إسرائيل متفاجئة.. حيثيات اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن ودلالاته
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن إثر تعهّد جماعة الحوثي بالتوقف عن استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر. فما هي حيثيات الأمر وحساباته قبل أيام على وصول ترامب إلى منطقة الخليج، ولماذا لم تعلم به إسرائيل مسبقا وما علاقة التطوّر بإعادة استئناف المفاوضات الأميركية الإيرانية؟
في التفاصيل:
– في 6 مايو 2025، أعلنت سلطنة عُمان أن جهودها أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي. وذكرت وزارة الخارجية العمانية في بيان، أن هذا الاتفاق جاء بعد المناقشات والاتصالات التي أجرتها السلطنة مؤخراً مع الجانبين بهدف تحقيق خفض التصعيد.
-أضاف البيان أنه “في المستقبل، لن يستهدف أي من الطرفين الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة، وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي”.
– في 6 مايو، قال ترامب: “تلقينا أخباراً جيدة جداً الليلة الماضية. أعلن الحوثيون أنهم لم يعودوا يريدون القتال أو على الأقل أعلنوا لنا أنهم لا يريدون القتال بعد الآن. إنهم ببساطة لا يريدون القتال، وسنحترم ذلك وسنوقف القصف، وقد استسلموا. والأهم من ذلك أننا سنصدق كلمتهم، وهم يقولون إنهم لن يفجروا السفن بعد الآن، وهذا هو الهدف الذي نريده مما كنا نفعله”.
-في 6 مايو، نقلت وكالة “بلومبرغ” عن عضو بالمجلس السياسي للحوثيين، أن “العمليات بالبحر الأحمر وإسرائيل لن تتوقف لحين انتهاء العدوان على غزة”. بالمقابل قال محمد عبد السلام، كبير المفاوضين الحوثيين، لرويترز في 7 مايو: “لا يشمل الاتفاق إسرائيل بأي شكل من الأشكال”.
-في 6 مايو، نقل موقع “اكسيوس” الاميركي عن مسؤول إسرائيلي كبير أن الولايات المتحدة لم تُخطر إسرائيل مُسبقا بإعلان ترامب عن هدنة مع الحوثيين. وقال المسؤول: “لم نكن على علم بهذا، لقد فاجأنا ترامب”. فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية بان المستوى السياسي في حيرة الآن، وهم يحاولون فهم ما يعنيه الرئيس الأميركي.
– يعتقد أن انخراط ويتكوف، في التواصل مع الحوثيين من خلال عُمان يكشف عن اقتناع الإدارة بأن الخيار العسكري بالمستوى المعتمد منذ 15 مارس لا يمكن أن يمنع الحوثيين من الاستمرار في استهداف الملاحة الدولية والسفن الأميركية بالذات، بالنظر إلى امتناع واشنطن عن بحث أي خطط لهجوم بري (بالتنسيق مع الشرعية اليمنية ودول المنطقة) يستهدف الحالة الحوثية في اليمن.
– يعتقد أن توكيل أمر التواصل مع الطرف الحوثي، عبر عمان، إلى ويتكوف الذي يرأس وفد التفاوض الأميركي مع إيران، يكشف عن مداولات أميركية إيرانية قد تكون قد أدت إلى تدخل طهران لدى حلفائها في اليمن للقبول بوقف إطلاق النار.
– تعتبر بعض الآراء بأن إدارة ترامب أخطأت في تقديراتها بالقدرة على تحقيق أمن الممرات الدولية بالبحر الأحمر من خلال رفع مستوى الانخراط العسكري عما كان معتمدا من قبل إدارة الرئيس السابق جو بايدن فقط، لا سيما أن تعطيل الملاحة من قبل الحوثيين سيستمر تنفيذه بأدوات عسكرية بسيطة لن تطالها جولات القصف الأميركي.
– فيما تصرّ إيران على استقلالية قرار جماعة الحوثي عن طهران، غير أن نجاح الصاروخ الباليستي الحوثي في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإصابة مطار بن غوريون، أكد انخراطا تقنيا ومعلوماتيا إيرانيا وعلاقة عضوية بين الطرفين، خصوصا أن توقيت إطلاق الصاروخ جاء بعد أيام على انفجارات هزّت ميناء رجائي ببندر عباس جنوب إيران في 26 أبريل، ولمّحت الصحف الإسرائيلية إلى مسؤولية إسرائيل عن الأمر، ما أعتبر ردا إيرانيا غير مباشرا ضد إسرائيل.
