إيران تنتخب إصلاحيا رئيساً: قراءة في ظروف الفوز وهندساته المحتملة
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات.
ورقة سياسات
ملخص تنفيذي:
– فوز الإصلاحي مسعود بزكشيان نتاج رغبة مجتمعية جرى التصويت عليها لصالح الانفتاح على الغرب والعودة إلى الاتفاق النووي.
– ارتفاع نسبة المشاركة في الدورة الثانية بعد انخفاضها التاريخي في الدورة الأولى يعكس دينامية المبارزة بين التشدّد والاعتدال.
– الهندسة التي قام بها “مجلس صيانة الدستور” قد تكون قد ساهمت، عن قصد، في إيصال شخصية إصلاحية إلى منصب الرئاسة لحاجة إيران إلى نهج انفتاح في هذه المرحلة
– بزكشيان ابن مؤسسات الدولة وجزء من النظام السياسي وسيكون أداءه محاصرا بصلاحيات المرشد والبرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون.
– قد لا يكون الحدث بعيدا من محادثات خلفية تجري بين واشنطن وطهران أنتجت تحوّلات من بينها فوز بزكشيان وموافقة حماس على خطة بايدن لوقف الحرب في غزّة.
تقديم:
فاز المرشح الإصلاحي مسعود بزكشيان في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في إيران التي جرت في 5 يوليو 2024. وكان قد ترشّح لهذه الانتخابات 6 مرشحين وافق مجلس صيانة الدستور على أهليتهم من بين 80 مرشحاً. وقد تنافس 5 مرشحين محافظين ومرشح إصلاحي واحد هو بزكشيان. وتنافس في الدورة الأولى التي جرت في 28 يونيو الماضي 4 مرشحين (3 محافظين وواحد إصلاحي) بعد انسحاب مرشحيْن محافظين. وانتهت الدورة الأولى إلى تأهل بزكشيان والمرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي. علما أن هذه الانتخابات نُظمت بشكل مبكّر لاختيار خلف للرئيس إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث سقوط مروحية في 19 مايو الماضي.
•تحرّك الكتلة الرمادية:
تميّزت الدورة الأولى بضعف قياسي لنسبة المشاركة في الاقتراع، بحيث وصلت النسبة إلى 40 بالمئة وهي الأقل تاريخيا منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. بالمقابل قفزت هذه النسبة إلى مستوى 49.8 بالمئة في الدورة الثانية، بما يعني أن العملية والحملة الانتخابيتين أطلقتا دينامية حثّت المقاطعين للتصويت والتوجه إلى صناديق الاقتراع.
وجاء فوز بزشكيان بفارق لافت عن منافسه. فوفق وزارة الداخلية الإيرانية، فإن بزشكيان حصل على 55 بالمئة من أصوات الناخبين، ووفق إحصاء أكثر من 30 مليون صوت، فقد نال بزشكيان منها على ما يزيد على 17 مليون صوتا، وجليلي على أكثر من 13 مليون صوت.
وقد حظي بزكشيان أثناء حملته الانتخابية بدعم الرئيسين السابقين، محمد خاتمي وحسن روحاني وشخصيات إصلاحية أخرى. فيما انضم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس روحاني إلى حملة الانتخابات مستشارا لبزكشيان. وقد اتّسم بزكشيان في بدايات الحملة الانتخابية بالارتباك والضعف، حسب مراقبين، لا سيما في المناظرتين، الأولى والثانية، لكنه تمكّن بعد ذلك من تسجيل اختراق لدى الكتلة الناخبة ما أدى إلى تأهيلة في الدورة الأولى ودفعه للفوز في الدورة الثانية وإضافة 7 مليون صوت إلى رصيده في الدورة الأولى الذي وصل إلى حوالي 10 ملايين صوتا.
•مبارزة بين التشدّد والانفتاح:
حافظ المرشح المحافظ المتشدّد سعيد جليلي، الذي انتزع التأهل من المرشح المحافظ المعتدل محمد باقر قاليباف في الدورة الأولى، على الأطروحات المحافظة التقليدية في مسائل التشدّد في الملفات الاجتماعية والسلوكية والنفور من أي علاقة مع الغرب لصالح التوجه شرقا، لا سيما لروسيا والصين والتوسّع في العلاقات جنوبا، بالمقابل فإن المرشح الإصلاحي بزكشيان اعتبر أن حلّ المعضلات الاقتصادية لإيران لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال الانفتاح على الغرب والعودة إلى الاتفاق النووي على نحو متوازٍ مع العلاقة مع الشرق والجنوب.
