“اتفاق قريب” بين واشنطن والرياض يؤدي إلى “التطبيع”: قراءة في مفردات الخبر
تقدير موقف : مركز تقدم للسياسات
تقديم: أعاد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان تأكيد ما سبق أن أكده وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن أن الاتفاق السعودي الأميركي بات “قريبا جداً”، ما يمهّد الطريق لتطبيع في علاقات السعودية وإسرائيل. وفيما تتحدث الصحافة الأميركية عن “تخفيف” الرياض لشروطها، إلا أنه لم تصدر أي مواقف رسمية بإمكانها تأكيد هذا التحوّل. فما الذي يدفع المنابر الأميركية إلى إبداء تفاؤل بشأن الاتفاق بين واشنطن والرياض أولاً وتغير في شروط السعودية بشأن التطبيع ثانيا؟
– قال ديفيد اغناتيوس في مقال له في الـ “واشنطن بوست” أن السعودية وافقت على مسودة “شبه نهائية” لاتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
– أشار إلى أنه في ملخص محادثات سوليفان، الأحد، مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكجزء من الصفقة الأميركية السعودية بشأن ملفات الأمن، تتوقع المملكة اتفاقًا على “مسار موثوق” نحو حل الدولتين للمشكلة الفلسطينية. واعتبر اغناتيوس أن الأمر يمثل تخفيفًا للغة السعودية السابقة.
– سبق للسعودية أن استخدمت صيغة لشروطها بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فإضافة إلى مطالبتها باتفاقية أمنية دفاعية مع الولايات المتحدة وشراكة الأخيرة في البرنامج السعودي النووي للأغراض المدنية، فإن الرياض اشترطت للعلاقة مع إسرائيل الشروع بـ “مسار لا رجعة عنه” يقود إلى إقامة دولة فلسطينية.
– من غير الواضح لماذا يمكن اعتبار صيغة “المسار الموثوق” أقل حدّة من صيغة “مسار لا رجعة عنه”، إلا إذا كانت هذه المفردات ضرورية في نصوص الولايات المتحدة، لا سيما في مداولاتها مع الطرف الإسرائيلي، وهو أمر غير منطقي بالنظر إلى الموقف الإسرائيلي غير المتحرّك في مسألة الدولة الفلسطينية.
– باتت الولايات المتحدة تعتبر سياق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والذي كانت تعمل عليه قبل اندلاع الحرب الحالية في غزّة، جزءا قد يرقى إلى مستوى الشرط لإبرام صفقة شاملة تنهي الحرب في غزّة، فيما أن أمر ظروف هذه الحرب، منذ عملية “طوفان الأقصى”، يفترض أنها خارجة عن سياق التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
– في هذا الصدد نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين في الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، قولهم إنّ زيارة سوليفان إلى السعودية وإسرائيل تُعَدّ “محاولة لإحراز تقدم نحو صفقة ثنائية مع السعودية، ثم عرضها على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بحيث تشمل “إنهاء الحرب في غزة، والتزام مسار يؤدي إلى حلّ الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين”.
– تحدثت الأنباء في واشنطن عن توصل المباحثات بين سوليفان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى صيغة “شبه نهائية” للاتفاقات الاستراتيجية في مختلف المجالات، والتي تفضي إلى اعتراف المملكة بدولة إسرائيل مقابل مساعدة واشنطن للرياض في مجال الطاقة النووية المدنية. إلا أن وكالة الأنباء السعودية شددت، الأحد 19 مايو ، على إيجاد “مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين”.
– قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي إن الجانبين اقتربا “أكثر من أي وقت مضى” من اتفاق صار الآن “شبه نهائي”. بالمقابل أفادت الوكالة السعودية أن سوليفان وبن سلمان ناقشا الشأن الفلسطيني “لإيجاد مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين، بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة”، كما بحثا “المستجدات الإقليمية، بما في ذلك الأوضاع في غزة وضرورة وقف الحرب فيها، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية”.
– قالت القناة 12 الإسرائيلية، نقلا عن مصدر سعودي أنه “لن يكون هناك سلام مع السعودية من دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية لذلك لن يكون هناك تطبيع مع الحكومة الإسرائيل الحالية. يكشف الموقف السعودي هذا أن الرياض غير مؤمنة بإمكانية التطبيع في ظل حكومة يقودها بنيامين نتنياهو.
