إسرائيل ترفض الهدن الانسانية في غزة

تقديرات بان تل ابيب وواشنطن تغرقان أكثر في الحرب
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم:
الرفض الإسرائيلي الرسمي للهدنة الانسانية المؤقتة التي حملها زيارة وزير الخارجية الامريكي الأخيرة لتل ابيب، اعتبره مراقبون اسرائيليون بداية انقلاب من رئيس الحكومة نتنياهو على الموقف الامريكي ومؤشرا اضافيا على فقدانه السيطرة على القرار وانصياعا لمصالحه الذاتية والى موقف حزبي الصهيونية الدينية الشريكان في الائتلاف الحاكم.
التحليل:
جاء بلينكين الى اسرائيل في الثاني من نوفمبر، وحضر اجتماع حكومة الحرب المقلصة، والاساطيل الامريكية تقف على مقربة من الشواطئ وتشارك قوة من وحدة دلتا في العمليات الحربية على الأرض، والخبراء والمستشارون العسكريون يتواجدون في غرفة العمليات التي تقود المعارك، وبحسب الناطق العسكري الاسرائيلي يوم 3/11 “نحن نقوم بكل الامور بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وبكل ما يتفق عليه بين المستوى السياسي [الاسرائيلي] مع الولايات المتحدة”. في ضوء ذلك، هل تحتمل إسرائيل خلافا مع الولايات المتحدة حول قرارها بضرورة فتح المعابر الانسانية المؤقتة في قطاع غزة. أم ان الامر لا يعدو ذرا للرماد في عيون حلفاء واشنطن العرب وتهدئة للضغط الشعبي الأمريكي الداخلي الذي ترتفع وتيرة نقده واحتجاجه على الدعم غير المحدود لإسرائيل وجرائمها في قطاع غزة.
رافقت زيارة بلينكن تصريحات متباينة اللهجة من الرئيس بايدن او نسبت اليه، ومفادها ضرورة توفير سلسلة من الهدن تتيح المجال لإدخال “المساعدات الانسانية” الى غزة وتبادل الاسرى وخروج الأجانب من مسرح المعركة. لم يتحدث بايدن عن وقف لإطلاق النار اي وقف الحرب على غزة، الا ان القراءة الاسرائيلية لتصريحاته مفادها ان المهلة المفتوحة لمواصلة العدوان على غزة اخذت تتقلص، بعد ان كان الوعد بانها معركة قد تطول لأسابيع وربما لأشهر. وبصرف النظر عن حجم التباين في الموقفين، الا ان المؤشرات المختلفة تشير الى أن الوضع الكارثي في غزة بدأ يقلق الادارة الامريكية ويضر بمصالحها واولوياتها ويزيد من الضغط الشعبي، الذي يحسب الان بميزان مستقبل بايدن وحزبه الديمقراطي في انتخابات 2024.
لعل استمرار الكارثة الانسانية وارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين، بدا يشكل حرجا للإدارة الامريكية، وكما اوردت شبكة CNN نقلا عن مستشاري بايدن بأنه “سيكون من الصعب على اسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية مع اشتداد الغضب العالمي بشأن حجم المعاناة الانسانية في غزة”،
وفق استطلاع الباحث كميل فوكس والذي نشر يوم 3/11 وبعد انباء لم تؤكد عن مطالبة بايدن لنتنياهو “بتسليم الحكم الى خليفته، ” فإن 76% من المستطلعين ، يرون بضرورة استقالته من رئاسة الحكومة، إما فورا (29%) او عند انتهاء الحرب (47%). وهناك تصاعد في منحى المطالبة بتنحيه كلما طال أمد الحرب على غزة، لكون المجتمع الاسرائيلي لا يرى انجازات عسكرية حقيقية تتحقق مع هدف غامض لا حدود له وهو انهاء القدرات العسكرية لحركة حماس ، وبدأ الجمهور يتلمس ثمن هذه الحرب بشريا واقتصاديا واجتماعيا، ناهيك عن حملة عائلات الاسرى الاسرائيليين في غزة التي تتصاعد رغم محاولات كبتها والتكتم على الغضب الشعبي. بات الاسرائيليون يشعرون ان اكثر من يتفهم قلق ومشاعر عائلات الاسرى هم الادارة الامريكية التي تعتبر تحرير الاسرى والتوصل الى صفقة لها الاولوية، مقابل شعور سائد بأن سياسة حكومة نتنياهو هي اقرب الى التضحية بالأسرى لصالح اهداف الحرب المعلنة وهي اجتثاث حركة حماس.
التصعيد الاحتلالي في الضفة الغربية سواء من قبل جيش الاحتلال ام عصابات المستوطنين المسلحة، يكشف عن مخطط لدى اوساط حاكمة في اشعال الضفة الغربية وذلك بخلاف موقف المؤسسة الامنية، وفيه مؤشرات لمشروع تطهير عرقي سكاني ولتقويض السلطة الفلسطينية وسد الطريق امام اي حل سياسي للقضية الفلسطينية بات يتقدم عالميا بعد مشاهد الحرب الكارثية. ولهذا يمكن تفهم القلق الأمريكي من مخاطر المشروع المتطرف الذي يقوده بن غفير وسموتريتش في الضفة الغربية والذي يقد يدمر كل الأسس لاحتمالات حل للصراع ، وهو القلق الذي جعل من راس الدبلوماسية الامريكية بلينكن يعود الى رام الله ، ليؤكد رفضه لفكرة انهاء السلطة الفلسطينية ومؤسساتها .
خلاصة:
• مع بداية تصدع العلاقة مع الادارة الامريكية كما يبدو للعلن، واحتلال موضوع الاسرى الإسرائيليين لدى حماس موقع الاولوية في الشارع واتساع نطاق المطالبة الشعبية لنتنياهو بالتنحي، عاد نتنياهو الى نهج الرضوخ لمواقف شريكيه بن غفير وسموتريتش، على حساب وحدة حكومة الحرب المقلصة ليس من اجل الاستمرار في الحرب على غزة وصولا الى الترحيل النهائي للسكان وانما تصعيد الحرب في الضفة الغربية وتطبيق سياسة التطهير العرقي دفعا الى خيار الترانسفير نحو الأردن.
• منذ السابع من أكتوبر بات نتنياهو أكثر استعدادا للتضحية بشركائه في الائتلاف من تيار الصهيونية الدينية ظنا منه انها الفرصة المناسبة لإعادة الاعتبار لشخصه ومكانته في الحياة السياسية. لكن الفشل في تحقيق إنجازات عسكرية غير المقتلة الجماعية للسكان، وبأهداف غامضة، تشير الى بداية تورط في خلاف مع الادارة الامريكية قد يقوده الى المزيد من توريط اسرائيل في غزة، وتوريط الموقف الامريكي الشريك في الحرب.
• رفض الادارة الامريكية لوقف إطلاق النار وحصر الامر بالهدن الانسانية، يمكن قراءته كتقدير موقف امريكي بأن اسرائيل لم تحقق اهدافها وقد تكون عاجزة عن ذلك بالتمام. لكنه يشير في المقلب الاخر الى ان الحرب على غزة قد تطول ولم تبلغ مداها النهائي بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.