إيران تطلّ على العالم من العراق: بغداد وجهة بزشكيان الأولى

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
:
تقديم:
 تمثل زيارة الرئيس الإيراني الجديد إلى العراق الوجهة الأولى للسياسة الخارجية التي ستعتمدها إيران في ظل برنامج الرئيس الجديد الداعي إلى الانفتاح على الجوار والعالم، وتحوّلات المرشد الأعلى بتشجيع المفاوضات مع الغرب. يمثل الحدث عنوانا مهما بالنظر إلى علاقة العراق مع الولايات المتحدة والدور الذي لعبته بغداد في الوساطة بين إيران من جهة وكل من السعودية ومصر والأردن.
نقرأ إشكاليات الزيارة وآفاقها الثنائية والدولية في ضوء المعطيات والخلفيات التالية:
– في 11 سبتمبر 2024, التقى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، برئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في زيارة تستغرق 3 أيام، هي الأولى له منذ انتخابه في 28 يوليو الماضي. وتعتبر الوجهة الأولى باتجاه العراق رسالة سياسية للرئيس الجديد وحكومته بشأن الأهمية الخاصة التي توليها إيران للعلاقة مع العراق. يرى مراقبون في إيران أن الزيارة” امتداد طبيعي” لرئاسة الراحل إبراهيم رئيسي الذي اختار العراق محطة لأولى زياراته الخارجية.
– في أغسطس الماضي تعهد بزشكيان بإعطاء “الأولوية” لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة، وقال إن “العلاقات مع الدول المجاورة (..) يمكن أن تحيّد قدرا كبيرا من الضغوط الناجمة عن العقوبات”.
– أشار السفير الإيراني في العراق، محمد كامل آل صادق، إلى أن العراق يستطيع أن يلعب دورا مهما في توطيد العلاقات بين دول المنطقة، كما هو الحال عندما لعب سابقا دورا في إعادة العلاقة بين الرياض وطهران، وأن “الإيرانيين يأملون أن يلعب العراق هذا الدور في توطيد العلاقة مع سائر دول المنطقة”.
– يرى خبراء أنه، على الرغم مما تمتلكه إيران من نفوذ لدى الفصائل السياسية الشيعية، لا سيما المسلحة منها، فإن إيران تسعى لترتيب علاقات رسمية سياسية واقتصادية وأمنية مع الدولة العراقية. ويعتبر هؤلاء أن هذا التطوّر يساعد طهران على الانفتاح على العالم العربي عبر العراق، ويخفّف من أزمة العقوبات والقطيعة الدبلوماسية الدولية مع طهران.
– لعب العراق، في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، دورا في تيسير الحوار بين السعودية وإيران، من خلال استضافة 5 جولات من المفاوضات في عامي 2021 و 2022. ويقف “حوار بغداد” وراء توصّل البلدان إلى “اتفاق بكين” برعاية الصين في 10 مارس 2023.
– لعب العراق أدواراً أخرى في محاولة للتقريب بين إيران والأردن من خلال استضافة 3 جولات من المناقشات في بغداد بين عامي 2020 و 2022. وتحدثت معلومات أخرى عن جهود بذلتها بغداد للوساطة بين طهران والقاهرة، بما في ذلك مفاتحة رئيس الوزراء العراقي القاهرة بهذا الصدد، في الزيارة التي قام بها لمصر في يونيو الماضي، وسط أنباء عن إيجابية مصرية بهذا الاتجاه.
– يقول باحثون في الشؤون الإيرانية إنه، وعلى الرغم من أن السوداني هو مرشّح “الإطار التنسيقي” الشيعي المقرّب من طهران، إلا أن حكومة سلفه، مصطفى الكاظمي، كانت أكثر تعاونا في ملفات مشتركة عديدة. حيث يميل السوداني إلى توسيع علاقات العراق مع البلدان العربية وهو أقل ميلا إلى “الأولوية الإيرانية” ومراعيا لمصالح بغداد مع واشنطن.
