إيران أمام سيناريو الحرب الشاملة: حيثيات أطراف الحرب وحدودها
د. محمد قواص،مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات
•ملخص تنفيذي:
– تلوّح إيران بردّ موجع ضد إسرائيل من ضمن سياق يوحيّ لطهران، بتموضع الولايات المتحدة وإسرائيل لحرب كبرى ضدها.
– تلتزم إسرائيل بالقيود الأميركية للضربات ضد إيران، لإدراكها بأنها باتت جزءا من تحوّلات في واشنطن ضد طهران.
– تقوم حملة إضعاف إيران على ضربات لمواقع استراتيجية في إيران، معطوفة على حملة ضد “أذرعها” في المنطقة.
– تكشف التعزيزات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط عن انتقال الاستراتيجية العسكرية الأميركية من مستوى الدفاع إلى احتمالات المشاركة والهجوم.
– تدرس الولايات المتحدة “الخيار العسكري” لتعديل موازين القوى بعد أن حقّقت إيران اختراقات تقرّبها من صناعة قنبلة نووية.
– تعتبر إسرائيل إيران وأذرعها خطرا “وجوديا”، فيما لا مؤشرات حتى الآن على تأييد واشنطن خيار القضاء على النظام في طهران.
• تقديم:
توحي التهديدات الإيرانية المكثّفة والشديدة الوعيد بشنّ ردّ ضد الردّ الإسرائيلي الأخير، معطوفة على إعلان الولايات المتحدة عن إرسال “قدرات” عسكرية جديدة خلال الشهر المقبل، أن المنطقة تتحضّر لمستويات جديدة من المواجهة بين إسرائيل وإيران. غير أن المزاج في طهران وواشنطن يوحي أيضا أن الولايات المتحدة باتت منخرطة علنا في حرب ضد إيران من غير الواضح مدى أهدافها السياسية قبل العسكرية. ويرجّح أن إيران أمام واقع جيوستراتيجي جديد لن تغيره الانتخابات الرئاسية الأميركية.
• ردّ إيران: الحوافز والهواجس
يكشف إعلان إيران عن عزمها الردّ على الردّ الذي نفّذته إسرائيل، في 26 اكتوبر 2024، إدراكا في طهران أن العلاقة مع إسرائيل دخلت منطق الحرب الحقيقية وتجاوزت مستوى المناوشات المتبادلة مهما اشتدت قوتها. ويسود اعتقاد لدى الاستراتيجيين أن طهران باتت مقتنعة أن الحرب، بمعناها الشامل، باتت مسألة وقت تحدده مواقيت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وجهوزية الإدارة الأميركية لمواكبة ورعاية ودعم أي عمليات عسكرية موسّعة تطال أهدافا، قد تكون استراتيجية، تستوجب التقاطع الأميركي الإسرائيلي بشأنها.
وانطلاقا من تصريح سابق، نسب إلى مرشد الجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، يقول فيه، استباقا للردّ الإسرائيلي الأخير، أن “إيران لن تردّ إذا ما استهدفت الضربات مواقع عسكرية وكانت الأضرار خفيفة نسبيا”، فإن ما صدر قبل أيام عن المرشد نفسه من توعّد بردّ مزلزل ضد إسرائيل، وما صدر, في 3 نوفمبر 2024، عنه من أن طهران ستفعل “كل ما يجب القيام به لإعداد الأمة الإيرانية، سواء عسكرياً أو سياسياً” لمواجهة أي تهديد، يرجّح صحة التقارير، الأميركية الغربية، عن إنزال الضربات الإسرائيلية خسائر موجعة في منظومات الدفاع الجوي والصناعات العسكرية، لا سيما تلك المرتبطة بالبرنامج الصاروخي، ما يفسّر دوافع إيران للردّ على الردّ.
غير أن خبراء في الشؤون الجيوستراتيجية بدأوا يرجّحون أن قرار الردّ الإيراني قد لا يكون تقنياً، بمعنى معالجة الضربات الإسرائيلية بردّ سياسي وعسكري موضعي، بل هو إجراء هدفه تموضع إيران داخل مشهد حرب كبرى يجري إعدادها، وهي مقبلة بتدرّج، وقد يكون من وجهة نظر الاستراتيجيين الإيرانيين، استباقها، والاستعداد لها من داخل إيران؟ كما من خلال كافة الفصائل التابعة لها في المنطقة.
ويقوم تقويم طهران لاحتمالات الحرب الكبرى على العوامل التالية:
• إسرائيل جزء من الاستراتيجية الأميركية
يرى مراقبون للشؤون الإسرائيلية أن استجابة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للضغوط الأميركية عشيّة الضربة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، لا سيما في تجنّب استهداف منشآت تابعة للبرنامج النووي ومواقع على علاقة بصناعة الطاقة، ترجع إلى العوامل التالية:
• الولايات المتحدة: لماذا بات الخيار العسكري وارداً؟
تتدافع كثير من المؤشرات في الولايات المتحدة توحي بأن واشنطن باتت ذاهبة إلى رعاية “خيار عسكري” محسوب محدد الأهداف على المستوى الاستراتيجي وفق المعطيات والتوقعات التالية:
• خلاصة واستنتاجات
**باتت إيران مدركة أنها دخلت في منطق الحرب الشاملة، وأن الأمر تجاوز مع إسرائيل مستوى الردّ والردّ المضاد، وأن المواكبة والحماية الأميركية باتت واقعا متطوّرا يعد بحرب شاملة.
**يعود انضباط نتنياهو بالقيود الأميركية لأي ضربات إسرائيلية تطال إيران إلى أدراكه بتحوّلات الولايات المتحدة ودرسها الخيار العسكري كأداة ضرورية في التفاعل مع إيران.
**يعد عدم عودة بايدن إلى الاتفاق النووي بعد انسحاب الإدارة في عهد ترامب إلى تصوّر أميركي بضعف “اتفاق فيينا” واستحالة إعادة تفعيله بعد اختراقات إيران الخطيرة لبنوده.
**تعوّل إيران على رفعها نسب تخصيب اليورانيوم وكميات تخزينه واقترابها من صناعة قنبلة نووية لفرض شروط على طاولة أية مفاوضات. بالمقابل تسعى واشنطن، بقدراتها لاحقا أو عبر إسرائيل حاليا إلى تعديل موازين القوى.
**على الرغم من اعتبار نتنياهو أن إيران تشكّل خطرا وجوديا على إسرائيل، فإنه لا توجد مؤشّرات على خطط أميركية عسكرية تهدد النظام السياسي الإيراني.