أوروبا تستبق ترامب وترفع مستوى التشدّد ضد إيران
تقدير موقف من د. محمد قواص ، مركز تقدم للسياسات
تقديم: قدمت ثلاث دول أوروبية مشروع قرار إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية يدين إيران. من شأن هذا القرار رفع مستوى التصعيد ضد طهران واحتمال إحالة الملف إلى مجلس الامن وإعادة تفعيل العقوبات الأممية الشاملة. طهران تحذّر وتهدد، فيما يتساءل المراقبون عن أسباب القفز إلى التصعيد قبل استلام الرئيس الأميركي المنتخب منصبه وسط مخاوف من احتمال إبرامه صفقة ثنائية مع إيران.
نقرأ الحدث في تأمل للمعطيّات والتحليلات والخلفيات التالية:
– تقدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بدعم من الولايات المتحدة بمشروع قرار لمناقشته في اجتماع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يندد بعدم تعاونها مع الوكالة.
– إدانة إيران قد تصل إلى حدّ إعادة الملف إلى مجلس الأمن. ما يعني تفعيل آلية Snapback التي تعيد فرض عقوبات أممية على إيران من دون الحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن.
– في 20 نوفمبر أبلغ وزير الخارجية الإيرانية، نظيره الفرنسي أن الضغط من جانب فرنسا وألمانيا وبريطانيا من شأنه أن “يعقد الأمور” ويتناقض مع “الأجواء الإيجابية التي نشأت بين إيران والوكالة الذرية”.
– إثر انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وقبل أسابيع من اجتماع لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجهت طهران دعوة لمدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، لزيارة إيران لبحث كيفية حلّ النزاع بين طهران والوكالة.
– يذكر أن آخر زيارة لغروسي جرت في مايو 2024، وكشفت خلافا متفاقما بين طهران والوكالة. أعلن غروسي إثرها، أن إيران باتت تملك التقنية والإمكانات لصناعة قنبلة نووية، موضحاً أن ليس لديه معلومات بشأن نية الجمهورية الإسلامية القيام بذلك.
– في 14 نوفمبر 2024، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أثناء لقائه بغروسي، أن بلاده جاهزة لإزالة “الشكّ والغموض” عن البرنامج النووي. وأعلن غروسي أن إيران عرضت وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وقام مفتشو الوكالة بتفقد التحضيرات لوقف ذلك في بعض المنشآت، لكنه اعتبر أن على الوكالة أن تتخذ، مع ذلك، قررا بشأن حالة عدم امتثال إيران لقواعد التعاون مع الوكالة.
– تكرر إيران عدم وجود خطط لصناعة قنبلة نووية، وتؤكد أن أنشطة برنامجها النووي محصورة بالأغراض المدنية. وتردد طهران أن عدم صناعة قنبلة نووية مرتبط ايضا بفتوى للمرشد، علي خامنئي، تحرّم الأمر “لتعارضه مع أخلاق الإسلام”.
– بعد التصعيد العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل وارتفاع ما تعتبره إيران ضغوطا دولية عليها، ارتفعت في إيران دعوات من منابر قريبة من المرشد والحرس الثوري تطالب بإدخال تغييرات على العقيدة النووية تسمح بصناعة قنبلة نووية.
– بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، عام 2018، رفعت إيران معدل تخصيب اليورانيوم من مستوى 3.67 بالمئة الذي ينصّ عليه الاتفاق إلى مستوى 20 ثم 60 بالمئة، ورفعت حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب.
– وفق تقرير للوكالة، فإن مخزون طهران المقدّر من اليورانيوم المخصب تجاوز بـ 32 مرة الحدّ الوارد في اتفاق عام 2015. وتعتبر الوكالة أنه وفق معدلات التخصيب الحالية وحجم اليورانيوم المخصّب الذي صارت تملكه إيران، فإن إيران تملك صناعة 3 قنابل نووية.