-أشارت بعض المصادر المراقبة إلى ارتباط تعثّر عقد الجلسة الرابعة من المفاوضات الأميركية الإيرانية بالأزمة مع الحوثيين في اليمن. ففي حين لم تعط واشنطن تفسيرا لتعثر عقد الجلسة وذهب ترامب ووزير خارجيته إلى التصعيد والمطالبة بـ “تفكيك” البرنامج النووي، فإن تردد أنباء عن عقد جلسة رابعة للمفاوضات قريبا ارتبط بأنباء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن.
-تعتقد مصادر دبلوماسية مراقبة بأن الرئيس الأميركي أراد تبريد جبهة اليمن وإعادة تشغيل سياق المفاوضات مع إيران قبل الزيارة التي سيقوم بها في فترة 13-16 إلى السعودية والإمارات وقطر، ليستفيد من زخم هذه الزيارات وما سينتج عنها من صفقات تجارية واتفاقات سياسية، ولتقديم نفسه مفتاح سلم واستقرار في المنطقة.
-يكشف إعلان مصادر إسرائيلية عن عدم علم المسؤولين الإسرائيليين المسبق بالاتفاق عن ضبابية في آلية التنسيق بين الولايات المتحدة وعن تقصد ترامب ذلك، خصوصا أن إعلان الأمر أتى بعد ساعات على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف ميناء الحديدة ومناطق أخرى حوثية ردا على الصاروخ الذي أصاب مطار بن غوريون.
-يكشف إعلان وقف إطلاق في اليمن واستئناف المفاوضات الأميركية الإيرانية عن ابتعاد إدارة ترامب عن خيار إسرائيل العسكري. وقد ظهر ذلك أيضا في قرار ترامب بإقالة مايك والتز من منصبه كمستشار للأمن القومي بعدما قيل عن غضب ترامب من مناقشة والتز مع نتنياهو الخيارات العسكرية ضد إيران.
– يرى خبراء أن الاتفاق يتيح لترامب تحقيق إنجاز فرض الأمن على البحر الأحمر ليضيفه إلى إنجازاته. لكن إعلان جماعة الحوثي عدم شمول وقف إطلاق النار إسرائيل يطرح أسئلة بشأن موقف واشنطن إذا ما استمر الحوثيون في استهداف إسرائيل.
خلاصة:
**يحقق اتفاق وقف إطلاق بين الولايات والحوثيين هدف ترامب الذي أراد تحقيقه من خلال إطلاق عمليته العسكرية لفرض الأمن على الممرات الدولية والبحر والأحمر.
**يؤكد الاتفاق أن واشنطن أدركت صعوبة تحقيق الهدف عبر الضربات العسكرية من دون حملة برية، وأن للاتفاق أثمان دبلوماسية قد تستفيد منها طهران لاحقا.
**تكليف ويتكوف، رئيس الفريق الأميركي المفاوض مع إيران، بالتواصل مع الحوثيين، عبر عمان، ، قد يكشف عن تدخل إيراني لدى الحوثيين لتسهيل التوصل إلى اتفاق.
**قد يكون تعثر عقد الجلسة الرابعة للمفاوضات الأميركية الإيرانية ثم تردد أنباء عن استئنافها بعد اتفاق اليمن على علاقة بموقف إيراني لتهدئة الحوثيين في اليمن.
**يعبر عدم علم إسرائيل المسبق بالاتفاق عن أزمة ثقة بين نتنياهو وترامب كشفتها مسألة إقالة مستشار الأمن القومي، وعن انتهاج ترامب مسارا في التفاوض مع إيران مختلف عن خيارات إسرائيل.
**إعلان الحوثي أن الاتفاق لا يشمل إسرائيل وسفنها يطرح أسئلة بشأن موقف واشنطن إذا ما التزم الحوثي بأمن الملاحة في البحر الأحمر واستمر في استهداف إسرائيل ثم موقف إسرائيل في الردّ رغم الاتفاق الحوثي الأميركي.
**يخدم الاتفاق توقيت ترامب لجهة مصادفته قبل أيام من زيارته للخليج من حيث تقديم نفسه في المنطقة مفتاحا للأمن والاستقرار.