أول اقتراع بعد الحرب في لبنان: قراءة في انتخابات بيروت والبقاع المحلية

تقدير موقف: د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

تقديم: نسلّط الضوء على ما خرجت به صناديق الاقتراع في المرحلة الثالثة للانتخابات البلدية في لبنان بسبب ما أظهرته من جوانب تتعلق بحزب الله والثنائي الشيعي في محافظتي بيروت والبقاع. فكيف يمكن تحليل المشهد وتداعياته على المرحلة الرابعة والأخيرة في جنوب لبنان كما على مستقبل الجدل السياسي العام؟

في التفاصيل:

-في 18 مايو 2024، جرت المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي بدأت في 4 من نفس الشهر. وضمت هذه المرحلة محافظتي بيروت والبقاع. وتتيح تلك الانتخابات رصد شعبية الأحزاب الأساسية الكبرى، لا سيما حزب الله وحركة أمل.
-يسجل في هذه المرحلة احتفاظ حزب الله وحركة أمل (الثنائي الشيعي( بالهيمنة الكاملة على كافة المناطق الشيعية وبلدياتها وفشل قوى الاعتراض داخل الطائفة في تسجيل اختراقات تُذكر.

-يُسجل تقدم كبير لحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع (وهو الحزب الأكثر خصومة لحزب الله) داخل الدوائر ذات الغالبية المسيحية، مقابل تراجع نسبي لحزب التيار الوطني الحر، الذي يرأسه جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، الذي كان سابقا متحالفا مع الحزب.

-كان لافتا وجود تحالف في بيروت ضمّ كافة الأحزاب الرئيسية في البلد على الرغم من تناقضها وخلافاتها، بحيث تواجد حزب الله وحركة أمل وتيارات سنّية ًودرزية وأحزاب اليمين المسيحي، بما فيها حزب القوات اللبنانية، داخل لائحة واحدة فازت في انتخابات بلدية العاصمة.

-أُقيم تحالف الأضداد في بيروت على قاعدة تأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي للعاصمة. وقد روّج حزب الله لدوره في دعم المرشحين المسيحيين لتأمين حضورهم في نصف مقاعد المجلس.
-غياب تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري عن العمل السياسي أدى إلى تشتت المرشحين السنّة وغياب بوصلة سُجلت في انخفاض كبير لنسبة مشاركة الناخبين السنّة في مدينة بيروت، لصالح كثافة حضور جمهور الأحزاب الكبرى المتمكنة من طوائف أخرى.
-رغم أن انتخابات جنوب لبنان تجري يوم السبت في 24 مايو 2025، غير أن اكتساح تحالف حزب الله وحركة أمل نتائج دوائر الشيعة في البقاع سيتمدد حتما على نتائج الدوائر في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل حيث يمثل الشيعة الأغلبية الساحقة.
-رغم تواجد الأحزاب المتناقضة على لوائح مشتركة، لا سيما وجود الثنائي الشيعي وأحزاب مسيحية في تلك اللوائح، إلا أن هذا التحالف ظرفي مصلحي ينتهي بمجرد صدور النتائج النهائية ليعود السجال من جديد بين تلك الأحزاب.
-يُعتقد أن الجدل بشأن سلاح حزب الله سيستعرَ في المرحلة المقبلة بسبب ضغوط داخلية وخارجية مصدرها ارتهان المساعدات الخارجية للبنان لمسألة حصر السلاح بيد الدولة. بمعنى أن الانتخابات والتحالفات لن تغير من حدّة الجدل الداخلي حول هذه المسألة.
-يلفت مراقبون إلى أنه على الرغم من أن أحزابا سياسية معروفة المواقف والأفكار خاضت وتخوض المعركة الانتخابية، غير أن للانتخابات البلدية حسابات محلية تتدخل فيها اعتبارات ضيقة وحسابات عائلية وعشائرية تفرض حتى على السياسيين خيارات بيتية محلية.
-على الرغم من تمكن لوائح المستقلين والمجتمع المدني ودعاة التغيير من خارج الأجسام السياسية التقليدية الكبرى تسجيل اختراق نوعي فاز به عدد من النواب “التغييرين” في الانتخابات التشريعية عام 2022، فشلت لوائح هذه الفئات من تسجيل اختراقات لا سيما في بيروت وبعلبك على الرغم من عدم ثقة المجتمع بالطبقة السياسية اللبنانية التقليدية.
-يعتقد أن اللوائح المدنية فشلت في توفير وحدة صف بين مكوناتها فتشرذمت بسبب حسابات المناصب والمصالح، ولم تستطع مواجهة الماكينات الانتخابية المنظّمة والمموّلة للأحزاب الكبيرة والتي يتحرك ناخبوها وفق “بلوكات” مقفلة مطيعة لتوجهات أحزابها.
-رغم تأكيد حزب الله، بناء على نظام انتخابات أغلبي، على شعبيته داخل الطائفة الشيعية، فإن الأمر لم يكن مفاجئا، لا بل أن ضغوط الحرب الأخيرة على الحزب بعد مقتل زعيمه السيد حسن نصر الله عزّز عصبية مضادة تطال الطائفة الشيعية وليس أنصار حزب الله فقط.

-من المستبعد أن تغيّر النتائج التي حققها حزب الله داخل البلديات في المناطق الشيعية الجدل بشأن نزع السلاح وإن كان يعوّل على هذه النتائج لتعزيز موقعه السياسي في الداخل وتحسين صورته لدى المجتمع الدولي.

خلاصة:

**انتخابات بيروت والبقاع البلدية والاختيارية في لبنان ترصد حصص القوى السياسية لا سيما حزب الله في أول اقتراع بعد الحرب الأخيرة.
**أطاحت القوى السياسية الكبرى والمتناقضة في تحالف مصالح بكل المنافسين بما فيهم القوى المدنية والتغييرية في بيروت.
**تمكن “الثنائي الشيعي” من حشد ناخبيه على نحو منظّم تحت شعار المحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس العاصمة البلدي.
**أطاح “الثنائي الشيعي” بلوائح المعارضة الشيعية في بعلبك والبقاع بما كشف عن حشد طائفي شيعي حول الحزبين الشيعيين الرئيسين.
**يًُعتقد أن الضغوط العسكرية التي نالت من قوة حزب الله في الحرب الأخيرة استدرجت عصبية شيعية ملتفة حول الحزب صبّت لصالح تعزير حجمه داخل صناديق الاقتراع.
**غياب تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري عن العمل السياسي سبب تشتتا وفوضى في تمثيل السنّة وعزوف الناخب السني عن المشاركة في الانتخابات.
**مقابل احتفاظ حزب الله برصيده الانتخابي، حقق حزب القوات اللبنانية المسيحي انتصارا كاسحا في كافة الدوائر المسيحية للانتخابات، بما يعني كبر حجم القوة المسيحية المناوئة لحزب الله.
**رغم تمكن حزب الله من إظهار قوته الشعبية، غير أن ذلك لن يوقف الجدل الداخلي بشان ضرورة التزام الحزب بالقرار 1701 وتسليم سلاحه للدولة اللبنانية.
**بعد الفوز الكاسح لثنائي حزب الله وحركة أمل من المرجح أن ينسحب ذلك على انتخابات المرحلة الأخيرة في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.