– معروف أن صناعة قنبلة نووية يحتاج إلى معدل تخصيب لليورانيوم يصل إلى 90 بالمئة. وكانت الوكالة وجدت، في مارس 2023، في منشأة فوردو آثار تخصيب بنسبة 87.6 بالمئة. ولم تقدم طهران تفسيرا لذلك. كما أزالت طهران منذ عام 2022 كاميرات مراقبة تابعة للوكالة، ومنعت دخول مفتشين إلى منشآت لتفقدها.
– اللافت أن إدارة الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة، والتي كانت في السنوات الأخيرة رافضة لإجراءات متشددة ضد إيران لتسهيل المفاوضات التي كانت جارية قبل ذلك، قد انضمت لدعم القرار الأوروبي المتشدّد.
– يعتقد مراقبون أوروبيون أن الموقف الأوروبي المتشدّد يعود أيضا إلى الخشية من صفقة قد تبرمها إدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، المقبلة، لا تأخذ بالاعتبار مصالح أوروبا، وأن الدول الأوروبية الثلاث تريد ضمان شراكتها في أي اتفاق أميركي إيراني محتمل.
– تقول بعض المصادر أن أوروبا تريد استباق سياسات ترامب حيال أوروبا والتي، على الرغم من غموضها، قد تكون عدائية شبيهة بسياساته خلال ولايته السابقة.
– على الرغم مما عرف عن ترامب من تشدد في ولايته السابقة ضد إيران، غير أنه أعلن أثناء حملته الأخيرة أنه على استعداد لإبرام اتفاق جديد مع إيران شرط عدم امتلاكها السلاح النووي. وتعتقد مصادر إيرانية مراقبة أن أوروبا وإدارة بايدن تسعيان لتعطيل تفاهمات محتملة في الولاية الرئاسية المقبلة.
– يعود القلق الأوروبي أيضا إلى كشف صحيفة نيويورك تايمز عن لقاء جمع سفير إيران في الأمم المتحدة مع الملياردير الأميركي إلون ماسك المقرّب من ترامب وعضو إدارته المقبلة.
– اللافت أن محللين إيرانيين يقولون إن طهران باتت تعوّل على ترامب لإبرام اتفاق بعد أن عوّلت عام 2020 على نجاح بايدن الذي وعد أثناء حملته الانتخابية آنذاك بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
– تلمح إيران إلى ردّ انتقامي في حال معاقبتها من قبل مجلس المحافظين قد يشمل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة مع احتمال انسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT))
خلاصة:
**يُعتبر الموقف المتشدد الأوروبي ضد إيران المتعلّق ببرنامجها النووي مرحلة حرجة قد ترفع من مستوى الصدام بين الغرب وإيران.
**يفسّر المراقبون تشدد فرنسا وبريطانيا وألمانيا بعدم رغبتهم في تسهيل احتمالات صفقة قد يبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تأخذ بالاعتبار مصالحها، خصوصا أن ترامب أثار هذا الاحتمال، ولا تعرف موقفه من الأوروبيين في ولايته الجديدة.
**كان لافتا أن إدارة جو بايدن انضمت إلى دعم مشروع قرار الدول الثلاث لإدانة إيران داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما اعتبر تخليا عن سياسة الاعتدال السابقة التي كانت تنتهجها حماية للمفاوضات.
**ترجّح بعض الآراء أن يكون التشدّد ضد إيران مرتبط بالسياق العام للحرب في الشرق الأوسط والضغوط العسكرية ضد طهران والفصائل الموالية لها في المنطقة.
**على الرغم من تهديد إيران ببدائل ردّ ضد التصعيد الغربي قد تشمل رفع مستوى اهداف البرنامج النووي، بما في ذلك دفعه نحو أغراض عسكرية، غير أن الضغوط الداخلية وتلك العسكرية قد تدفعها إلى الابقاء على الخطاب المنفتح الذي يتناه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.