– الصيغة التي تستخدمها واشنطن في التعليق على زيارة سوليفان للمنطقة تكاد تكون نسخة عن الصيغة التي استخدمها بلينكن قبل ذلك. ففي 26 أبريل الماضي قال وزير الخارجية الأميركي في الرياض إن العمل الثنائي السعودي الأميركي المرتبط بالتطبيع مع إسرائيل “من المحتمل أن يكون قريبا جدا من الاكتمال”. ولم ينف الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، الأمر، فقال إنه من المتوقع “في القريب العاجل” إبرام اتفاقات ثنائية بين المملكة والولايات المتحدة. ومع ذلك فإن الرجلين أكدا أن الأمر يحتاج إلى تهدئة في غزّة ومسار لإنشاء دولة فلسطينية.
– نشرت الصحافة الإسرائيلية، الثلاثاء، أن “مسؤولا في العائلة المالكة السعودية” صرح لـ”هيئة البث الإسرائيلية” مؤخرا إنه بالنسبة للمملكة: “بدون أفق سياسي للدولة الفلسطينية ومن دون أفق لقيام دولة فلسطينية، لن تتمكن السعودية من المضي قدما في عملية تطبيع حقيقية مع إسرائيل. وأضاف: “هذه حاجة عربية وإسلامية”. ووفقا له، “إذا تخلت السعودية عنها، فسيتم تصويرها على أنها خائنة، والكرة الآن في ملعب نتنياهو”.
– قالت قناة i24 الإسرائيلية، الثلاثاء، إنه رغم اقتراب الرياض وواشنطن من اتفاقيات حول التحالف الدفاعي الأمني بين البلدين، لكن الاتفاق بشأن الدولة الفلسطينية ليس في المتناول، خصوصا بعد المواجهة العلنية بين نتنياهو والوزير بيني غانتس، والتي كان من الواضح من خلالها أن نتنياهو يعارض بشدة دعم دولة فلسطينية كجزء من التطبيع مع المملكة العربية السعودية.
خلاصة:
**وفق بعض التحليلات تتعامل السعودية مع الأمر من داخل سياق الانتخابات الرئاسية الأميركية من حيث حاجة المرشح بايدن إلى إنجاز مزدوج ينهي الحرب في غزّة ويحقق هدف التطبيع الذي فاتح فيه القيادة السعودية في الزيارة التي قام بها للرياض في يوليو 2022 والتي حصل فيها على قرار سعودي لاحق بفتح الأجواء السعودية أمام الطيران المدني الإسرائيلي.
**يتضح أيضا أن الزيارات التي قام بها وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركيين تعيد الإشارة إلى مسألة “الاتفاق القريب جدا” وكأنها من لوازم تحتاجها حملة بايدن الانتخابية. بالمقابل فإن الرياض حريصة على توقيع اتفاق امني دفاعي جدّي مع واشنطن، لكنها لم تدل بأي تحوّل عن ثوابت سبق أن أعلنتها بشأن التطبيع مع إسرائيل وهو أمر تمّ تأكيده في نصوص القمّة العربية الأخيرة في المنامة.
**في الحديث السعودي عن أن الكرة باتت في ملعب إسرائيل ما يظهر من سجال بين بيني غانتس الذي شدد، الأحد، على ضرورة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ونتنياهو الذي ردّ عليه مؤكدا أنه لن يعترف بدولة فلسطينية كجزء من صفقة للتطبيع مع السغودية.
**بالنظر إلى معرفة واشنطن بموقف نتنياهو ومعرفتها بالشروط السعودية، فإن الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بين واشنطن والرياض قد يكون هدفه إعلامي للاستثمار في حملة الانتخابات الأميركية، أو أنه يمهد لمسار ثنائي أميركي سعودي بمعزل عن مسألة التطبيع. غير أن هذا الاحتمال غير وار وفق تصريحات سوليفان نفسه للفايننشال تايمز، في 5 مايو الجاري، الذي أكد أن إدارة بايدن لن توقع أي اتفاق دفاعي مع السعودية إذا لم تتوصل الرياض وتل أبيب إلى اتفاق التطبيع بينهما، مشدداً بالقول: “لا يمكن فصل قطعة عن باقي القطع الأخرى”.