– تأتي زيارة بزشكيان بعد أيام على إعلان وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، في 8 سبتمبر، أن بغداد وواشنطن توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق “على مرحلتين”، مرجّحا أن يتم توقيع اتفاق بهذا الشأن “في الأيام القليلة القادمة”.
– تنشر الولايات المتحدة زهاء 2500 جندي في العراق، ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويضم التحالف كذلك قوات من دول أخرى لا سيّما فرنسا والمملكة المتحدة. وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات من البلاد.
– تأتي زيارة بزشكيان للعراق أيضا بعد يوم على إعلان الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب اتهامها بتزويد روسيا بصواريخ باليستية. وتأتي الزيارة بعد ساعات على إعلان مسؤول أمني عراقي عن تعرّض قاعدة يشغلها مستشارون للتحالف الدولي في مطار بغداد الدولي لسقوط صاروخين.
– تحدثت تقارير عن اهتمام بزشكيان بإنعاش ملف مشروع سكة الحديد، البصرة – الشلامجة الاستراتيجي والذي تعتبره إيران أولية. وقد أعيد تنشيط الحديث عن المشروع في عهد الكاظمي وتوقف العمل به في عهد السوداني
– يهم بزشكيان مواصلة تحسين شروط حصول إيران على عائدات وأصول لإيران في العراق. وقد أدى تسديد العراق لجزء من ديونه لإيران إلى ظهور تكهنات بمنح الولايات المتحدة الضوء الأخضر للتحويلات المباشرة إلى النظام المصرفي الإيراني. وقد اكتسب مثل هذا الحديث قوة بعد إعلان المرشد الأعلى لإيران أنه “لا خطب” في إبرام صفقة لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
– يتوقع أن تبحث الزيارة ملفا أمنيا يتعلق بإتمام حل مسألة الجماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة في شمال العراق، وتنفيذ اتفاق تمّ الوصول إليه في 2023، بدعم من بغداد وأربيل، ينص على نقل هذه الجماعات إلى مناطق بعيدة عن الحدود مع إيران وضمان نزع سلاحها.
– يهمّ العراق تجنّب استخدام الأراضي العراقية منطلقا مسلحا لحساب أجندات طهران في المنطقة والعالم أو هدفاً لعمليات انتقامية سبق أن نفّذتها إيران لا سيما ضد إقليم كردستان. ويهمّ بغداد انتزاع تعهدات من بزشكيان بشأن ذلك.  في ذات الوقت قال السوداني، في مؤتمر صحفي مشترك مع بزشكيان: “لن نسمح بأي تهديد أو عدوان ينطلق من أراضينا ضد إيران”.
خلاصة:
**يسعى الرئيس الإيراني إلى تأكيد أهمية العراق بالنسبة لإيران من خلال تخصيصه بأول زيارة له خارج البلاد. ورغم النفوذ الذي تملكه طهران لدى الفصائل السياسية الشيعية، يهم طهران تثبيت اتفاقات مع الدولة العراقية في السياسة والأمن والاقتصاد.
**بالنظر إلى أن العراق يعتبر حليفا استراتيجيا لكل من إيران، والولايات المتحدة، فإن بزشكيان يسعى إلى تعزيز نفوذ إيران والإطلالة من خلال العراق على العلاقة مع دول الجوار والعالم.
**بالنظر إلى أدوار لعبتها بغداد في محاولة التقريب بين إيران من جهة والسعودية ومصر والأردن من جهة ثانية، فإن لبزشكيان مصلحة في توطيد أواصر علاقة مع بغداد كمدخل لتطبيع العلاقات مع بلدان المنطقة
**يسعى بزشكيان لانعاش مشاريع اقتصادية استراتيجية بالنسبة لإيران خفتت الحماسة لها في عهد حكومة محمد شياع السوداني. يسعى أيضا إلى التأكيد على تنفيذ اتفاقات أمنية تمّ إبرامها بشأن الفصائل الكردية الإيرانية المعارضة في العراق.
**يهم بغداد انتزاع تعهدات من الرئيس الإيراني بعدم استخدام العراق منطلقا أو هدفا لحساب أجندات طهران الإقليمية والدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.