ويعتبر خبراء في الشأن الإيراني أن بزكشيان هو “ابن الدولة” ومن نسل النظام الإسلامي في إيران وأنه شخصية معروفة لدى كافة تيارات البلاد السياسية. فقد عمل مسؤولا عن إرسال الفرق الطبية في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) وتتحدث سيرته عن المشاركة في القتال في تلك المرحلة. وقد تبوأ بزكشيان مناصيب أكاديمية انتقل بعدها إلى المناصب السياسي سواء في انتخابه نائبا أو في منصب النائب الأول لرئيس البرلمان في عهد علي لاريجاني أم وزيرا للصحة في عهد الرئيس محمد خاتمي. وفيما تتحدث تقارير عن دعمه في سنوات نشاطه البرلماني الأولى لقانون متشدّد بشأن حجاب المرأة، غير أن مواقفه تطوّرت في هذا الصدد لاحقا لدرجة المجاهرة علنا في انتقاد الأداء الرسمي الذي أدى إلى مقتل الشابة مهسا أميني في 22 سبتمبر 2022.
•هندسات محتملة:
بغضّ النظر عن شفافية العملية الانتخابية ونزاهة الاقتراع، وبغضّ النظر عما عبّر عنه المجتمع الإيراني من توق إلى اختيار رئيس إصلاحي معتدل بعد أقل من 3 أعوام على انتخاب المتشدّد المحافظ القريب من المرشد، إبراهيم رئيسي رئيسا، فإن هندسة العملية الانتخابية قد لا تكون بعيدة من نتائجها. تطرح هذه الفرضية أسئلة بشأن ما إذاكانت “الدولة العميقة”، بما فيها الدوائر القريبة من المرشد علي خامنئي، عملت على إبراز شخصية إصلاحية تخدم أجندة النظام وحساباته في المرحلة الراهنة والمقبلة.
ويدعو بعض الخبراء إلى تأمل الملاحظات التالية:
1-عمل مجلس صيانة الدستور على ممارسة صلاحياته التقليدية في تحديد أهلية المرشحين من عدمها، بحيث رفض أهلية 74 مرشحاً وصادق على أهلية 6 مرشحين.
2-من الأسماء المستبعدة محمود أحمدي نجاد، الذي تقلّد منصب الرئاسة لولايتين وعلى لاريجاني الذي ترأس من بين مناصب أخرى، البرلمان، ويعتبر من الدائرة القريبة من المرشد. كما رفضت اللجنة تأهيل المرشحين الإصلاحيين إسحاق جهانغيري وعباس أخوندي
3-ضمت قائمة المرشحين النهائية 5 مرشحين محافظين هم، رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي ورئيس وقف الشهيد والمحاربين القدامى أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، إضافة إلى المرشح الإصلاحي الوحيد، وزير الصحة السابق مسعود بيزشكيان.
4-هذه الهندسة جعلت من المرشح الإصلاحي خصماً لبقية المرشحين المحافظين الذين تشتت أصوات ناخبيهم المحافظين لصالح المرشح الأكثر تشدّدا سعيد جليلي وليس لصالح المرشح المحافظ المعتدل محمد باقر قاليباف. هذا الواقع جعل الاختيار بين سعيد جليلي الأكثر تشدّدا والإصلاحي المعتدل مسعود بزكشيان أكثر جلاء ومحفّزا للكتلة الناخبة الرمادية للتحرّك لدعم مرشح هذه الكتلة الذي عادة ما يكون من المعتدلين أو الإصلاحيين.
•إصلاحي لتحسين صورة إيران:
يُعتبر انتخاب مسعود بزكشيان بالتصويت الشعبي العام لا يشكّل أي تحدٍّ للمحافظين ولسلطة المرشد علي خامنئي. وفيما وضع الأخير مجموعة من الخطوط الحمر وجب على الرئيس الجديد أن يتقيّد بها لجهة “عدم اختيار فريق معاد للثورة وعدم تقديم تنازلات للغرب”، فإن البرلمان الذي يسيطر عليها التيار المحافظ كفيل بوضع حدود أخرى تضيّق من هامش الرئيس الجديد.
