إسرائيل على عتبة ازمة اقتصادية عاصفة وهروب الاموال والادمغة

تقرير اقتصادي: مركز تقدم للسياسات

تقديم:

في تقريره المرفوع الى الكنيست في الرابع من الشهر الجاري، وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريش الاقتصاد الإسرائيلي ببعديه العام والمالي على أنهما قويان نسبيا على مستوى العالم. في المقابل فقد أقر بأن الضغوط التضخمية لم تتراجع بقدر ما توقعت وزارته ووفقا لميزانية الدولة للعامين 2023 و2024.
سعى الوزير اقناع موظفي الوزارة بأن المعطيات لا تدلل على تراجع في قوة الاقتصاد، وبأنها مسألة عابرة غير مستدامة، وطالب مسؤولي الوزارة بتعديل التقرير وإضفاء طابع ايجابي عليه والذي قوبل بالرفض، ليقوم بتحميل المسؤولية لحركة الاحتجاج ضد التشريعات الحكومية، وبأنها خلقت ضغوطات داخلية وخارجية تمس بسمعة الاقتصاد الاسرائيلي وثقة المستثمرين الاجانب والمحليين به.
تحليل:
من غير المعروف عن الوزير سموتريتش وتياره بانه يكترث للراي العام الاسرائيلي او الدولي، بل سعى في عدة مناسبات الى الإقلال من حجم الاضرار التي يتعرض لها الاقتصاد وهي اضرار تأخذ منحى تراكميا يلحق اضرارا جسيمة بالاقتصاد الاسرائيلي وبتقديرات مستقبلية. فكل استثمار يتم سحبه من اسرائيل فإن الخسارة من هكذا خطوة ستكون بحجم الاستثمار ومردوده المتوقع مستقبلا وعلى حساب النمو الاقتصادي.
شهدت الاشهر الاخيرة توترا بات علنيا بين الوزير ومدراء الاقسام المهنيين في وزارته وبشكل حاد مع قسم الميزانيات في الوزارة ومقابل بنك اسرائيل المسؤول عن السياسة المالية والنقدية.
في شهر ايار/مايو المنصرم تم تقدير الخسائر الاقتصادية الشاملة من جراء التشريعات الدستورية بـ150 مليار شيكل أي ما يفوق 40 مليار دولار تقريبا على اقل تقدير و 230 مليار شيكل) 62 مليار دولار (بالحد الاعلى. في هذه الفترة ولغاية اليوم تراجعت قيمة الشيكل مقابل الدولار من 3.5 الى 3.85 شيكل للدولار، وهو ما يدفع بالتضخم المالي وغلاء المعيشة الى الارتفاع، ومن شأنه أيضا ان يدفع لاحقا نحو ملامح ركود اقتصادي مرتبط بتطور الازمة الداخلية.
وفقا للتقرير الذي عرضه الوزير على الكنيست فإن الثمن الاقتصادي نتاج الازمة الشاملة ونتاج الانقلاب القضائي وتخوف المستثمرين، تسير في دالة تصاعدية قد تصل ذروتها في الاسابيع القادمة في حال قررت المحكمة العليا الغاء قانون “حجة المعقولية” ودخلت البلاد في أزمة فوضى المرجعيات. احدى تجليات ما يمكن حصوله هو الارتفاع الكبير والمباشر للدولار مقابل الشيكل في اعقاب خطاب رئيس الكنيست امير اوحانا يوم 6 ايلول/سبتمبر والذي هدد فيه قضاة المحكمة العليا من مغبة شطب القانون المذكور واعتبر ان الكنيست لن تبدي خضوعا للمحمة العليا.
وفقا لوزارة المالية، في الربع الاول من العام الحالي، تراجعت الاستثمارات الاجنبية الى 2.6 مليار دولار اي بنسبة 60%، مقارنة بالمعطيات الموازية للعامين 2020 و2022. يضاف اليه انخفاض في عدد المعاملات الأجنبية وعدد المستثمرين الأجانب خلال الربع الأول من العام. ونقلا عن معطيات المكتب المركزي للإحصاء، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول من العام 2023 انخفض بنسبة 34% إلى 4.76 مليار دولار، مقارنة بالمتوسطات الفصلية المسجلة في عامي 2020 و2022.
كما تشهد اسرائيل التي تعتبر نفسها “دولة عظمى في المشاريع المتجددة – اكزيت” فإن متوسط حجم معاملات الاندماج والاستحواذ والطرح العام الأولي للأسهم في هذه الشركات الناشئة قد انخفض في الربع الأول من العام بنسبة 80٪ إلى 56 مليون دولار، من حوالي 307 ملايين دولار في عامي 2020 و2022. وقد عزت وزارة المالية جزءًا من الانخفاض الحاد إلى انخفاض في تقييمات العديد من شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
من الجدير التنويه الى ان المنحى العام للاقتصاد الاسرائيلي يشهد في السنوات العشر الاخيرة تحولا من اعتماد المشاريع الناشئة على الشركات الكبرى في مجال الهايتك، ليصل عدد شركات الهايتك العاملة فيها الى 6000 والتي تجند سنويا 6 مليار دولار وفقا لمعطيات 2017، وأن ثلثي هذه الاستثمارات التي تم تجنيدها تذهب الى بناء شركات كبيرة والى عالم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. مقارنة بالعام 2017 ففي النصف الثاني من عام 2022، تباطأت الاستثمارات في الشركات الخاصة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، وهبوط سوق الأسهم العالمية، وتسريح العمال في مجال التكنولوجيا. بينما باتت حالة عدم اليقين السياسي بشأن الانقلاب القضائي وحكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير مميزة للحالة الاسرائيلية مما يدفع المستثمرين الأجانب إلى الانتظار ومراقبة الأوضاع قبل عقد الصفقات. ، مقابل انسحاب العديد منهم من البلاد وهروب الاموال والاستثمارات الاسرائيلية الى الخارج في دول اكثر استقرارا وجدوى، وحتى هجرة الكثير من الادمغة ذات الصلة. في العام 2022، بلغت معاملات الاستثمار الأجنبي في اسرائيل 29.3 مليار دولار، منها 21 مليار (72%) من الولايات المتحدة و2.4 مليار (8%) من بريطانيا.
الخلاصة:
• الازمة الاسرائيلية الداخلية هي ازمة شاملة ذات اسقاطات استراتيجية امنياً واقتصاديا ولا توجد اية احتمالات لمخارج حالية منها ولا يمكن رؤية نهايتها.
• الازمة الاقتصادية المرافقة للازمة العامة، لم تبلغ مداها بعد وهي ازمة متدحرجة تتغذى من حالة عدم الاستقرار وتراجع الثقة لدى الاستثمارات الاجنبية والاسرائيلية على السواء، مما يعني انها سوف تتعمق وتتسع أكثر، وستشهد المزيد من هروب الاموال والأدمغة والاستثمارات.
• التقدير ان الازمة الاقتصادية بنيوية، يضاف اليها ازمة الجهوزية في الجيش وتآكل الردع، كلها عوامل ستعيد اسرائيل الى حجمها الطبيعي ، متغيرات من شأنها ان تعصف بأية مساع لهيمنة اسرائيلية على المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.