرائيل تعلن التدخل في شؤون مستقبل سوريا ومجتمعها ووحدتها، من خلال الإعلان المبكر، وقبل سقوط النظام السابق، على لسان وزير الخارجية، جدعون ساعر، عن تحالف مع الأكراد والدروز والوعد بحماية الأقليات. فيما يعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن عزم إسرائيل البقاء طويلا داخل الأراضي السورية، والتهديد بردّ أي أخطار عن الدروز في محافظة السويداء داعيا إلى ضم هذه المحافظة ووضعها تحت الحماية الإسرائيلية.
ويمثل التطوّر الإسرائيلي في سوريا تهديدا لكافة الدول المجاورة لهذا البلد، لا سيما للأردن، لعلاقة الخطوات الإسرائيلية، خصوصا بعد حديث نتنياهو عن نقل فلسطينيين إلى سوربا، ما يشكّل خطراً أساسياً مضاعفاً من الحدود الغربية، نظراً لطبيعة التطورات الجارية في الضفة الغربية واستمرار دعوات وزراء اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة ودفعهم باتجاه الحدود مع الأردن.
وفيما تعتبر تحليلات إسرائيلية أن تدابير نتنياهو هدفها ردّ النفوذ التركي عن الحدود مع إسرائيل ومنع استبدال الوجود الإيراني بالوجود التركي، فإن تركيا تعتبر أن العامل الإسرائيلي إلى:
1. منع الإدارة الجديدة في سوريا من النجاح في إقامة نظام سياسي مستقرّ موحد للبلاد.
2. فرض إسرائيل نفسها رقما صعبا في تحديد مستقبل سوريا.
3. التأثير على المواقف الدولية، لا سيما موقف الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي ما زال ضبابيا مجهولا بالنسبة لدمشق وكافة العواصم المجاورة المعنية بالشأن السوري.

خلاصة واستنتاجات:

**تعرب الدول المجاورة لسوريا عن قلق جراء غموض المستقبل السوري منذ سقوط النظام السابق، وتعتبر أن انهيار سوريا من شأنه أن يهدد أمنها واستقرارها، ما يحفّز تلك الدول على إيجاد أرضية تفاهم وتنسيق مشتركين لمواكبة التجربة السورية الجديدة.
**تشعر سوريا بتفاوت في سرعات تعامل دول الجوار معها، ففيما تعتبر علاقاتها مع الأردن وتركيا متقدمة ومنفتحة، ما زالت العلاقات مع العراق ولبنان يشوبها حذر وتحفظ.
**تعتبر دمشق أن تهديدات إيران بتغيرات في سوريا تستفيد من مشاركة وضلوع أذرع ناشطة لها لدى دول الجوار، لا سيما في العراق ولبنان، وأن تدابير سياسية وأمنية باتت ضرورة من قبل هذه البلدان لردّ الأخطار عن سوريا.
**تعمل تركيا على تطوير الاجتماعات التنسيقية لدول جوار سوريا، باتجاه إنشاء تحالف أو منظومة أمنية، كما إمكانية تحوّلها إلى تشكّل اقتصادي إقليمي، يخدم مصالح كافة الدول.
**تأخذ دول الجوار خطط إسرائيل في سوريا وتدخلاتها في شؤون هذا البلد في إطار أخطار حقيقية تتهدد دول المنطقة، وبالتالي فإن التدابير التنسيقية لدول الجوار، وجب أن ترقى إلى موقف مشترك ضد تحوّل إسرائيل إلى رقم صعب في مستقبل سوريا ودول المنطقة على السواء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.