وترجّح أوساط مراقبة حاجة النظام الإيراني إلى واجهة في رئاسة الجمهورية تحسّن من صورة إيران العامة في المحافل الدولية بعد الانتقادات التي وجّهت للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بسبب سيرته السيئة في ملف حقوق الإنسان في قمع المعارضين واتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية عام 1988.
تضيف هذه الأوساط أن النظام استنتج عقم الاعتماد على حصرية العلاقات مع الصين وروسيا وبعض دول الجنوب لانتشال البلد من أزماته الاقتصادية، وهو ما دافع عنه المرشح جليلي، وضرورة مقاربة جديدة للعلاقات مع الغرب والعودة لمفاوضات تعيد إحياء الاتفاق النووي مع التمسك بتوجه الدولة شرقا وجنوبا، وهذا ما دافع عنه المرشح بزكشيان.
•الانتخابات وتواصل واشنطن-طهران؟
تشبه التجربة الحالية هندسةً من نوع وأسلوب آخرين مورست في انتخابات عام 2013 والتي أتت بحسن روحاني رئيسا للبلاد. واتّضح لاحقا أن روحاني وحكومته، لا سيما وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قد حظيا برعاية المرشد لمباشرة مفاوضات، بما في ذلك مع الولايات المتحدة عبر قناة خلفية جرت في مسقط، انتهت عام 2015، أي بعد عامين من انتخاب روحاني، إلى إبرام اتفاق فيينا بشأن البرنامج النووي تحت اسم “خطة العمل المشترك الشاملة JCPOA”.
ولا تستبعد أوساط مراقبة أن يكون اختيار إصلاحيا منفتحا رئيسا لإيران يهدف إلى إنجاز تقدم قد يكون سريعا في مفاوضات الاتفاق النووية بهدف دعم ترشًح الرئيس الأميركي جو بايدن للانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024 من جهة، واستباق احتمال فوز المرشح الجمهوري بهذه الانتخابات من جهة أخرى من خلال عقد صيغة جديدة من الاتفاق تصعّب من إمكانية انسحاب. ترامب من الاتفاق من جديد على منوال ما فعل عام 2018.
وتُرجح بعض المصادر أن يكون لتحرّك إيران لانتخاب مرشح إصلاحي رئيسا علاقة بالمحادثات الأميركية الإيرانية من خلال قناة مسقط والبعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة في نيويورك. وتدرج هذه الأوساط قرار حركة “حماس” الموافقة على الخطّة التي أعلنها بايدن لوقف القتال، ودعم حزب الله السريع لتحوّلات “حماس”، في إطار تلك المحادثات، بما يحضّر المشهد لبيئة جديدة سيكون بزكشيان واحدا من نجومها.
خلاصة واستنتاجات:
**يعكس فوز بزكشيان توق الإيرانيين بأغلبية مريحة إلى الانفتاح على المستوى الداخلي وإعادة الوصل مع المنظومة الغربية بما في ذلك إنعاش اتفاق فيينا النووي لعام 2015.
**من غير المرجح أن يكون فوز بزكشيان يمثّل تحديا للمرشد والمحافظين. فإضافة إلى إمكانية ضلوع النظام في هندسة فوز بزكشيان، فإن صلاحيات المرشد وبرلمان البلاد المحافظ يضيق هامش تحرّك الرئيس الجديد.
**فوز بزكشيان قد يمثل حاجة لإيران للانفتاح على الغرب، وفق ما يدعو إليه الرئيس الجديد، بما يؤدي أيضا إلى العودة للاتفاق النووي بما يخدم بايدن في حملته انتخابية ويستبق فوزا محتملا لترامب.
**انتخاب إصلاحي وإمكانية التوصل إلى اتفاق في غزّة ينهي الحرب يوفّران بيئة لفتح صفحة انفراج في ملفات عديدة من ضمن محادثات طهران مع إدارة بايدن في واشنطن.